الدوري السعودي.. "جنة" كرة القدم؟
الدوري السعودي فتح أبوابه وأخذ يستقطب النجوم والأسماء الكبيرة، ما يثير أسئلة من قبيل هل ستنافس السعودية الدوريات الأوروبية؟ وهل هي انتفاضة مؤقتة أم مشروع حقيقي؟
لطالما كانت الدوريات العربية، وخصوصاً الخليجية منها، محطة لحصد بعض الأموال في نهاية مسيرة اللاعبين العالميين، ولاعبون كثر حضروا إلى قطر والإمارات ولعبوا لفترات واعتزلوا بعدها، وكانوا يأتون لأن الأندية تدفع لهم رواتب عالية، حتى إن بعضهم لم يكن في أعلى درجات النجومية، ولا يملك قاعدة شعبية ضخمة.
تجارب كثيرة سعت إلى استقطاب النجوم وإغرائهم بالأموال من خارج قارة أوروبا، مشاريع لم تكن واضحة المعالم، فالتجربة الصينية مثلاً لم تكن ناجحة، وسرعان ما انطفأت لأن كرة القدم ليست جذابة هناك.
البوصلة تدل إلى "الشرق".. هنا، الدوري السعودي
في ثمانينيات وتسعينيات القرن الماضي، كانت إيطاليا تسمى بـ"جنة كرة القدم"، وكان كل الإعلام ينصب وجهه للدوري الإيطالي، بعدها خرج الدوري الإنكليزي بمشروع جديد واسم جديدة وهوية جديدة؛ البريميرليغ، ليصبح في السنوات الأخيرة مغناطيساً لكل عشاق كرة القدم، ويخطف الأنظار بكل تلك الطاقة والقوة والأسماء والأموال التي تدفع هناك، ويضع هالة مضيئة من حوله، وفي كفة أخرى هناك ريال مدريد وبرشلونة وكانا قادرين على المنافسة المالية، بالإضافة إلى محاولة من جانب باريس سان جيرمان الفرنسي لكنها لم تكلل بالنجاح التام من حيث الإنجازات بتحقيق دوري أبطال أوروبا.
لكن، منذ نهاية العام 2022، انطلقت في السعودية شرارة تغيير لخبطت كل شيء وفتحت ألسنة اللهب ونثرت الحبر، إذ تعاقد النصر مع كريستيانو رونالدو بعد أن حار الجميع في وجهته عند مغادرة مانشستر يونايتد.
وفي صيف عام 2023، تناثرت حبات "المسبحة"، الدعم المالي الكبير من صندوق الاستثمار السعودي أخرج الهلال واتحاد جدة والأهلي "بشراهة" إلى السوق، بحثاً عن تعزيز صفوفها بأفضل اللاعبين والنجوم من حيث الأداء والشعبية والانتشار، فتعاقدت الأندية السعودية مع لاعبين ما زال لديهم ما يقدمونه وبعضهم ما زال في متوسط عمر جيد، وآخرون كانوا أولوية في لائحة تعاقدات أندية أوروبية، لكن الأندية السعودية أغرتهم وضمتهم.
الأنظار اليوم باتت تتوجه إلى الدوري السعودي، وردود الأفعال وكأن الجمهور يعيش في حلم، في وسائل التواصل الاجتماعي 10 آلاف رد فعل، فالجماهير العربية تشعر بأنها تحلم، وبأن انضمام لاعبين أمثال رونالدو ونيمار وبنزيما وفيرمينو وآخرين إلى الدوري السعودي أمر من الخيال.
في البداية، كانت الحملة على ما يحدث قوية وكبيرة غربياً، لكن كثيرين رضخوا للواقع وأدركوا بأن هناك منافساً جديداً للأندية الأوروبية التي سيطرت على اللعبة منذ ولادتها.
