موسم العائلات الريفيّة.. القبار ذهب أخضر لفلاحي ريف حمص
نبتة القبار كفيلة بإدخال السّرور لقلوب لكثير من العائلات السورية في ريف حمص كونها نبتة طبيعية لا تحتاج إلى خدمات أو مستلزمات في الزراعة والحراثة، وتحقق عائداً تقدمه الطبيعة لأبناء المنطقة في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها.
تكتنز الطبيعة ثروات كبيرة مُخبّأة، من بينها عشبة القبار أو الشفلح، التي ﺗﻨﺘﻤﻲ ﺇﻟﻰ ﻓﺼﻴﻠﺔ القابريات، ويطلق عليها مسمى الذهب الأخضر.
عشبة القبار ﻟﻬﺎ ﺗﺎﺭﻳﺦ بعيد ﻓﻲ الاستخدام البشري سواء ﻋﻠﻰ ﺷﻜﻞ غذاء أو دواء، وهي شجيرة برية بعلية وُلدت من رحم الصحراء، تنمو في الطبيعة وموجودة في حوض المتوسط عامة وتظهر بكثافة في شرقي حمص وبواديها، وهي عشبة دائمة الخضرة تنتشر ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ المنحدرات وسفوح التلال ﺍﻟﺼﺨﺮﻳﺔ وأطراف الجبال وجوانب ﺍﻟﻄﺮﻳﻖ ﻓﻲ ﻣﻨﻄﻘﺔ ﺍﻟﺒﺤﺮ ﺍﻷﺑﻴﺾ ﺍﻟﻤﺘﻮﺳﻂ إلى شرق آسيا.
عام بعد آخر، تتفاقم أحوال الجفاف والحرائق وآثار الحرب القاسية على مواسم الحبوب والزيتون فينتظر الناس لموسم قطاف القبار كمصدر رزق جديد للكثير من العائلات في ريف حمص الشرقي في جو من الألفة والتسلية للتغلب على صعوبة العمل، ويطلق على هذه النبتة أسماء متعددة مثل الكبار والشفلح والكبر والأَصَف، وتظهر كشجيرة صغيرة برية مقاومة للجفاف تعطي أزهاراً وردية أو بيضاء كبيرة ذات رائحة جميلة وثمار صغيرة ذات لون أخضر.
ظهرت تجارة القبار منذ حوالى 20 عاماً وكانت ضعيفة نسبياً، نتيجة لقيام الفلاحين باقتلاعها وإزالتها من جذورها خوفاً من أضرار أشواكها على الأشجار والمزروعات، إضافةً إلى سعرها المتدني آنذاك، مقارنةً مع الجّهد الكبير المبذول في عملية القطاف، أما اليوم ومع توفر مراكز الجمع والشراء في المنطقة أصبح القبار موسماً ينتظره الجميع.
هذه الشّجيرات البرية كفيلة بإدخال السّرور لقلوب لكثير من العائلات كونها نبتة طبيعية لا تحتاج إلى خدمات أو مستلزمات في الزراعة والحراثة، وتحقق عائداً تقدمه الطبيعة لأبناء ريف حمص في ظل الظروف الصعبة التي تمر بها المنطقة.
موسم القطاف يساند العائلات الريفية
يسعى الكبار والصغار لقطاف براعم القبار، ويمتدّ موسم الإنتاج لأربعة أشهر ابتداء من حزيران/يونيو وحتى نهاية أيلول/سبتمبر، وهو قابل للتخزين لمدة سنتين في الماء والملح، وتنتشر شجيرة القبار بكثافة على مساحة واسعة من أراضي بلدة المشرفة باتجاه منطقة المخرم وجبّ الجراح ومحيطها ويصل إلى منطقة السلمية بريف حماه.
فداء محسن (65 عاماً)، تعمل في جمع ثمرة القبار منذ عشرة أعوام في قرية المسعودية قالت للميادين نت: "نقوم بجمع الثمار والبراعم الزهرية من نبتة القبار في الصباح الباكر وفي المساء حيث أخرج للقطاف مع جيراني وعائلتي يومياً ونتجه بين الأراضي وعلى جوانب الطرقات حيث ينمو القبار، مرتدين لباساً يقينا من حرّ الشمس، فنحن نبدأ بالعمل منذ الخامسة صباحاً لمدة ثلاث ساعات ومثلها عند المساء لنجني أكبر كمية ممكنة من البراعم ونبيعها إلى مراكز التجميع".
وأضافت: "يستطيع الفرد جني كيلو غرام إلى ثلاثة في اليوم الواحد ونبيع الكيلو بما يقارب 8 آلاف أو 8500 ليرة سورية، ونعتبره دخلاً مساعداً في هذه الظروف القاسية، ويقدّر ثمن الثمرة حسب حجمها، حيث تفرز إلى ثلاثة أنواع يوجد نوع صغير وهو الأجود والكبير يكون أقل سعراً".
تحتاج عملية القطاف إلى الصّبر والعمل ساعات طويلة في حر الصيف الشديد، فالبراعم تجنى بصعوبة كل حبة يتم قطفها محاطة بالأشواك التي تنفد إلى الأيدي من فوق القفازات، "لكن هذا الموسم نعمة من الله نحقق منه مردوداً مادياً يساند حاجة أسرتي في صناعة المونة وتكاليف المعيشة الصعبة"، حسب تعبيرها.
