لا طعام لأيام والمساعدت مكدّسة في مخازن المنظمات الأممية: أهالي غزة يواجهون حرب التجويع
تسببت الحرب الإسرائيلية في غزة بنفاد المواد الغذائية، كما أن جميع مخابز القطاع توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود والطحين، وهو الأمر الذي فاقم معاناة سكان القطاع، ودفعهم إلى البحث عن حلول بديلة لم توفر لهم الطعام الكافي.
"اضطررت أنا وعائلتي إلى قضاء أيام طويلة من دون كسرة خبز، لم نجد ما نسد به جوع أطفالنا أو نسكت به قرقعة البطون". هذه التفاصيل المؤلمة لقصّة يعيشها الفلسطيني النازح من شمال قطاع غزة إلى جنوبه، فوزي أبو هاني.
أبو هاني وغيره الآلاف من سكان القطاع ونازحيه، يجدون صعوبة بالغة في توفير طعام لعائلاتهم، بسبب فرض الاحتلال الإسرائيلي حصاراً خانقاً على مختلف المدن، وذلك بالتزامن مع القصف العنيف والوحشي لجميع المناطق.
حصار إسرائيلي خانق
منذ بدء معركة "طوفان الأقصى" في السابع من تشرين الأول/أكتوبر الماضي، أغلقت سلطات الاحتلال الإسرائيلي معبر كرم أبو سالم، وهو المعبر الوحيد المخصص لإدخال البضائع والوقود إلى القطاع، ومنعت إدخال المواد الغذائية والبضائع والوقود وغاز الطهي.
كما قطعت حكومة الاحتلال الإسرائيلي الكهرباء والمياه عن القطاع، الأمر الذي تسبب بكوارث صحية وبيئية كبيرة، في حين تتحكم بطبيعة المساعدات الإغاثية والإنسانية التي تدخل عبر معبر رفح البري، وتخضعها للتفتيش.
ولا يكفي ما يدخل من معبر رفح البري من مساعدات إنسانية وطبية لسكان القطاع البالغ عددهم أكثر من مليوني فلسطيني، نزح من منازلهم نحو 1.5 مليون إنسان، وجميعهم تحت خط الفقر ولا يجدون ما يسدّ جوعهم.
وحسب مسؤولين فلسطينيين، فإنّ 100 شاحنة فقط تدخل إلى القطاع يومياً تشمل معدات طبية ومواد إغاثية وغذائية وكمية شحيحة جداً من الوقود، في حين كان يدخل إلى القطاع قبل الحرب نحو 600 شاحنة يومياً من كرم أبو سالم.
حرب تجويع
وفي روايته المؤلمة، يقول أبو هاني لـلميادين نت: "منذ نزوحنا من شمال غزة ونحن لا نأكل إلا وجبة واحدة يومياً، ولا نحصل على الغذاء الصحي والآمن؛ لكن أن نعيش أياماً من دون طعام هذا ما لم نكن نتوقع أن يحدث لنا".
ويفيد بأن الأسواق "باتت خاوية من المواد الغذائية والمحال التجارية لا يوجد فيها ما يمكن شراؤه لسد جوع أفراد العائلة في حال وجد المال لذلك، علاوة على نفاد الطحين من الأسواق، وهو الأمر الذي أدى إلى فقدان الخبز".
أبو هاني يقول، إن "المعاناة التي يعيشها بعد نزوحه إلى مدرسة تابعة لوكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين تزداد يوماً بعد يوم"، متابعاً: "لا نجد كسرة الخبز ونطعم أطفالنا كميات قليلة من الطعام كل يومين أو ثلاثة".
ويتهم المنظمة الأممية بالتواطؤ والتعمّد بتجويع النازحين، كونها الجهة الوحيدة المسؤولة عن توزيع المساعدات، مستطرداً: "الوكالة تخفي في مخازنها المساعدات وتؤخر تسليمها للنازحين، وهذا تواطؤ مع حرب التجويع الإسرائيلية".
وتسببت الحرب الإسرائيلية بنفاد المواد الغذائية، كما أن جميع مخابز القطاع توقفت عن العمل بسبب نفاد الوقود والطحين، وهو الأمر الذي فاقم معاناة سكان القطاع، ودفعهم إلى البحث عن حلول بديلة لم توفر لهم الطعام الكافي.
فصول من المعاناة
وللمعاناة في غزة فصول أخرى، يرويها النازح محمد سعد الدين، والذي اضطر إلى المبيت أربعة أيام متواصلة خلال أيام الهدنة من أجل الحصول على جرة غاز تمكنه من إعداد الطعام لعائلته، وغلي المياه لرضيعه الذي لم يتجاوز عمره أياماً معدودة.
