مساكن "مُترنّحة" على الطرقات.. زلزال حماة يُفقد السوريين أرزاقهم مجدداً
منذ اللحظات الأولى لوقوع الهزة الأرضية ليل 12 آب تم تشكيل غرفة عمليات وخليّة أزمة بين الجهات الطبية والخدمية والدفاع المدني والمحافظة بغية متابعة جميع الإصابات البشرية والأضرار في الأبنية.
داخل خيمة صغيرة في الحديقة العامة بمدينة السلمية في ريف حماة وسط سوريا، يجلس فراس الأسعد (45 عاماً) مع أفراد عائلته بظروف قاسية وغير صحيّة، بعد أن اضطروا قبل أيام لترك منزلهم والتوجه إلى الأماكن المفتوحة، عقب الهزة الأرضية التي ضربت السلمية مساء يوم 12 آب/أغسطس، وإبلاغهم من قبل الجهات المعنية بمنع الدخول إلى المنزل مجدداً كونه آيل للسقوط.
يتأمل الأسعد والدته التي تعرّضت لصدمة نفسية عقب الهزة الأرضية، ويقول بنبرة تملؤها الحسرة: "نحن 10 أشخاص نعيش داخل هذه الخيمة الصغيرة؛ نجلس هنا خوفاً من سقوط المنزل فوق رؤوسنا؛ المنزل الذي يُعتبر جنى العمر من الممكن أن يتحول إلى ركام في أيّ لحظة، هل يوجد أقسى من ذلك؟".
يروي الأسعد للميادين نت ما جرى خلال اللحظات الأولى لوقوع الهزة الأرضية القوية: "عند الساعة التاسعة ونصف مساء الإثنين وقعت هزة أرضية خفيفة، لكن بعد حوالى الساعتين وقعت هزة جديدة قوية واستمرت قرابة 15 ثانية، كنت حينها في الطريق إلى المنزل؛ لم أسمع حينها إلا الصراخ والبكاء، في تكرار لمشهد زلزال 6 شباط/فبراير 2023 المدمّر، الذي لم يفارق مخيلتنا لأشهر". ويتابع حديثه: "عدت إلى المنزل مسرعاً لأجد والدتي أصيبت بصدمة نفسيّة حادّة، وسقف المنزل تعرّض للانهيار الكامل، والدمار يملأ المكان؛ حينها قمت بإسعاف والدتي إلى المشفى الوطني وبقيت ليلة واحدة، وعند خروجها من المشفى في اليوم التالي لم يكن هنالك منزل لنعود إليه، بل خيمة صغيرة في الحديقة العامة، والسؤال الوحيد في أذهاننا: هل سنعود إلى المنزل مجدداً؟".
فراس الأسعد لم يكن الوحيد الذي اضطر لترك منزله خوفاً من سقوطه بعد الهزة الأرضية التي ضربت مدينة السلمية قبل أيام، فعشرات المدنيين اضطروا لافتراش الساحات والحدائق العامة، خوفاً من تأثير الهزات الارتدادية والإشاعات التي تملأ مواقع التواصل الاجتماعي عن احتمال وقوع زلزال كبير في الأيام المقبلة، على غرار الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا يوم 6 شباط/فبراير 2023. ليليه الهزة الأرضية التي ضربت محافظة حماة شمال سوريا يوم الإثنين 12 آب/أغسطس بقوة 5.4 درجة على مقياس ريختر، بحسب مركز رصد الزلازل الأوروبي المتوسطي، وكانت على عمق ضحل للغاية يبلغ 9 كيلومترات، ولأن العمق لم يكن كبيراً شُعِرَ بهذه الهزة بقوة أكبر ووصلت ارتداداتها إلى لبنان والأردن. وما إن بدأت المحافظة تستعيد عافيتها حتى تعرّضت يوم 16 آب/أغسطس لهزة أرضية جديدة بقوة 4.9 على مقياس ريختر، وعقب ذلك واجهت المنطقة سلسلة من الهزات الأرضية الارتدادية الخفيفة نسبياً.
