إيمانويل ماكرون.. من بنزيما إلى مبابي وما بعد زيدان!
إيمانويل ماكرون الرئيس الفرنسي سعى لبقاء مبابي في باريس سان جيرمان وعودة كريم بنزيما إلى المنتخب، ويريد زيدان مدرباً في الدوري الفرنسي. لماذا؟
تتكرّر دائماً عباراتٌ تتعلق بتحوّل الرياضة من مسرح للمنافسة الرياضية إلى سوق كبير في عالم التسويق على تباينه، سواء فيه التسويق التجاري والسياسي والأممي. ويُقصد بالأممي أن الدول ورؤساءها باتوا يدركون قيمة الرياضة فيما يسمى بناء صورة الدولة، وبناء العلامة التجارية للدولة "Brand Image"، وهذا ما يعمل عليه اليوم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون.
اهتم الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون في الفترة الأخيرة بالشؤون الرياضية اهتماماً دقيقاً وغير مسبوق، وأخذ يتدخّل في تفاصيل مرتبطة بأفراد (رياضيين). لم يظهر رئيس دولة في يوم من الأيام ليتحدّث عن رياضيين معينين ويسمّيهم بأسمائهم، عادة يكون الخطاب العام أن الرياضيين بمثابة سفراء للبلاد وهم جزء من ثقافتها وصورتها، لكن ماكرون يعمل اليوم بطريقة مختلفة.
ماكرون مدير رياضي أم رئيس جمهورية؟
في الفترة الماضية، تحدّثت الصحافة عن تولي لاعب ومدرب ريال مدريد السابق، الفرنسي، زين الدين زيدان تدريب باريس سان جيرمان، الفريق المملوك قطرياً، ويرأسه ناصر الخليفي. بعد حديث الصحافة، تدخل ماكرون بتصريح صحافي، وقال إنه يحب رؤية زيدان يدرّب في فرنسا.
لم يكن حديث ماكرون عن حضور زيدان إلى الدوري الفرنسي، الأول من نوعه فيما يخص أحاديثه الرياضية وتدخله فيها. يدرك ماكرون أن الرياضة واحدة من أدوات ومنابر التسويق السياسي، إضافة إلى خدمتها لعملية تلميع صورة الأمة أو الـ"Nation Branding".
في السابق تحدث ماكرون عن أهمية عودة كريم بنزيما إلى منتخب فرنسا، بعد أن كان لاعب ريال مدريد مستبعداً من المنتخب بسبب تهم بابتزاز زميله ماتيو فالبوينا، وعلى الرغم من صدور حكم على بنزيما يقضي بسجنه، إلّا أنه عاد المنتخب واستمر معه، بعد 5 سنوات من الغياب.
الصحافي الفرنسي الاستقصائي رومان مولينا يقول: إن ماكرون دخل ليفرض على المدرب ديدييه ديشامب عودة بنزيما إلى المنتخب، ليشارك في بطولة أمم أوروبا "يورو 2020".
تدخل ماكرون جاء قبل فترة من الانتخابات، وليس مستبعداً أنه كان يفكر في كسب أصوات المهاجرين العرب في الانتخابات الفرنسية عام 2022.
إقرأ أيضاً.. فلورنتينو بيريز يدافع عن برشلونة.. القرش يصارع الحوت
بعد عودة بنزيما إلى المنتخب قال ماكرون حرفياً: "يُعد بنزيما بطلاً عظيماً لكثير من الفرنسيين، وبعدما غادر إلى إسبانيا (ريال مدريد) تابعه الكثيرون باهتمام".
عاد بنزيما إلى المنتخب لكن ماكرون لم يكفّ يده عن كرة القدم الفرنسية، ضغط ماكرون لمنع انتقال كيليان مبابي من باريس سان جيرمان إلى ريال مدريد، وعندما نقول مبابي فنحن نتحدث عن واحد من أبرز اللاعبين الشباب في العالم، وعن موهبة من أبرز المواهب.
يقول ماكرون: "تحدّثت إلى كيليان مبابي ببساطة لأنصحه بالبقاء في فرنسا. طلبت إليه هذا بصورة غير رسمية، وودية. دور الرئيس هو الدفاع عن بلاده".
هنا يمكن التوقف عند الجزء الأخير من كلام ماكرون "دور الرئيس هو الدفاع عن بلاده"، والسؤال: أي دفاع عن بلد مرتبط ببقاء لاعب في دوري كرة قدم محلي؟
إذ قررنا الوقوف قليلاً للإجابة عن هذا السؤال، فربما تكون الإجابة أن ماكرون يرى مبابي جزءاً من صورة العلامة التجارية لفرنسا "Brand Image"، مبابي كبرج إيفل، برّاق وجذاب للجميع، ففي المستقبل والآن، كل سيرغب في مشاهدته.
عندما يتحدّث ماكرون بهذا الأسلوب، فلا شك في أنه يرى مبابي جزءاً من صورة البلد ويربطه بوسائل ما يسمى القوة الناعمة.
