مُتغلّباً على أزمة الكهرباء.. عالم مصري ينقل قريته إلى نظام الطاقة الشمسية
على بُعد 5 كيلومترات من مدينة الزقازيق، محافظة الشرقية، شمال القاهرة، تقع قرية "البسايسة"، التي تُعد أول قرية أنشئ فيها محطة لتوليد الطاقة الشمسية في مصر.
يخطف الجمال الخلاّب عينيك حين تطأ قدمك قرية "البسايسة" المصرية، والتي تُعدّ قرية صديقة للبيئة، ومكتفية ذاتياً من الكهرباء والغاز كمصدر طاقة نظيف، بدلاً من المصادر التقليدية لتجنّب أزمات الطاقة المتتالية، خصوصاً في فصل الصيف.
حقول مترامية الأطراف تقع وسطها القرية التي حققت شهرة عالمية ومحلية، حيث تتهادى مبانيها وسط الزراعات، وقد غطت ألواح الطاقة الشمسية والأشجار المثمرة أسطح منازلها. كلّ ذلك بفضل صلاح عرفة، أستاذ الفيزياء في الجامعة الأميركية بالقاهرة، وأحد أبناء القرية، حين غيّر شكل الحياة فيها بتأسيسه جمعيتين تُعنيان بتنمية وتطوير المجتمع المحلي عام 1983، للاستغناء عن الخدمات الحكومية.
على بُعد 5 كيلومترات من مدينة الزقازيق، محافظة الشرقية، شمال القاهرة، تقع قرية "البسايسة"، التي تُعد أول قرية أنشئ فيها محطة لتوليد الطاقة الشمسية في مصر عام 1974، بعد أن قرر هذا العالم المصري، إقناع الأهالي بتشغيل المنازل بالطاقة الشمسية، عقب عودته من السويد من بعثة علمية عام 1978، حيث جلب معه خلية شمسية لتجريبها.
في تلك الأيام، وصبيحة كل يوم جمعة، يذهب عرفة من المدينة حيث يسكن، إلى قريته، لإجراء حوار مجتمعي حول أهمية الطاقة النظيفة وضرورة اكتفاء القرية ذاتياً من الخدمات، فتكاتف معه الأهالي في ظلّ تجاهل الحكومة لمطالبهم بتوصيل الكهرباء إلى منازلهم.
قرية رائدة بالتنمية المستدامة
في مقابل اشتراك شهري قدره 50 جنيهاً (1 دولار أميركي)، يستفيد الأهالي البالغ تعدادهم حوالى 5 آلاف نسمة من الكهرباء في إنارة منازلهم، من خلال محطة شمسيّة تتكوّن من 10 ألواح تنتج كهرباء بقدرة 10 كيلو وات/ ساعة، يقول طنطاوي السيد، مسؤول محطة الطاقة الشمسية في جمعية البسايسة للتنمية، للـميادين نت.
بالإضافة إلى الكهرباء، باتت تلك القرية رائدة في التنمية المستدامة ومجال استخدام الموارد الطبيعية، سواء توليد الطاقة من الرياح أو توليدها من الغاز الحيوي (البيوجاز) بالمجّان، من خلال إعادة تدوير المخلفات الصلبة وروث الحيوانات، ويضيف طنطاوي: "جميع أسطح منازل القرية فيها بطاريات طاقة شمسية لاستخراج الكهرباء".
وقضى مشروع إنتاج الغاز المنزلي، بحسب طنطاوي، على انتشار القمامة بالقرية، وخفّف عن كاهل الحكومة كلفة نقل المخلّفات، لتصبح البلدة أول المناطق النموذجية في مصر التي تستخدم التكنولوجيا في الريف.
نموذج مثالي للطاقة النظيفة
تعتبر البسايسة نموذجاً مثالياً لإنتاج الطاقة النظيفة، وفق حديث طه عادل، أحد أبناء القرية، والذي يستفيد من المشروع عبر بطاريات الطاقة الشمسية، قائلاً: "منذ ما يقرب من 5 سنوات، اشتركتُ في مشروع الطاقة الشمسية، مقابل مبلغ بسيط وهو 50 جنيهاً شهرياً، بعد أن وجدت معوقات كثيرة في تركيب الخدمات الحكومية من كهرباء وغاز وخلافه".
ركّب عادل، الأب لأربعة أبناء، محطة شمسية منزلية صغيرة بقدرة 2 كيلو وات بالساعة، ولم يعد يعتمد على التيار الكهربائي الحكومي، بل باتت تعمل كل الأجهزة في منزله بنظام الطاقة الشمسية، كما يستخدمها في سخّانات المياه وغيرها.
وحوّل أهالي البسايسة المخلفات العضوية إلى غاز نظيف قابل للاشتعال، وينتجون بعض الأسمدة الزراعية من المخلفات العضوية الخالية من الأمراض بأقلّ التكاليف، بحسب تصريح أمير إبراهيم، العامل في جمعية البسايسة التعاونية للـميادين نت.
أمير، وهو أحد أبناء القرية، يشير إلى أنه بالإضافة إلى توليد الكهرباء والغاز، استطاعت القرية ابتكار سخان يعمل عبر الطاقة الشمسية، وإناءً لطهي الطعام يعمل لمحاربة نقص أسطوانات الغاز.
وتتراوح تكلفة تركيب بطارية للطاقة الشمسية ما بين 150 و200 ألف جنيه (حوالى 4500 دولار) في القرية بنظام التقسيط ولا تحتاج إلا أعمال تنظيف، كما أنها صديقة للبيئة ولا تضر بصحة الإنسان، ما يجعل "البسايسة" أول قرية مصرية نموذجاً مثالياً للطاقة النظيفة.
استنساخ البسايسة
لم يكتف صلاح عرفة، بتجربته الرائدة في قرية البسايسة، في دلتا مصر، بل نقلها إلى قرية جديدة في صحراء سيناء منذ حوالى 20 عاماً، كما امتدت إلى قرية ثالثة في جنوب مصر.
قرية "البسايسة الجديدة" التي خرجت من رحم القرية القديمة وتحمل الاسم نفسه، تقع على بُعد 200 كيلومتراً منها، حيث مدينة رأس سدر في محافظة جنوب سيناء المصرية، وتعتمد بصورة أساسية على الزراعة، حيث تستغل حوالى 750 فداناً، فضلاً عن قرية ثالثة وتدعى "جنة الوادي الجديد"، وتبلغ مساحتها حوالى 1250 فداناً، وتقع في جنوب مصر في الصحراء الغربية، وبدأ العمل في إنشائها عام 1982.
ووفق حديث عرفة للـميادين نت قال إنه حاول نقل المعرفة وما تعلمه من علوم في السويد إلى قريته عن طريق استخدام قواعد التنمية المستدامة بالعلم والتكنولوجيا، مضيفاً: "بدأنا بتلقّي المساعدات المالية، وتشغيل التلفاز والراديو بالطاقة الشمسية، ثم تعميم التجربة بإنشاء أول محطة للطاقة الشمسية، واستطعنا تركيب وصلات لتوصيل التيار للمنازل والمتاجر والورش.
وحالياً تم تعميم التجربة في القرية بكاملها، "وابتكرنا سخّانات شمسية عبر تغيير اتجاه أشعة الشمس، كما توالى تركيب الأفران الشمسية والاستفادة من تجميع أشعة الشمس، وتوجيهها لتوفير التيار وتشغيل القرية بأكملها، حتى تغيرت البسايسة إلى قرية نموذجية تعتمد على الطاقة الشمسية والمكونات الطبيعية وليس الطاقة التقليدية"، يقول صلاح عرفة.