ولكن حلم سعد الدين بالحصول على الطعام بعد تعبئة جرة الغاز سرعان ما تبدد على إثر نفاد الأغذية من الأسواق وندرة الخضروات، علاوة على فقدان حليب الأطفال والاحتياجات الأساسية"، وفق ما أكد لـلميادين نت.
"ما ذنب طفلي الرضيع وأشقائه الخمسة لكيلا يحصلوا على الغذاء ويناموا أياماً من دون طعام، نجوب الأسواق ولا نجد ما يمكن شراؤه لإعداد الطعام، نحن نحارب بالتجويع والبرد وبالتشريد؛ لكننا ما زلنا صامدين" يقول سعد الدين.
ويتفق المواطن الفلسطيني، مع نظرائه من النازحين فيما يتعلق بمشاركة وكالة الغوث في حرب التجويع التي تشنها حكومة الاحتلال الإسرائيلي على غزة، ويؤكد أن المساعدات الغذائية تترك في مخازن الوكالة ولا يحصل النازحون إلا على جزء يسير منها.
وبحسرة كبيرة يشير سعد الدين، إلى أنه أصبح مضطراً إلى البحث عن التكيات الخيرية، والمؤسسات التي توزع الطعام على النازحين من أجل الحصول على كميات قليلة جداً من الطعام، وذلك بعد ساعات طويلة من الانتظار.
مساعدات قليلة ومتقطعة
ولا تصل المساعدات الإغاثية إلى جميع مناطق قطاع غزة، ويمنع الاحتلال الإسرائيلي وصولها إلى غزة والشمال، علاوة على أن وصولها إلى مناطق الوسط منذ الاجتياح البري لخان يونس أصبح صعباً للغاية ويتم بطرق التفافية خطيرة.
ويقول مدير الإعلام في معبر رفح البري من الجانب الفلسطيني، وائل أبو محسن، إن "ما يصل إلى قطاع غزة يقدر بنحو 100 شاحنة يومياً"، مشيراً إلى أنها تتنوع ما بين المساعدات الطبية والإغاثية وكميات قليلة من الوقود.
المسؤول الفلسطيني، يؤكد لـ"الميادين نت"، أن كمية المساعدات التي دخلت إلى القطاع منذ العدوان الإسرائيلي على غزة لا تكفي لسد احتياجاته، أو حتى التعامل مع الاحتياجات الطارئة له، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة كبيرة.
ويفيد أبو محسن، أن الجانب الفلسطيني يسهل دخول المساعدات إلى القطاع فقط ويسلمها للمنظمات الإغاثية العاملة فيه"، مؤكداً ضرورة العمل من أجل زيادة عدد الشاحنات الواردة عبر معبر رفح البري في ظل شح المواد التموينية والغذائية.
"أونروا" تتهرب من المسؤولية
وكالة غوث وتشغيل اللاجئين "أونروا" تنصلت بدورها من المسؤولية عن حرب التجويع التي يتعرض لها النازحون والسكان في غزة، مشيرة إلى أن ما يدخل القطاع من مساعدات غذائية محدود جداً ولا يكفي لاحتياجات السكان.
وتفيد نائبة مدير الإعلام بالوكالة، إيناس حمدان، أن "المساعدات الإغاثية التي تدخل إلى القطاع عبر معبر رفح البري، لا تقارن بالاحتياجات اليومية للنازحين"، لافتة إلى أن هناك تدنياً كبيراً في عدد الشاحنات الإغاثية الواردة للقطاع.
وتقول حمدان لـ"الميادين نت"، إن "المساعدات قليلة جداً ومتقطعة وغزة تحتاج إلى عدد أكبر من الشاحنات يصل إلى 500 شاحنة مساعدات يومياً وبشكل مستدام من أجل تلبية الاحتياجات الإغاثية الطارئة للسكان والنازحين".
المسؤولة الأممية، تؤكد أن هناك صعوبة في توفير المواد الغذائية للنازحين، وأن أونروا توزع كل ما يصل لها بشكل مباشر"، مستدركةً: "لكن، في بعض الأحيان، تكون هناك مفاضلة في تقديم الخدمات الإغاثية للنازحين، وذلك حسب الحاجة والأولوية".
النازحون تزداد أعدادهم كل دقيقة، وفق حمدان، وفي الغرفة الواحدة يعيش أكثر من 80 شخصاً، كما أن أونروا تواصل العمل لتقديم الخدمات، مستدركةً: "لكن هناك مخاوف من توقف الخدمات بسبب شح المواد الإغاثية".
وتدير "أونروا" منذ الحرب الإسرائيلية على غزة العمليات الإغاثية في القطاع، وتشرف على توزيع شاحنات المساعدات الواردة إلى غزة، كما أنها تشرف على توزيع الوقود على مختلف المؤسسات الخدمية والصحية في مختلف المدن.