🎥 - مترجم |"عندما كان البريميرليغ وبرشلونة وريال مدريد يشترون افضل لاعبي العالم، لم يقل احد شيء. فقط لانها السعودية فهم يصابون بالجنون."
— خـالد 🇰🇼 (@leagebest) July 6, 2023
حديث رائع من ريو فيرديناند عن نفاق جيمي كاراغير ووسائل الاعلام الأوروبية عند حديثهم عن انفاق الدوري السعودي 👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻👏🏻 pic.twitter.com/6kskaOzRwj
وأكثر من انزعج القائمون على الدوري الإنكليزي الممتاز التي تحيط نفسها بهالة كبيرة، لكن نجم مانشستر يونايتد السابق، ريو فيرديناند كان عنيفاً في رده على المنتقدين من أبناء بلده إذ قال "عندما كان البريميرليغ وبرشلونة وريال مدريد يشترون أفضل لاعبي العالم، لم يقل أحد شيئاً. فقط لأنها السعودية فهم يصابون بالجنون."
أصوات كثيرة ارتفعت مطالبة الاتحاد الدولي لكرة القدم "فيفا" بالتحقيق في الأموال الخيالية التي تصرف على كرة القدم في السعودية، في مقابل أسئلة عديدة طرحها الجمهور، منها: لماذا لا يذهب الفيفا ويحقق في إنفاق تود بويلي في تشيلسي؟ الإنفاق الجنوني للرجل الأميركي! لماذا لا يحق للسعودية والقائمين على أندية تملك قاعدة جماهيرية كبيرة أن تتوسع وتتعاقد مع النجوم؟ الأمور باتت حقيقية اليوم الدوري السعودي ركب حافلة براقة وبدأ يجذب الأنظار.
الاستثمار في كرة القدم في السعودية
عندما أطلق ولي العهد السعودي رئيس مجلس الوزراء محمد بن سلمان بن عبد العزيز، مشروع الاستثمار والتخصيص للأندية الرياضية، بعد اكتمال الإجراءات التنفيذية للمرحلة الأولى، كان واضحاً بأن هذا الأمر يدخل في "رؤية 2030"، والهدف منه بناء قطاع رياضي فعال، من خلال تحفيز القطاع الخاص وتمكينه للمساهمة في تنمية القطاع الرياضي، بما يحقق التميز المنشود للمنتخبات الوطنية والأندية الرياضية والممارسين على الصعد كافة.
ويتضمن المشروع في المرحلة الحالية مسارين رئيسيين؛ أولهما، الموافقة على استثمار شركات كبرى وجهات تطوير تنموية في أندية رياضية، في مقابل نقل ملكية الأندية إليها، والثاني طرح عدد من الأندية الرياضية للتخصيص بدءاً من الربع الأخير من عام 2023.
ولعل واحداً من أبرز الأسئلة المطروحة هو ما إذا كانت السعودية ستسرد كل الأموال التي تدفعها والرواتب الخيالية التي تقدمها للاعبين، قد يبدو الأمر صعباً وأشبه بالمستحيل، لكن الرهان في هذه الاستراتيجية لا يمكن فهمه واستخراج نتيجته من العام الأول، الأمور تحتاج إلى وقت لرؤية الاستثمارات التي ستنجذب إلى هذا المشروع، وخصوصاً تلك الخاصة منها، بعيداً عن صندوق الاستثمارات السعودي الداعم لأندية الهلال والاتحاد والنصر والأهلي.
Who’s your Saudi League team? 🇸🇦 pic.twitter.com/72banvL8Uu
— 433 (@433) August 16, 2023
عندما انضم رونالدو إلى النصر، ارتفع سعر التذكرة من 10 ريالات سعودية إلى 150 ريالاً سعودياً، ومع استمرار توافد النجوم والأسماء سترتفع الأسعار أكثر، وسيبدأ المشروع بتغذية نفسه تدريجياً، مثلاً إذا سألت شاباً لبنانياً هل تود مشاهدة مباراة في الدوري السعودي، فسيقول نعم، لقد أصبح الأمر مغرياً، فالأسماء التي انتقلت إلى هناك تشكل جزءاً من الذاكرة الكروية لعشاق كرة القدم.