"كنت نائماً في تلك اللحظة، وفجأة شعرت بالسرير يهتزّ بشكل مرعب. لقد كان الأمر أشبه بالأفلام السينمائية"؛ يقول جاسم المزواد من أهالي السلمية للميادين نت، ويتابع: "استمرت الهزة الأرضية لثوانٍ معدودة، لكنها كانت كافية لسيطرة الاضطراب على جسدي، لينتابني بعد ذلك دوار شديد وغثيان وهبوط بضغط الدم، وأسعفني الجيران إلى مشفى السلمية الوطني، حيث أشار الأطباء إلى أنني أصبت بحالة من الهلع النفسي من جرّاء تأثير الزلزال، وبعد إجراء الإسعافات الأولية تم إخراجي من المشفى".
وأكد المزواد أن الهزة الأرضية القوية أدت إلى حدوث خلل في البناء الذي يقطنه، وعند فحصه من قبل لجنة السلامة في المدينة تبيّن وجود نقص في الدعامات وأنه آيل للسقوط، لذلك طُلِب من القاطنين إخلاء البناء على وجه السرعة. وبرغم الجهود الكبيرة التي بُذلت من قبل الجهات المعنية في مدينة السلمية ومحافظة حماة، إلا أن الاستجابة الطارئة للزلازل لم تكن كافية لتأمين الأهالي الذين غادروا منازلهم سريعاً، وهذا الأمر يعود لأسباب عديدة أبرزها أن المدينة لم تطوِ بعد صفحة زلزال 6 شباط المدمّر، فالكثير من الأبنية بحاجة إلى التدعيم وبعضها بحاجة إلى الهدم وإعادة البناء، والهزتان الجديدتان فاقمتا المشكلة بشكٍل أكبر، وازداد عدد الأبنية الآيلة للسقوط، وكل ذلك يترافق مع ضعف القدرة داخل سوريا على التعامل مع الكوارث الطبيعية نتيجة العقوبات الغربية والحصار المفروض على البلاد منذ سنوات عديدة.
سوريا أمام عاصفة زلزالية؟
المهندسة سهاد زيدان رئيسة مجلس مدينة سلمية بريف حماة أكدت للميادين نت أنه منذ اللحظات الأولى لوقوع الهزة الأرضية ليل 12 آب تم تشكيل غرفة عمليات وخليّة أزمة بين الجهات الطبية والخدمية والدفاع المدني والمحافظة بغية متابعة جميع الإصابات البشرية والأضرار في الأبنية، حيث وصلت إلى مشفى السلمية الوطني عشرات الإصابات هي: 42 حالة رضوض وجروح بسيطة، 23 حالة كسور، 67 حالة هلع. "أهالي السلمية قضوا ليلتهم في الشوارع"، هكذا وصفت زيدان الحالة التي شهدتها المدينة عقب الهزة الأرضية، فالسكان لم يتمكنوا من العودة إلى منازلهم خوفاً من حدوث هزات ارتدادية، فكانت السيارات والساحات والحدائق العامة ملجأهم الوحيد، قبل أن تبدأ مع ساعات الصباح الأولى عمليات إزالة الأنقاض ومتابعة الشكاوى المقدمة حول الأبنية الآيلة للسقوط، كما تم تقديم خيم للأهالي الذين اضطروا للبقاء في الحدائق بسبب الخطر الموجود في منازلهم، ليتم لاحقاً نقلهم إلى مساكن بديلة.
ومع بدء عودة الأهالي تدريجياً إلى منازلهم، تعرّضت السلمية إلى هزة أرضية جديدة بقوة 4.9 على مقياس ريختر أعادت الأمور إلى نقطة الصفر، وعاد الأهالي إلى الساحات والحدائق العامة مجدداً؛ تقول زيدان: "المدينة تعرضت يوم 6 شباط عام 2023 لزلزال كبير ضرب شمال سوريا، ما أثّر على البنية الإنشائية لعدد كبير من المباني، حيث اضطر مجلس المدينة لإخلاء عدد منها بهدف هدمه أو تدعيمه، لتأتي الهزتان الجديدتان وتضيفان أزمة جديدة على هذه المدينة، خصوصاً مع استمرار الهزات الارتدادية وإن كانت أقل قوة، لكنها أدت إلى التأثير سلباً على الحالة النفسية للأهالي الذين يحتاجون إلى دعم معنوي كبير لتجاوز ما تعرضوا له.
