معاناة مضاعفة يواجهها مرضى السرطان في سوريا: العلاج على عاتق المصابين

"أرافق والدتي دائماً من قريتنا في ريف حمص إلى هنا، من أجل الخضوع لجلسات العلاج الكيميائي، نحتاج إلى إبرة كل شهر، وسعرها نحو مليوني ليرة سورية، أي ما يعادل 160 دولاراً تقريباً"، تقول سلام ابنة سيدة مصابة بالسرطان.

  • معاناة مضاعفة يواجهها مرضى السرطان في سوريا: العلاج الأساسي على عاتق المرضى
    معاناة مضاعفة يواجهها مرضى السرطان في سوريا: العلاج الأساسي على عاتق المرضى

12 عاماً من الحرب كانت كفيلة بتدمير جزء كبير من بنية القطاع الصحي السوري، الذي تفاقم تضرّره بعد فرض الولايات المتحدة والغرب عقوبات عليه.

أما الخاسر الوحيد من هذه الإجراءت فهو المواطن السوري، وبشكل خاص المصاب بالأورام الخبيثة، إذ تضاعفت معاناته. فبعد أن كانت الحكومة السورية تقدّم العلاج مجاناً لمرضى السرطان قبل 2011، أصبحت مشافيها تعاني اليوم من نقص كبير في الكوادر الطبية والأدوية وعدم توفّر قطع تبديل للأجهزة المعطّلة.

وكانت الوكالة الدولية لبحوث السرطان التابعة لمنظمة الصحة العالمية قد قالت في تقرير لها، إنّ "سوريا احتلّت المركز الخامس من بين دول غرب آسيا في عدد الإصابات بأمراض السرطان قياساً بعدد السكان، وثمّة 196 شخصاً مصاباً بالسرطان من بين كلّ 100 ألف سوري، و105 وفيات من بين كلّ 100 ألف".

وبحسب آخر الإحصاءات الحكومية المتوفّرة فإن البلاد سجّلت عام 2021 زيادة 10% عن عدد المصابين المسجّلين عام 2020 الذين بلغوا 17300.

ويعدّ سرطان الثدي أكثر أنواع السرطان شيوعاً لدى النساء في سوريا، فيما سرطان الرئة الأكثر شيوعاً عند الرجال.

الأدوية والقساطر، والصور الشعاعية.. كلّها على حسابنا!

تغمض أم محمد عينيها، محاولةً الهرب من شعور الألم الذي يعتريها كل شهر على الكرسي نفسه في مستشفى البيروني في ريف دمشق.

تمسك سلام بيد أمها كي تُخفّف عنها قليلاً، وتقول للميادين نت: "أرافق والدتي دائماً من قريتنا في ريف حمص إلى هنا، من أجل الخضوع لجلسات العلاج الكيميائي، نحتاج إلى إبرة كل شهر، وسعرها نحو مليوني ليرة سورية، أي ما يعادل 160 دولاراً تقريباً".

تحتفظ الشابة الثلاثينية في حقيبتها بصورة لسيدة ذات شعر أسود كثيف ونظرة واثقة، تحتضن طفلة صغيرة تشير إليها وتقول: "هذه أنا، وهذه أمي التي فقدت اليوم شعر رأسها وحاجبيها، لقد قضت عمرها وهي تعمل في الأرض من أجل تعليمنا وتربيتنا، لكن الأرض اليوم لا تجلب لنا قوت يومنا، حتى بالكاد نستطيع تأمين أسعار الإبر، لقد بعنا الكثير، وأحياناً يساعدنا أهل الخير وأقاربنا والجيران رغم أن أحوالهم تشبه أحوالنا".

قبل عامين، لاحظت السيدة الستينية وجود كتلة في ثديها الأيمن، لكنها لم تهتم كثيراً ولم تراجع طبيباً لأن "الفكرة بحد ذاتها مؤلمة، لا نعرف كيف نتدبّر أمر طعامنا، فكيف سنتدبّر أمر معاينة الطبيب والصور والتحاليل وأجور وسائل النقل؟"، تتساءل.

تقاطع سلام حديث والدتها قائلةً: "لم تخبرنا والدتي إلا حينما بلغ ألمها حداً لم تستطع تحمّله، وهذا ما جعلنا نتأخّر باكتشاف المرض الذي وصل إلى مرحلة متقدّمة، لكن أملنا بالله كبير".

ضغوط كبيرة على مشفى الأورام الوحيد في سوريا

يعدّ مشفى البيروني الحكومي في حرستا بريف دمشق، المكان التخصصي الوحيد لمعالجة الأورام في سوريا، الذي يقدّم الخدمات التشخيصية والعلاجية بشكل مجاني، ورغم الجهود الكبيرة لإدخال التكنولوجيا الحديثة إليه وتوسيع وافتتاح أقسام جديدة، إلا أن هناك العديد من العقبات.

