من راشيل كوري إلى آرون بوشنل: التضحية من أجل فلسطين
لقد ضحّى كلّ من راشيل كوري وآرون بوشنل بحياتهما بشجاعة دعماً للقضية الفلسطينية، مستنكرين دور بلادهما في الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاماً.
"أعتقد أنها فكرة جيدة لنا جميعاً أن نتخلى عن كل شيء ونُكرّس حياتنا لوقف هذا الأمر. لا أظن أن هناك مبالغة في القيام بذلك بعد الآن" - راشيل كوري، 2003.
"مقارنة بما يعيشه الناس في فلسطين على أيدي مستعمريهم، فإن [ما سأقوم به] لا يعدّ تطرّفاً على الإطلاق" - آرون بوشنل، 2024.
عقدان من الزمن يفصلان بين جملتين قالهما شاهدان أميركيان على الجرائم الإسرائيلية في فلسطين المحتلة.
لقد ضحّى كلّ من راشيل كوري وآرون بوشنل بحياتهما بشجاعة دعماً للقضية الفلسطينية، مستنكرين دور بلادهما في الاحتلال الإسرائيلي المستمر منذ 75 عاماً.
لكن السؤال الأبرز: كم عدد الناشطين الآخرين الذين يجب أن يموتوا بشكل مأساوي قبل أن تستمع الولايات المتحدة حقاً لمواطنيها؟
قصة راشيل كوري قبل 21 عاماً
في 16 آذار/ مارس 2003، توفيت راشيل كوري، ناشطة أميركية، بشكل مأساوي عندما دهستها جرافة مدرعة إسرائيلية أثناء مشاركتها في احتجاج سلمي على هدم منازل الفلسطينيين في غزة.
هزّ مقتل كوري العالم، وفاجأ وسائل الإعلام العالمية، التي نادراً ما غطت استشهاد الفلسطينيين والمذابح الإسرائيلية. وكان مقتلها مفاجئاً بشكل خاص لأنه يتعلّق بشابة أميركية قُتلت على يد "إسرائيل"، الحليف القوي للولايات المتحدة.
وفي الشهر نفسه، قدّم النائب الأميركي بريان بيرد قراراً إلى الكونغرس يحثّ فيه الحكومة على إجراء تحقيق شامل وسريع في مقتل كوري، إلا أنّ مجلس النواب لم يمضِ قدماً في القرار.
حينها، اكتفت الولايات المتحدة بتقديم تعازيها لعائلة كوري، مما عرّضها لانتقادات لعدم اتخاذ موقف أقوى، أو الضغط على "إسرائيل" بقوة أكبر من أجل المساءلة. ويرى بعض النقّاد أنه كان بإمكان الولايات المتحدة أن تفعل المزيد للدفاع عن العدالة نيابة عن كوري ومعالجة انتهاكات حقوق الإنسان في فلسطين المحتلة.
فشلت الولايات المتحدة، التي تدّعي أنها "بطلة حقوق الإنسان والديمقراطية"، في محاسبة الاحتلال الإسرائيلي على جرائمه. وعلى الرغم من الأدلة المتزايدة على جرائم الحرب وانتهاكات حقوق الإنسان التي ترتكبها القوات الإسرائيلية، تواصل الولايات المتحدة تقديم الدعم السياسي والعسكري الثابت للإبادة الجماعية الإسرائيلية. ويتجلى ذلك اليوم بشكل خاص في ضوء العدوان الإسرائيلي المستمر على قطاع غزة، حيث قتل الاحتلال الإسرائيلي ما يقرب من 30 ألف فلسطيني.
وكعادتها، ظلت "إسرائيل" تتلاعب بالأحداث وفق أجندتها ومصالحها، ولا تزال تفعل ذلك حتى اليوم.
بعد نحو 20 عاماً.. "فلسطين حرة"
وبعد نحو 20 عاماً من حادثة كوري، خرج الجندي الأميركي آرون بوشنل (25 عاماً)، وأضرم النار في نفسه أمام السفارة الإسرائيلية في واشنطن، احتجاجاً على استمرار بلاده بتمويل الإبادة الجماعية الإسرائيلية في غزة.
فخرجت احتجاجات ونشرت بيانات تكريم ولا يزال الحدث يُتداول على وسائل التواصل الاجتماعي.
ومع ذلك، ظل الرئيس الأميركي جو بايدن صامتاً. وبدا صريحاً في الحديث عن الكيفية التي يموت بها "الجنود والمدنيون الأوكرانيون الشجعان"، ومع ذلك لم يذكر كلمة واحدة عن بوشنيل.
وأثار هذا الصمت انتقادات للمعايير المزدوجة لإدارة بايدن، خاصة بعد أن ألقت حماس، التي صنّفتها الولايات المتحدة "منظمة إرهابية"، باللوم على سياسات بايدن في مقتل بوشنل لدعمها ومساعدتها للجرائم الإسرائيلية في غزة.
ألا ينبغي للرئيس، أن يعترف بالأحداث التي يحتج فيها أحد مواطنيه ضد سياساته؟ ونحن لا نتوقّع تغيّراً في الموقف هنا، ولكن كيف تستطيع الولايات المتحدة أن تحافظ على واجهتها "الديمقراطية" في نهاية المطاف؟
تجدر الإشارة إلى أن سيناريو "ثورة الرجل الواحد" ليس جديداً في الولايات المتحدة. قبل ما يقرب من ستين عاماً، أشعل الناشط الأميركي المناهض للحرب نورمان موريسون عاصفة نارية عندما غمر نفسه بالكيروسين، وأضرم النار في نفسه خارج مكتب وزير الدفاع روبرت ماكنمارا في البنتاغون، معارضاً لتورّط الولايات المتحدة في حرب فيتنام.
ومع ذلك، ظلت حكومة الولايات المتحدة، طوال تاريخها، تتجاهل في كثير من الأحيان محنة مواطنيها الذين يواجهون بسياساتها، وتغضّ الطرف عن المعارضة الداخلية.
من سينعى الأبطال؟
بينما يراقب ما يسمى بالمجتمع الدولي بصمت، تعاني غزة من إبادة جماعية يتمّ بثّها على الهواء مباشرة، وتستمر الاحتجاجات العالمية والاضطرابات في إبراز أحقية القضية الفلسطينية، وتتزايد المعارضة لسياسات الحكومات الغربية، وسط هتافات "فلسطين حرة"، في تحدٍ للقمع في بلادهم.
أولئك الذين يقاومون بكلّ الأشكال هم الذين يرثون أبطالنا. وفي الوقت نفسه، فإن أولئك الذين غضوا الطرف عن جرائم الحرب، سوف تطاردهم كل رصاصة وصرخة من أجل الحرية.
واليوم، لا يتذكّر ويكرّم كلّ الذين استشهدوا من أجل فلسطين سوى من يشاركونهم آلامهم، والذين شهدوا الفظائع الحقيقية للإبادة الجماعية والاحتلال والفصل العنصري.
إلى من ضحوا وما زالوا يضحون من أجل القضية الفلسطينية، فليحيا إرثكم، ويتردّد صداه عبر الأجيال كشهادة على موقفكم الأخلاقي التاريخي العادل.