مأساة الحرب والبيت الآمن.. السودانيون في مصر يواجهون استغلالاً في السكن

ليس هناك خيار لدى السودانيين النازحين بعد الحرب إلى مصر سوى الموافقة على الأسعار الباهظة للسكن، لأن العديد منهم كان لديه أمل بالعودة القريبة إلى السودان، لذلك اضطروا لإنفاق كل أو معظم مدخراتهم.

  • مأساة الحرب والبيت الآمن
    مأساة الحرب والبيت الآمن.. النازحون السودانيون إلى مصر يواجهون أزمة سكن

جثثٌ ملقاة في كلّ مكان، وسيارات مدمّرة بالكامل، وأناسٌ في الشوارع من دون بيوت تؤويهم، من جراء الحرب المتواصلة في بلدتها شمبات الواقعة بالقرب من العاصمة السودانية الخرطوم، استطاعت فاطمة، أخيراً، الهرب إلى مصر بمساعدة أقارب لها ولم تأخذ معها سوى طفلة تبنّتها بعد وفاة أهلها عام 2017. 

وصلت فاطمة إلى القاهرة، لتبدأ حياتها في سكن مشترك، مؤقتاً، مع عائلة سودانية، لأنها لم تستطع الحصول على سكن منفرد. تفاجأت بأسعار الإيجارات الباهظة في مصر، والذي تزامن مع الحرب السودانية وفرار الآلاف من السودانيين إلى مصر.

أسعار مرتفعة للإيجارات في مصر

فاطمة لا تملك حالياً بيتاً منفصلاً، ولا حتى عملاً يدرّ عليها مدخولاً جيداً، لذلك هي مضطرة للبقاء في سكن صغير مشترك، مع حاجتها للاستقلال في سكن منفصل، بسبب تحمّلها مسؤولية رعاية طفلة ماتت عائلتها عام 2017، وتعاني من عوارض نفسية وصحية شديدة.

فاطمة هي عيّنة من آلاف السودانيين الذين نزحوا إلى مصر، ويواجهون المشكلة نفسها في صعوبة إيجاد سكن ملائم وآمن وبسعر مناسب في القاهرة، فالمناطق الشعبية ارتفع فيها الإيجار 4 أضعاف بينما المناطق الراقية أكثر من 10 أضعاف. 

الباحث الحقوقي والمدير التنفيذي لمنصة "اللاجئين في مصر" نور خليل، أكد أنّ النازحين الجدد من السودان وخاصة العائلات والنساء يواجهون أزمة وصفها بالكبيرة، فيما يتعلق بأسعار السكن، بخلاف الأزمة التي يتعرّض لها النازحون السودانيون السابقون المقيمون في مصر. 

وقسّم خليل تلك الأزمة إلى نوعين: الأولى هي المسكن الآمن الذي يمكن الحصول فيه على الخصوصية والأمان خاصة للنساء، والثانية أنّ تلك المناطق أسعار المساكن فيها مرتفعة في الأوضاع العادية، لكن بعد ارتفاع نسبة النزوح وزيادة الطلب، زادت أسعارها أكثر من الطبيعي، مما دفع السودانيين للبحث عن منازل قد لا تكون آمنة لهم.

وعزا خليل ارتفاع الأسعار في بعض المناطق إلى قصد العديد من النازحين المناطق التي يجتمع فيها السودانيون، ما يمكّنهم من الاندماج مع بعضهم البعض، خصوصاً في القاهرة والجيزة، وأيضاً لأن العديد منهم لديهم عائلات تعيش في تلك المناطق، مما دفع بمالكي المساكن في هذه التجمّعات إلى رفع أسعارها. 

ليس هناك خيار لدى السودانيين النازحين بعد الحرب سوى الموافقة على تلك الأسعار، لأنه، وبحسب خليل، فإنّ العديد منهم كان لديه أمل بالعودة القريبة إلى السودان، لذلك اضطروا لإنفاق كل أو معظم مدخراتهم، لافتاً إلى وجود أزمة أخرى وهي أنّ من أمكنه دفع الإيجار المرتفع في بعض المناطق، لن يمكنه الاستمرار لاستنفاد كل المدخرات وقلة فرص العمل. 

وأشار المدير التنفيذي لـ"منصة اللاجئين" إلى أنهم يتلقون العديد من الشكاوى لنازحين يحتاجون إلى سكن بعد وصولهم إلى مصر من دون امتلاكهم أي مدخرات، أو أن مدخراتهم نفدت في الشهور القليلة الأولى لوصولهم البلاد، قائلاً: "نحن لا نقدّم الدعم للسكن، ولكن نوجّههم إلى مجموعات ومنظمات لدعم اللاجئين والمهاجرين". 

مأساة الحرب والبيت الآمن

للأمان ضريبة، فالفرار من الحرب والاستقرار في بلد يعاني أزمات اقتصادية ليس بالأمر الهيّن، لذلك يؤكد خليل أنهم في المنصة يرصدون أوضاع عائلات وأفراد يضطرون للنوم في الشارع أو في محل العمل -إن وجد- كذلك عائلات تعيش في مصر منذ سنوات لا تستطيع تغطية مصاريف دراسة أبنائها. 

أم محمد، هي سودانية جاءت إلى مصر، بعد اندلاع الحرب في السودان، في نيسان/أبريل الماضي، مع أسرتها المكوّنة من 3 أطفال، أما زوجها وباقي العائلة فما زالوا عالقين هناك، لم يكن لها أي أقارب في القاهرة، لكن لحسن حظها عرضت عليها سيدة سودانية من المقيمين في القاهرة قبل سنوات، الإقامة معها مؤقتاً.