الدوري الفرنسي إلى الأعلى.. انطلق
لا يريد ماكرون خروج اللاعبين الأكفاء من الدوري الفرنسي، وكأنه يسعى لبدء تجربة مشابهة لتجربة الدوري الإنكليزي الممتاز، سترافقها في المستقبل حملات وزخم إعلامي.
لكن هذه التجربة لا تهدف إلى تطوير كرة القدم فقط، إنما إلى ربط هذا التطور والتقدّم الرياضي بصورة البلد، لتصبح الرياضة وسيلة للتسويق وترويج فرنسا في مختلف زواياها: الرياضية والسياحية، وبطبيعة الحال هناك صورة الرئيس.
لن يكون العمل على بناء صورة ذهنية باستخدام الرياضة أمراً سهلاً، فهذه العملية تحتاج إلى خطة إستراتيجية، وإلى الصبر، مع استغلال السياحة والعوامل الديموغرافية، وكرة القدم على وجه الخصوص، لأنها أكثر الرياضات شعبية، علماً أن فرنسا تملك أهم سباق للدراجات في العالم "Tour de france"، وذلك لما يرافقه من دعم إعلامي واستثماري ومادي.
تحتاج هذه الخطة إلى تشجيع لجذب الاستثمارات، ومن الخطوات التي يجري الحديث عنها خفض الضريبة على الاستثمار في عالم الرياضة، وهذا أمر ربما نراه في المستقبل القريب.
إقرأ أيضاً.. ماذا يعني أن تعلن فرنسا "اقتصاد الحرب"؟
في فرنسا، يُعد باريس سان جيرمان حالياً الفريق الأقوى والأفضل، لكنّ الدوري الفرنسي لكرة القدم هو ثاني أكثر دوري تصديراً للمواهب في العالم، ويتميز أيضاً بمدارسه الكروية. وإن عدنا قليلاً إلى الحديث الشعبي الذي يدور بين الجماهير نجد أن "فرنسا تملك منتخبين أو ثلاثة أو حتى أربعة"، نظراً إلى المواهب وكثرة اللاعبين المميزين في العالم الذين يخرجون من الدوري الفرنسي. وهنا يمكن التوقف عند سعي ماكرون للحافظ عليهم في الدوري.
في سياق متصل، يقول رئيس سان جيرمان، ناصر الخليفي: "هناك خوف في إسبانيا أن يصبح الدوري الفرنسي الثاني في العالم"، لأن الدوري الأول هو الدوري الإنكليزي الممتاز، بما يملك من مزايا تجذب الاستثمارات، إضافة إلى الدعم الإعلامي وعوامل كثيرة.
ولا شك في أن ماكرون يدرك أهمية جذب الاستثمارات في هذه العملية، لكن عليه أولاً أن يحفاظ على النجوم اللامعة وعلى أفضل "الجنود" الذين سيحارب بهم، إضافة إلى الحفاظ على المستثمرين فترة زمنية طويلة، من خلال ضمان الأرباح لهم في بلد يعد الثالث من حيث الناتج القومي في أوروبا.
ماكرون يريد دوري الأبطال.. المفتاح زيدان!
بعد بنزيما ومبابي، يأتي دور واحد من أفضل اللاعبين في تاريخ فرنسا، وأحد أفضل المدربين نظراً إلى ما حققه في ريال مدريد، زين الدين زيدان، محبوب ومعشوق الفرنسيين على تباينهم بين أصليين ومهاجرين. ماكرون يتمناه في مارسيليا لكنه يعلم أين ستكون وجهته في فرنسا في الوقت الحالي.
من المرجّح أن يكون زيدان مدرباً في باريس سان جيرمان، وهذا يعني على الورق فرصة ليعود دوري الأبطال إلى فرنسا. لم يحدد ماكرون وجهة زيدان، لكن باريس سان جيرمان الفريق الوحيد القادر على تلبية طموح زيدان الكروية والمادية، والفريق الوحيد القادر حالياً على حصد لقب دوري أبطال أوروبا.
إقرأ أيضاً.. من هو لويس كامبوس المدير الرياضي الجديد في باريس سان جيرمان؟
وبوجود الأسماء الحالية في "PSG"، إضافة إلى بعض التدعيمات وقدرات زيدان، قد يحقق فريق العاصمة لقب دوري الأبطال الثاني لفرنسا، بعد مارسيليا عام 1993.
الأمور لن تتوقف هنا، ما بعد زيدان الألعاب الأولمبية "باريس 2024"، وهي فرصة مثالية لخطة إستراتيجية في عملية الـ"Nation Branding" من خلال الرياضة.
ربما يبحث ماكرون عن استنساخ التجربة الروسية (كأس العالم 2018 وإظهار روسيا على أنها دولة آمنة بعد تعرضها لتهديدات) والقطرية، والتعلّم منها، لتحسين كثير من الأمور في فرنسا والتسويق لها من بوابة الرياضة، فعادة لا يكون الهدف من استضافة الأحداث الرياضية المنافسة وحسب، إنما التسويق والاقتصاد والسياسية.