دور العشبة في الصناعات العلاجية
تشهد نبات الكبار أو القبار capparis spinosa إقبالاً كبيراً من التجار الذين يقومون بتصديره إلى دول أوروبا والخليج العربي، فبعد أن كثرت الأبحاث حوله في السنوات الأخيرة حيث ثبت تميزه بخواص دوائية الأمر الذي زاد الإقبال العالمي عليه بعدما كان طلبه مقتصراً على كونه أحد أصناف الطبخ.
رقية صالح، مهندسة زراعية، أوضحت في حديثها للميادين نت قائلة: "تستخدم ثمار القبار أو الشفلح سواء الزهور غير المتفتحة، أو الأجزاء الأخرى التي تنمو فوق الأرض في العلاجات للعديد من الحالات الصحية بسبب غناها بمضادات الأكسدة وأشهرها مركب كيرسيتين (Quercetin)، الذي يعد مركباً فعالاً في الوقاية من الجذور الحرة وحماية الخلايا وأغشيتها من التلف، وبالتالي قد يساعد في الوقاية من السرطان والأمراض الجلدية، ويساعد في الحماية من الحساسية الموسمية لاحتوائها على المركبات المضادة للهيستامين، بالإضافة إلى الوقاية من الأنيميا التي تساهم في علاج فقر الدم، وذلك بسبب احتوائها على كمية عالية من الحديد الذي يشجع على تكوين الهيموغلوبين المسؤول عن نقل الأكسجين إلى الخلايا المختلفة في الجسم، كما أنها تحتوي على نسبة عالية من فيتامين C وB وK التي تعمل على تحسين صحة العظام والحفاظ على صحة الكبد والجلد.
ناهيك عن الاستعمالات الأخرى في صناعات الأدوية ومستحضرات التجميل والمخللات التي تعتبر الأغلى ثمناً عالمياً وإعداد بعض أنواع السلطات، والباستا، والبيتزا، وغيرها من الأطباق، كما أن بعض الدول تستخدم أوراقه في تحضير السلطة، مثل اليونانيين، بحسب تعبيرها.
القبار ثروة تضاهي القمح
يعاني العاملون من عدم استثمار هذه الثروة بشكل حقيقي واقتصار عملهم على الجهود الفردية المضنية في الجمع اليدوي، بالإضافة إلى تدني الأجور مقارنة بسعر السلعة في الأسواق العالمية، معتبرين أن الثروة التي تضاهي القمح يحتكرها بعض التجار مستغلين حاجة الناس والفقر والمعيشة الصعبة، فقطاف القبار لا يتناسب سعره مع الجهد الشاق الذي يبذل في العمل.
صالح الأحمد تاجر جمع، حدّث الميادين نت عن الصعوبات التي تواجه عملهم بسبب عدم وجود معامل تسمح في فتح خط إنتاج ثابت لتسويق المنتج عالمياً، حيث الفرق الكبير بين سعر ثمرة القبار داخلياً وخارجياً، ويتراوح سعر الكيلو غرام في الخارج بين 7 و25 دولاراً حسب البلد المنتجة وجودة الحبة وحجمها.
فسعر كيلو البراعم غير المتفتحة وغير المصنعة عالمياً 25 دولاراً، ويتضاعف السعر مرتين بعد التخليل والتعبئة. وتعتبر البراعم الصغيرة 7 ملم هي الأغلى سعراً لجودتها في التصنيع، أما أكبر المنتجين للقبار عالمياً فهما تركيا والمغرب.
تعد هذه النبتة عنصراً أساسياً في طب الأعشاب، وتعتبر أزهار القبار مصدر جذب للنحالين من كافة المناطق السّورية للاستفادة من رحيق أزهارها التي تشكل غذاءً رئيسياً للنحل، فعسل القبار أو الشفلح يعتبر من أجود أنواع العسل، لأن النبتة البرية تتميز بصفات وخصائص طبية، وبالتالي فإن هذه الخصائص تنتقل إلى رحيق النبتة، والتي تنقلها النحلة إلى العسل وتلقى إقبالاً واسعاً في الأسواق الخارجية، وفق قوله.
يذكر أن شجيرة القبار تنتشر في أرياف حلب وحماة وحمص، يتم الاستفادة من أزرار الأزهار حيث يتم جمعها وحفظها ومن ثم نقلها إلى اللاذقية لتصدر لاحقاً إلى دول الخارج.
ويقدر الإنتاج السنوي لمحصول القبار 3 آلاف طن، وصنف كمحصول استراتيجي على مستوى محافظة حمص بسبب جودته وارتفاع المادة الفعالة في الثمرة وهي تشكل ميزة تنافسية، وتم وضعه ضمن خارطة الاستمارة كمحصول استثماري واستراتجي لأهميته الاقتصادية والاجتماعية خلال الظروف الاقتصادية والمناخية التي تسببت في تضرر باقي محاصيل الزراعية، بالإضافة إلى طرح خطط لزراعته بشكل مدروس في أماكن جديدة من البلاد لتحقيق نسبة إنتاج أكبر.