صفحة 433 الرياضية الشهيرة في وسائل التواصل الاجتماعي، طرحت سؤالاً من هو ناديك المفضل في الدوري السعودي؟ إذاً، هذه الحال بدأت تأخذ شكلها، فالجمهور الغربي سيوجه أنظاره إلى الشرق، وسيبحث عن مستقر له بين الأندية السعودية ليختار أي قميص سيرتدي، هل سيلحق جيرارد أو رونالدو أم فيرمينو أو بنزيما، من هو فريقه، ومع الوقت سيقرأ تاريخ الأندية السعودية كما فعل شباب العالم العربي عندما عشقوا برشلونة وريال مدريد ومانشستر يونايتد وليفربول وغيرهم، ولما لا قد يذهب ليتعلم العربية!
انتفاضة مؤقتة أم مشروع حقيقي؟
هناك سؤال أساسي وعلامات استفهام حول ما يدور في السعودية، خصوصاً في ما يخص الموهبة المحلية وتطوير كرة القدم على صعيد المدارس، الكل يدرك إمكانية تأثير النجوم في قوة الدوري وقيمته السوقية والإعلامية، لكن ماذا سيحدث في ما يخص تطوير نواة كرة القدم؟ هل ستسقط السعودية في الفخ الذي وقعت فيه قطر والإمارات والصين ودول أخرى بحثت عن الاستثمار الرياضي من خلال استقطاب النجوم.
الإجابة عن هذا السؤال تكمن عند القائمين على اللعبة، وربما يمكن تحليل بعض من خياراتهم.
بحسب برنامج مكافحة السمنة الصادر عن وزارة الصحة السعودية، وصلت نسبة السمنة أو زيادة الوزن إلى ما يقارب 70%، أي أن من بين كل 4 سعوديين هناك 3 أشخاص مصابون بالسمنة أو الزيادة في الوزن، وذلك بسبب تغير النمط المعيشي القائم على قلة الحركة وتناول الوجبات ذات السعرات الحرارية المرتفعة.
نعيش تاريخ حرفياً في الدوري السعودي هذا الموسم .. نيمار ضربة كبيرة للهلال حلم جديد أصبح واقع للجميعpic.twitter.com/Xo0sLrOZfL
— حسن دراز (@hassandraz_) August 15, 2023
وفي ما يخص كرة القدم، يمكنك ملاحظة أصحاب الوزن الزائد يمارسون الرياضة في الملاعب الصغيرة وغيرها وهم من عشاق هذه اللعبة، في المدرجات أيضاً يمكنك ملاحظة شغفهم وتعلقهم بفرقهم، ولكن هل ينعكس هذا العشق في سلوكهم الغذائي وهل يسعون إلى أن يصبحوا نجوماً؟
جزء من عملية التطوير الرياضي وكرة القدم تدخل ضمن برنامج الصحة العامة للبلاد، لذلك أحد الأهداف التي وضعها رئيس الاتحاد السعودي لكرة القدم ياسر بن حسن المسحل زيادة عدد لاعبي كرة القدم المسجلين من نحو 21 ألف لاعب إلى أكثر من 200 ألف لاعب، وهذا ربما يدل على أن هناك عملاً لتطوير اللعبة وصقل المواهب أيضاً، وإدخال ثقافة جديدة في البلاد يمكن وضع عنوان لها "كيف تكون لاعب كرة قدم؟"، وجزء من لاعب كرة القدم نظامه الغذائي.
إحدى الصحف السعودية وضعت صور النجوم القادمين إلى دوري روشن السعودي وعنونت "أهلاً بكم في جنة كرة القدم"، فهل ستفتح السعودية أبواب "جنة كروية" جديدة؟