البيوت التي يقيم فيها أغلب السودانيين ذات مساحة صغيرة لا تتعدى غرفتين، لذلك لا تشعر أم محمد بحريتها الكاملة، خاصة أن البيت الذي تقيم فيه حالياً مع الأسرة المضيفة هو أيضاً صغير ومع إمكانيات مادية شبه منعدمة، لذلك يستحيل أن تجد أم محمد وعائلتها الفرصة للاستقلال بسكن مناسب وآمن.

"بيتنا اتدمر، حتى لو في فرصة للعودة سيكون الأمر صعباً لأنه ما بقي بيت، القذيفة وقعت فيه، الحمد لله طلعنا بسرعة وما أصبنا"، تقول أم محمد التي كانت تعمل في حضانة أطفال قبل مغادرة السودان، لكنها حالياً في مصر، تبحث عن عمل يدر دخلاً مناسباً يمكّنها من الإنفاق على أبنائها.

واقع لا يمكن الفرار منه

في أحد أحياء مدينة 6 أكتوبر في القاهرة، تقع منطقة تسمّى "بيت العائلة"، وهي منطقة سكنيّة بأسعار رمزية بُنيت كأحد المشاريع الإسكانية لمحدودي الدخل، لكنها حالياً باتت الملاذ الآمن لعدد كبير من اللاجئين منهم السوريون والسودانيون. البيوت من طابق واحد أو طابقين على الأكثر وكل منها تضم غرفتين صغيرتين.

وفي هذا المشروع، يقع مقر جمعية "أبناء الفولان"، والتي أسسها مجموعة من السودانيين المقيمين في مصر، لتقديم خدمات لأبناء الجالية، منها تعليم أبنائهم والمشورة الصحية والنفسية للقادمين الجدد أو الفارين من جحيم الحرب منذ سنوات.

آدم عبد الله من جمعية "أبناء الفولان"، يقول إن الإيجارات قبل النزوح الأخير، كانت تقدّر بـ1200 جنيه مصري على الأكثر (أقل من 40 دولاراً)، لكنها زادت وأصبحت بين 2500 و2700 جنيه، أي ارتفعت إلى الضعف، وهي غير متوفرة.

وأشار عبد الله إلى أنّ السوادنيين يواجهون بُطأً في معاملاتهم لدى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين، وقد تستغرق نحو شهر لتسجيل النازح كلاجئ، ويحصل على البطاقة التي بموجبها يحصل على تسهيلات وخدمات عديدة من المفوضية أو يمكنه وقتها استئجار بيت. 

وبحسب الموقع الرسمي للمفوضية، ووفقاً لآخر تقرير نُشر في أيار/مايو الماضي، فإن هناك 293.678 ألف لاجئ وطالب لجوء مسجّلين رسمياً.

وأرسل الميادين نت إلى المفوضية السامية لشؤون اللاجئين في مصر للردّ بشأن توفير السكن الآمن للاجئين السودانيين، لكنه لم يتلقّ رداً حتى تاريخ نشر هذا المقال. 

وفي تصريحات رسمية للرئيس المصري عبد الفتاح السيسي، في أيار/مايو الماضي، قال إنّ مصر استقبلت 150 ألف نازح سوداني.

علاء الدين آدم، الرئيس التنفيذي لمبادرة "يلّا نساعد بعض"، وهي مبادرة تأسست في 2022 بالقاهرة، لمساعدة اللاجئين من كل الجنسيات ودعم كبار السن وذوي الاحتياجات الخاصة، قال إنه في هذا العام تغيّرت وجهة المبادرة لتساعد السودانيين القادمين بعد الحرب من خلال وصلهم بالمفوضية، والعمل على جلسات توعية، ووصلهم أيضاً بالمنظمات لمساعدتهم في إيواء مؤقت، إلى حين تدبير أمورهم في الحصول على سكن بسعر مناسب.

لم تشهد القاهرة أزمة ارتفاع أسعار في السكن مع قدوم نازحين من سوريا واليمن، مثلما حدث مع قدوم السودانيين، وفي هذا السياق قال آدم إن السودانيين قدموا بالآلاف في وقت واحد، بينما جاء السوريون واليمنيون على دفعات -هجرة منظّمة- لذلك بعضهم لم يكن يعلم بأسعار الإيجارات في مصر، فكانوا يوافقون إما من دون علم أو مضطرين، لكن توجيه مبادرة "يلّا نساعد بعض" لهم ساعد بعضهم على السكن في بيوت بأسعار مناسبة وفق إمكانياتهم.

الأزمة الاقتصادية هي السبب

ويرجّح الخبير العقاري مصطفى عبد الخبير أن الأزمة الاقتصادية هي السبب في ارتفاع أسعار الإيجارات في مصر، في الأشهر الأخيرة، نتيجة لانخفاض قيمة الجنيه إلى أكثر من النصف في أشهر قليلة، لافتاً إلى أن الارتفاع الذي لاحظه في إيجارات بعض المناطق ربما لا يصل إلى 4 أضعاف مثلما يروّج البعض، وإنما يمكن أن يصل إلى الضعف.

كما يرى أن أزمة وجود لاجئين سودانيين تدفّقوا بالآلاف ليست السبب الرئيسي وراء ارتفاع قيمة الإيجارات، فسابقاً دخل مصر الآلاف من السوريين واليمنيين وغيرهم.

وأشار إلى أن الحلّ يكمن في إنشاء مشروعات سكنية بأسعار مناسبة.