محمية جبل النبي متّى في طرطوس.. متعة اكتشاف الطبيعة والسياحة الدينية
تقام في كل عام في محمية جبل النبي متّى في طرطوس نشاطات ومعسكرات للكشافة والشباب يظل ذكراها عالقاً في الأذهان، وتقوم هذه النشاطات الاستكشافية للتعريف على بيئة المكان والبحث العلمي البيئي لنباتات المنطقة وحيواناتها، مما يرفد عجلة السياحة والاقتصاد معاً.
تُعدّ محمية جبل النبي متّى في محافظة طرطوس مقصداً سياحياً ودينياً وبيئياً هاماً طيلة فصول السنة، يقصدها السياح للاستمتاع بجمال وسحر الطبيعة الجبلية، عند الوصول إلى المكان فإن أهم مقصد على قمة الجبل هو بناء صغير يقال إنه ضريح النبي متّى، في داخله قبر بطول ستة أمتار وهو واحد من تلاميذ السيد المسيح الإثني عشر، وينسب إليه "إنجيل متى"، يزوره الناس من سوريا ولبنان للتبارك به، ويعد هذا المقام معلماً دينياً قائماً منذ آلاف السنين، وقد أضاف لها حساً روحياً عبر الزمن.
زيارة الغابات تعيدك إلى أجواء البساطة والحرية والاستماع بالهواء النقي العليل التي يفتقدها الزوار في أجواء المدن الصاخبة.
عند تجوالك في ربوع الغابة، تجد مساحات واسعة من الزرع، والذي يتضمن أصنافاً معينة من الأشجار ضمن مشروع التشجير الصناعي عام 1976، حيث أشجار الكستناء الحراجية، والتي تتوزع على ما يزيد عن 200 هكتاراً، ويقوم المعنيون بتوليد غراس جديدة منها ورفدها للسوق بأكثر من 15000 غرسة سنوياً، أما الصنوبر فله أنواع عدة كالبروتي والثمري والكناري والحلبي، وأشجار الروبينا الشوكية، والأرز اللبناني والسرور العمودي والأفقي، وأشجار الشوح.
أما الأشجار الأصلية الطبيعية في المنطقة فهي الغار والسنديان والزعرور والبلان الشوكي والعليق 'الديس' والسرور والسرخس، والكثير من الأعشاب الحولية والمعمرة والتي ينتمي بعضها للفئة الطبية والعطرية حيث يجمعها السكان، وتعد مصدر رزق جيد، وتباع في الأسواق والمدن ويصدر منها إلى الخارج.
تشدّك رائحة خبز التنور والمناقيش الشهية التي تكسب الزيارة طعماً خاصاً بعد مسير ممتع ومتعب، فلا تكتمل الرحلة من دون هذه الوجبة الطازجة بنكهة الزعتر البري المقطوف من ربوع الغابة، وتقام في كل عام في المحمية نشاطات ومعسكرات للكشافة والشباب يظل ذكراها عالقاً في الأذهان، وتقوم هذه النشاطات الاستكشافية للتعريف على بيئة المكان والبحث العلمي البيئي لنباتات المنطقة وحيواناتها، مما يرفد عجلة السياحة والاقتصاد معاً، بالإضافة إلى حفلات السمر والموسيقى وسباق الدراجات الهوائية التي يهواها الشباب.
محمد علي (26 عاماً)، مشرف محمية غابات جبل النبي متّى، قال للميادين نت: "تخضع المحمية لإدارة رسمية تنظم أمور وسلامة المحمية وزوارها حيث يتم الدخول إلى المحمية بأوراق رسمية ومقابل مادي رمزي، وهناك العشرات من الموظفين كحراس يتوزعون في أماكن استراتيجية في المكان يساعدهم في أداء مهامهم أهالي المنطقة والقرى المجاورة ويقومون بأعمال طوعية منظمة يعلن عنها مسبقاً لحماية البيئة، مما يعود عليهم وعلى منطقتهم بالخير والسلامة".
ومن هذه الأعمال التطوعية تنظيف الغابة من الأوساخ وبقايا الأشجار المتضررة من جرّاء الثلوج وترحيلها، بالإضافة إلى مراقبة المكان للحد من احتمال نشوب الحرائق وإطفائها بأسرع وقت إن حدثت، ففي العام الفائت كانت الجهود حثيثة ومنظمة في الغابة وهذا الشيء انعكس إيجاباً على عدم تفاقم وانتشار الحرائق، التي باتت خطراً كبيراً على الغابات من جراء ارتفاع الحرارة في فصل الصيف الذي تشهده المنطقة والعالم".