من جهتها، أكدت هالة حسن عميدة المعهد العالي للبحوث والدراسات الزلزالية في جامعة دمشق للميادين نت أن منطقة الساحل الشرقي للبحر الأبيض المتوسط تُعتبر عبر التاريخ منطقة كوارث طبيعية، والتي زادت حدتها مع التغييرات المناخية في العالم، حيث نشأت ظواهر جديدة كالفيضانات المفاجئة، وارتفاع مستوى سطح البحر.
وأضافت حسن أن سوريا بوصفها جزء من هذه المنطقة التي تقع على صفيحتين: "الصفيحة الأفريقية والصفيحة العربية"، فهي تتعرض لضغط متزايد من جراء انزياح أو احتكاك هذه الصفائح، والتي تؤدي لإجهادات متراكمة تزداد مع الزمن بسبب النتوءات الصخرية التي تمنع حركة الصفائح، وعند تجاوز قدرة الصخور على مقاومة الإجهادات تتكسر وتتحرر منها طاقة كبيرة بشكل موجات اهتزازية طولية وسطحية. وتشير الخبيرة السورية إلى وجود معطيات جديدة تؤكد أن سوريا أمام عاصفة زلزالية على الأغلب "swarm earthquake" في منطقة محدودة الأبعاد، حيث بدأت بزلزال 5.4 وأخذت بالتناقص في قيمة القدر الزلزالي، كما بقي في حيّز جغرافي محدد وبنفس موقع الانتشار، ودون تبعثر مكاني.
وعن توقعها بخصوص احتمال حدوث زلزال كبير في سوريا، تؤكد حسن أن الهزات الأخيرة كانت على أحد الصدوع المتفرعة عن الصدع الرئيسي، وغير ظاهر على سطح الأرض، كما لم تتجاوز شدته 5.5 على مقياس ريختر، إضافة إلى عدم تسجيل زلازل متوسطة القدر حالياً، وكل الهزات التي حدثت بعد الهزة الأولى تمركزت حولها، ما يعني عدم وجود زلزال كبير في الأفق حالياً. وعن الإجراءات الكفيلة لمواجهة الهزات الأرضية والارشادات الأساسية في هذا الخصوص تؤكد حسن نقاطاً أساسية أبرزها:
1. ضرورة تطوير شبكات الرصد الزلزالي وإعداد قاعدة بيانات بخصوصها والحصول على أجهزة كشف تساعد عند حدوث الزلازل.
2. تشكيل هيئات مستقلة لها صلاحيات بالتطوير والعمل والتحليل.
3. تطبيق نظام رقابي صحيح وعدم إعطاء أيّ رخص للبناء التي لم تستوفِ الشروط المطلوبة.
4. معالجة ملف مناطق السكن العشوائي وتنظيمها.
5. ونشر الوعي بين المجتمع المحلي لتجنب وقوع خسائر كبيرة أثناء الزلازل.
6. المراقبة المستمرة: يجب مراقبة المناطق المحددة عن كثب باستخدام تقنيات الزلازل والجيوفيزياء لتتبع تغييرات الإجهاد وتوقع الزلازل المحتملة.
7. زيادة الوعي والاستعداد العام: يجب على السلطات تعزيز الوعي العام والاستعداد في المناطق ذات المخاطر العالية، خاصة في جنوب غرب وشمال سوريا.
8. مزيد من البحث: يوصى بإجراء دراسات إضافية الاستكشاف مناطق الفوالق المكتشفة بمزيد من التفصيل وتقييم تأثيرها المحتمل على النشاط الزلزالي الإقليمي.