كيف استثمر الإيرانيون حزنهم على رحيل رئيسي في اختيار الرئيس الجديد؟
انطلاقاً من القرار العميق للجمهورية الإسلامية في الاستمرار وعدم تأثر بنية الدولة بالظروف الطارئة، قرر الإيرانيون ممارسة حقهم الانتخابي في اختيار رئيس جديد، لكن هذه المرة حملوا معهم إرث الشهيد السيد إبراهيم رئيسي.
ترك استشهاد الرئيس الإيراني إبراهيم رئيسي الشهر الماضي مع سبعة من مرافقيه في حادثة سقوط الطائرة التي كانت تقلّهم جرحاً عميقة في قلوب الإيرانيين الذين يعدّونه "خادماً مخلصاً ونصيراً لهم".
في خطابه في ذكرى رحيل الإمام الخميني قبل أيام، أشار قائد الثورة والجمهورية الإسلامية في إيران السيد علي خامنئي إلى الحضور الحماسي والمميز للجماهير في مراسم توديع الشهيد ورفاقه في مختلف المدن، معتبراً أن هذا الحضور سيكون مكملاً للملحمة الانتخابية التي ستعبر عن نفسها أيضاً في 28 حزيران/يونيو الحالي عند صناديق الاقتراع.
وقال بنبرة مفعمة بالعزم: "إن الأمة الإيرانية، بروحها المتجددة وإرادتها القوية، تحتاج إلى رئيس جمهورية يتسم بالنشاط والجد والوعي ويحمل في قلبه مبادئ الثورة الإسلامية؛ ليحافظ على مصالحها، ويعزز عمقها الاستراتيجي في مواجهة التحديات الدولية، ويبرز قدراتها ومواهبها الطبيعية والبشرية التي ستصنع مستقبل البلاد، وتملأ الفجوات والثغرات الاقتصادية والثقافية، محققاً أحلامها في غدٍ أفضل".
انطلاقاً من القرار العميق للجمهورية الإسلامية في الاستمرار وعدم تأثر بنية الدولة بالظروف الطارئة، قرر الإيرانيون ممارسة حقهم الانتخابي في اختيار رئيس جديد، لكن هذه المرة حملوا معهم إرث الشهيد السيد رئيسي وما عايشوه في رئاسته من أمور يرغبون في استمرارها وتعزيزها مع الرئيس الجديد.
أسماء ذكاوت، وهي معلمة شملها قانون تقييم المعلمين الذي أقرّته حكومة رئيسي بعدما تأخر بته أكثر من عشر سنوات، قالت: "سأشارك في الانتخابات بقوة كما طلب القائد، وحتى لا تذهب جهود الشهيد رئيسي سدى"، وأضافت للميادين نت: "الشهيد وضع معايير واضحة لمهمة الرئيس عموماً، والناس أعلنوا موقفهم في التشييع بأن الرئيس الجديد يجب أن يكون خادماً للشعب بصدق من دون كلل أو تعب".
من جهته، يقول الطالب الجامعي صابر نصيب علي: "لم أصوّت لرئيسي في الانتخابات السابقة، وأنا نادم على ذلك، لأنني اكتشفت شخصيته وقدرته على العمل والابتكار بشكل متأخر. تصويتي في الانتخابات السابقة تأثر بشكل كبير بما نُشر عن الشهيد في شبكات التواصل الاجتماعي". ويضيف للميادين نت: "هذه المرة سأكون أكثر دقة في انتخاب الرئيس الذي يمثلني، لأنها انتخابات تحدد مصير الأمة".