يعيش في كنف الغابة حيوانات برية محلية، فالمحمية بيئة طبيعية متكاملة فيها الخنازير والضباع والذئاب وابن آوى والغرير والقنفذ والسنجاب، ويزين صباحات المحمية تغريد الشحرور والهدهد وابن حن والسُمّان والدوري والقبرة المتوجة بينما تحلق عالياً طيور النسر السوري المشهور عالمياً والباشق، لتراقب المكان وتبحث عن رزقها، ناهيك عن الخلد وكافة أنواع السلاحف والزواحف التي وجدت لنفسها بيئة غنية ومناسبة للعيش والتكاثر.
مياه ينابيع النبي متّى تدعم دخل أسر المنطقة
صوت تدفق المياه ومن خلفها زقزقة العصافير يجعل الزائر يشعر بالطمأنينة والراحة، يقترب زائر أربعيني وهو يحاول كف صغيره المندفع نحو مجرى النبع، ويقول للميادين نت: "عند وصولك أمام هذه المياه العذبة لا تستطيع مقاومة منظرها والوقوف لتتذوق طعم مياهها اللذيذة وتتعجب من شدة نقائها وبرودتها".
علاء صالح، شاب ثلاثيني يعمل على شاحنته لنقل مياه النبع النقية لأنحاء المحافظات الأخرى، يقول للميادين نت: " أعمل في نقل المياه منذ عشرة أعوام، والناس ترغب بشرائها واعتادت عليها، وخاصة أن مياه مناطقهم تكون كلسية وغير صالحة للشرب، وهو مصدر رزق لي وللكثير من شباب منطقتنا".
وأضاف: "يحوي جبل النبي متى على 365 نبعاً عذباً على عدد أيام العام تتفاوت بين الدائم والموسمي وتتوزع العديد من الينابيع في قرىً متعددة تسقي سكانها وبساتينها، بالإضافة إلى تعبئة بعضها بعبوات معقمة ونقلها بوساطة أكثر من 500 شاحنة يومياً، تتجه إلى أنحاء طرطوس واللاذقية وحمص وضواحيها، حيث يعد هذا فرصة عمل ومصدر رزق يومي للكثير من سكان المنطقة يساهم في دعم دخلهم على مدار العام".
خيول المحمية تدخل البهجة إلى قلوب الزوار
يستوقفك مشهد جميل على كتف الجبل، إنها مزرعة الخيول السورية الأصيلة المتميزة بقدرتها على التحمل وبألوانها الجذابة والتي يقصدها الكثيرون للاستمتاع برياضة الفروسية في أحضان الطبيعة وهوائها العليل.
يبتسم وسام الحموي (34 عاماً) أحد المشاركين في معسكر الكشافة وهو يلاطف الفرس، ويقول للميادين نت: "نشاطات متنوعة وجديدة أضافتها الخيول إلى المنطقة من الناحية الرياضية والترفيهية، كنت أقطع مسافات نحو المدن للاستمتاع وممارسة هذه الهواية، والآن أصبحت في متناول أيدينا".
وتعد محمية جبل النبي متّى ومزرعة الخيول المجاورة نموذجين لتكامل الطبيعية مع الجهد الإنساني، ومشاريع واعدة للتنوع والتسويق السياحي، بحسب تعبيره.
يذكر أن غابة النبي متّى أحدى أهم المحميات في سوريا، وأعلنت كمحمية طبيعية عام 2003 تتربع على ارتفاع 1100م بمساحة تزيد على 650 هكتاراً في ناحية دوير رسلان في محافظة طرطوس، وتمتد حدودها نحو محافظة حماة المجاورة لها، وتشكل بتنوعها البيئي والحيوي وطبيعتها الساحرة صورة فنية متكاملة، تتميز بإطلالتها الخلابة ومناخها الرائع وتذخر أرضها بينابيع مياه معدنية عذبة تعد الأنقى في المنطقة.
وتتمتع المحمية بمناخ معتدل صيفاً وبارد ماطر شتاءً وبمعدل أمطار سنوي 1800 مم.
وتعد غابة النبي متّى أحد أهم المقاصد السياحية للأفراد والمجموعات السياحية المنظمة عن طريق المدارس والجامعات وغيرها، وذلك على مدار العام، وتزداد السياحة إليها في فصل الشتاء للاستمتاع بجمال الثلج الذي تزيد سماكته على 60 مم، حيث يصل عدد الزوار لأكثر من3000 زائر يومياً، أما في الفصول الأخرى فالعدد يقل عن ذلك.