ويقول مصدر طبي للميادين نت في هذا السياق: "نعاني من ضغوط كبيرة نتيجة عدد المراجعين الكبير من جميع أنحاء البلاد، خصوصاً من المناطق الشرقية، إذ إننا نستقبل شهرياً نحو ألف مريض جديد، إضافة إلى ألف مراجع كمعدّل وسطيّ، كما أننا نشهد نقصاً كبيراً في الأدوية والكادر الطبي والتمريضي، نتيجة سفر أعداد كبيرة في إثر الأوضاع الاقتصادية المتردّية في البلاد".

إضافةً إلى تكاليف النقل المرتفعة بسبب بعد المشفى عن مركز المدينة، يلجأ المرضى أغلب الأوقات إلى تأمين بعض المعدات على حسابهم الخاص، مثل القساطر الوريدية ومواد الطبقي المحوري، "بسبب صعوبة تأمين المستلزمات العلاجية والطبية نتيجة العقوبات والحصار المفروض على سوريا"، بحسب المصدر الذي شرح أنّ "مرضى الأورام يتأثرون بشكل مباشر بهذه العقوبات، وذلك لأن أكثر الأدوية الورمية استيرادية، والعديد منها وحيد المصدر، كما أن أجهزة التشخيص والمعالجة ذات تقنية عالية، وتتطلّب صيانة وقطع تبديل مستوردة".

ليست تكاليف العلاج ما تقلقني فقط!

يمكن لأي زائر لمشفى البيروني أن يلاحظ الأعداد الكبيرة للمراجعين من أبناء المنطقة الشرقية من لهجتهم المعروفة ولباسهم التقليدي المميّز.

يستريح أبو العبد قليلاً بانتظار الحافلة التي ستقلّه إلى كراجات دير الزور، وبعد نوبة سعال شديدة، يقول للميادين نت: "بعد خروج مناطقنا عن سيطرة الحكومة، وسيطرة ميليشيات مختلفة عليها، زادت أوضاعنا الأمنية والاقتصادية سوءاً، وأنا خسرت عملي ولم يكن أمامي لكسب الرزق سوى الخيار الذي لجأ إليه أغلب شباب المنطقة، وهو تكرير النفط بالطرق البدائية القديمة".

تتعدّد حكايات المصابين من المنطقة الشرقية ومعاناتهم، لكنهم كلهم يجمعون على أن أحد الأسباب الرئيسية لإصابتهم بالسرطان، هو إما العمل بالحرّاقات أو التعرّض لغازاتها بسبب قربها من أماكن سكنهم.

يشرح ابن دير الزور للميادين نت عن عمله الذي وصفه بأنه "خطير ويحتاج إلى الدقة والحذر الشديد"، قائلاً: "غير المخاطر الكبيرة على الصحة التي ترين نتيجتها الآن، لقد فقدنا عدداً من رفاقنا ومعارفنا في حوادث انفجارات، وبعضهم أصيب بتشوّه نتيجة الحروق البليغة أو بإعاقة، كان علينا جلب النفط الخام وإيقاد النار تحت الخزّانات ثم تنظيفها".

تتراوح يومية العمال بين 5000 و20,000  ليرة سورية أي ما يعادل تقريباً 1.5 دولار، وبعد أن فقد أبو العبد مصدر رزقه الوحيد رفض صاحب العمل الاعتراف بحقه في التعويض، ولم يتكفّل و"لو بحقّ إبرة".

حفظت الجمعيات الخيرية شكل واسم الرجل الأربعيني من كثرة ما تردّد إليها للحصول على المساعدة ببعض أدويته، أو تكاليف النقل إلى دمشق والإقامة فيها عدة أيام أحياناً، لكن ما يؤرقه اليوم، وفي ظل هذه الظروف، هو كيف سيستمرّ بتأمين الحد الأدنى من الحياة الكريمة لزوجته وابنيه الصغيرين.

حرّاقات النفط.. سبب رئيسي للإصابة بالسرطان

لا توجد إحصائية دقيقة لأعداد المصابين بالسرطان في المناطق الخارجة عن سيطرة الحكومة شرق سوريا، لكن عدداً من الأطباء أكدوا للميادين نت أنها تزايدت بشكل ملحوظ.

وفي ظل قلة عدد الأطباء الاختصاصيين وعدم توفّر مراكز العلاج، أصبح المرضى هناك أمام خيارات محدودة تنحصر إما بالتوجّه إلى العاصمة دمشق للعلاج في مشفى البيروني، أو الذهاب إلى كردستان العراق، أو اللجوء لشراء الجرعات المهرّبة، التي تكون غالباً غير آمنة طبياً أو غير ذات نفع ويبلغ سعر الواحدة منها أكثر من 900 دولار.

يحذّر العديد من الخبراء من "كارثة" قد تصيب مناطق شرق سوريا في المستقبل القريب بسبب الأساليب البدائية في استخراج وحرق المشتقات النفطية، المنتشرة بكثرة من دون رقابة، ومخلّفات السيارات والمولدات والكمّيات الهائلة من الغازات الناتجة عن استخراج النفط مثل غاز النفتالين المسرطن للكبد، والرئة، إضافة إلى  "المعادن الثقيلة التي تتسرّب للتربة مع تكرير النفط مثل الزرنيخ والزئبق والرصاص والتي تنتقل إلى النبات والخضروات.