وفي حديثه إلى الميادين نت، يقول العامل محسن مرادي إنّ "العمل والسكن والتضخم والبطالة وانخفاض قيمة العملة الوطنية والخصخصة واختلال التوازن في الطاقة وتوزيع المياه والعديد من الملفات الأخرى كان رئيسي يعمل عليها، وهي خيارنا في انتخاب الرئيس المقبل"، لافتاً إلى أن "لدينا فكرة عن عمل المرشحين في السابق، وسنراقب وعودهم وبرامجهم، وسننتخب الأقرب إلى هموم الشعب، والملتزم بقيم الثورة. نريد رئيسنا المقبل أن يكون قائداً ميدانياً، وأن لا يكتفي بالجلوس وراء مكتبه".
النظرة الإيجابية لدى المجتمع الإيراني تجاه السيد إبراهيم رئيسي كانت نتيجة العمل والخدمات والمبادرات التي قام بها خلال فترة حكمه، والتي أدت دوراً كبيراً في حملة الدعاية للمرشحين في الانتخابات الرئاسية الحالية في إيران، فرئيسي الذي قام بإحياء مشاريع مهمة مثل مصنع "هبكو" للصناعات الثقيلة في محافظة أراك، ومصنع النسيج في محافظة مازنداران، وثمانية آلاف مصنع آخر، وتوفير أكثر من مليون فرصة عمل، وغيرها من البرامج الاقتصادية التي أثرت بشكل مباشر في حياة الناس خلال 33 شهراً من عمر حكومته كانت محل تنويه وإشادة من قبل المرشحين الحاليين، كدليل على النجاحات التي يمكن أن تستمر تحت قيادتهم في حال وصولهم إلى كرسي الرئاسة. أما الناخبون الذين شهدوا تحسناً في ظروف معيشتهم أو وجدوا فرص عمل بفضل هذه السياسات، فهم يميلون بشكل كبير لدعم القادة الذين يَعِدون بالاستمرار على نهج رئيسي أو توسيع ما بدأه.
تعددت روايات المرشحين، وتنوعت التأكيدات على عمق الصلة برئيسي؛ فتحدث المرشح محمد باقر قاليباف عن صداقة قديمة تربطه به تعود إلى ما قبل انتصار الثورة الإسلامية عام 1979، وأنهما روح واحدة في جسدين، وقال سعيد جليلي إنه عمل مع رئيسي خلال السنوات الأخيرة في العديد من الملفات الحيوية، من بينها تقديمه خطة لزيادة مبيعات النفط وتقديم استراتيجيات لكيفية تجاوز الحظر الأميركي في العديد من القطاعات. وقال علي رضا زاکاني إنه، في حال نال ثقة الشعب، سيعزز حكومته بأعضاء بارزين من فريق رئيسي، مثل وزراء الصناعة والاقتصاد والطاقة والعمل.
عندما وصل رئيسي إلى الرئاسة، كانت إيران تواجه تحديات اقتصادية واجتماعية، بما في ذلك الحظر الأميركي والأوروبي، لكن رئيسي أعلن قبل انتخابه أنه لن يرهن مستقبل البلاد بمفاوضات لا تنتهي مع الولايات المتحدة. رفع شعار أنه "خادم الشعب"، وأعلن أنه سيعمل على حل مشكلات الشعب بالاستعانة بالشعب، وكرّس هذا الشعار على أرض الواقع في الكثير من المشاريع.
وقد أظهر رئيسي، وهو الذي استثمر جزءاً كبيراً من حياته في العمل داخل أروقة السلطة القضائية، جوانب من شخصيته كانت غير معروفة للبعض، وخصوصاً تلك المتعلقة بتفانيه في السفر المستمر إلى المحافظات للاطلاع على الوضع الميداني وافتتاح المشاريع والاستماع إلى مشكلات الناس مباشرة، من دون الاعتماد على التقارير الرسمية فقط.
هذه الأنشطة كان لها تأثير إيجابي في نظرة المواطنين إليه كرئيس جمهورية وخادم للجمهور، إذ رأوا فيه نموذجاً للرئيس الملتزم والمعني بتحسين ظروف حياتهم، فترك بصمة واضحة خلال فترة حكمه، سواء من خلال السياسات الداخلية أو عبر الأداء الحكومي.