فجوة بين الأجيال.. حرب غزة معيار لدى الشباب الأميركي في خياره الانتخابي
أدى الانخراط المكثف لجيل الشباب الأميركي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلى اطّلاعهم بشكل واسع على الأحداث المروعة التي تقع في قطاع غزة، ما سيكون له تأثير مباشر على خياراتهم الانتخابية.
مع اقتراب موعد الانتخابات الأميركية المقرر عقدها في تشرين الثاني/نوفمبر من العام الجاري، يبدو السباق المحموم في الدعاية الانتخابية لاستقطاب الناخبين في أوجه، وعلى الرغم من أن الانتخابات الأميركية لا تحددها السياسة الخارجية، بل تنكفئ في الغالب على القضايا الداخلية، لا سيما الاقتصادية منها، نجد الناخب الأميركي هذه المرة يخرج من قوقعته باهتمامه بالشأن الداخلي، لينظر بعين أكثر واقعية لما يجري في العالم من حوله، على خلفية النهج المنحاز غير الإنساني الذي تتبعه إدارة بايدن في التعامل مع الأحداث المأساوية في غزة.
وحيث أن الناخبين اليهود يشكلون حوالى 2% من سكان الولايات المتحدة، ما يعني أن تأثيرهم المباشر على الانتخابات الأميركية ضئيل، وكذلك الحال بالنسبة للناخبين المسلمين الذين تزيد نسبتهم قليلاً عن 1%، فهذا يعني أن تأثير الحرب في غزة على العملية الانتخابية الأميركية سيعتمد على الرأي العام الأميركي ككل من الصراع، وليس على الفئات المعنية بشكل مباشر.
تعاطف متزايد مع غزة
استحوذت الحرب المستعرة في غزة، والتي تستهدف المدنيين بشكل فاضح، على اهتمام بالغ لدى القواعد الانتخابية في الولايات المتحدة، ويبدو أن بعض السياسات الخارجية للإدارة الأميركية الحالية لم تعد ترضي المزاج العام للناخب الأميركي، حيث تشعر قطاعات كبيرة من الناخبين بالأسى والإحباط للوضع الإنساني الحرج في قطاع غزة، الذي بات يشكل أزمة حقيقية، تتردى مع تصاعد الهجمات الإجرامية الإسرائيلية المستمرة منذ أكثر من 5 أشهر، فيما ترى قطاعات أخرى أن مشاركة الولايات المتحدة في الحروب الخارجية إهدار بلا مبرر لميزانية الدولة.
ويظهر تراجعاً واضحاً للرأي العام الأميركي منذ العدوان الإسرائيلي على غزة في تشرين الأول/أكتوبر الماضي، فيما يتعلق بدعم الاحتلال الإسرائيلي، وقبول سياسات إدارة بايدن في التعامل مع الوضع الراهن، فنصف البالغين في الولايات المتحدة على الأقل، يرون أن الاحتلال قد ذهب بعيداً في حربه على غزة وتجاوز الحدود، وهو الأمر الذي من المرجح أن يلقى بظلاله على الانتخابات المقبلة.
وأظهر استطلاع للرأي أجرته وكالة "أسوشيتد برس" الأميركية بالتعاون مع مركز بحوث الشؤون الاجتماعية في جامعة شيكاغو (NORC)، في أواخر كانون الثاني/يناير، عقب مضي نحو أربعة أشهر على "معركة طوفان الأقصى"، أن 31% من البالغين الأميركيين فقط يؤيدون موقف الرئيس الأميركي الحالي فيما يتعلق بدعم "إسرائيل"، ويعبر كثير من الناخبين عن قلقهم من الدعم الأميركي العسكري للاحتلال، ويرون ضرورة العمل على خفضه، ويرى 36% من الأميركيين أن الولايات المتحدة لا تدعم الفلسطينيين بما فيه الكفاية.
تصدع في القاعدة الانتخابية الديمقراطية
ويواجه الرئيس الأميركي الحالي جو بايدن عقبات كبيرة في طريق وصوله للفوز بمقعد الرئاسة لفترة ثانية، تدور أغلبها حول مجموعة من القضايا الداخلية إضافة إلى سياساته في إدارة بعض الملفات الخارجية، والتي يبرز من بينها قضية العدوان الإسرائيلي على غزة، حيث يعارض عدد كبير من الديمقراطيين، لا سيما فئات الشباب والمجموعات ذات الأصول العربية، المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل" ويعبرون عن رغبتهم في وقف فوري للحرب.
وقد كشف الاستطلاع السابق أن موقف بايدن الداعم لـ"إسرائيل" عسكرياً ودبلوماسياً في حربها على غزة، قد عزز الانقسام في خطوط قاعدته الديمقراطية، فإن عدد المؤيدين له في سياساته المتعلقة بالصراع قد انخفض بين الديمقراطيين أنفسهم، بحيث لا تتجاوز نسبتهم 46%.
كما يشير الاستطلاع إلى تصدّع في بعض الكتل الديمقراطية بشكل خاص، فإن 60% من الديمقراطيين من غير البيض لا يوافقون على سياساته في هذا الجانب، بينما ترتفع النسبة لتصل إلى 70% في فئة الناخبين الديمقراطيين التي تقل أعمارهم عن 45 عاماً.
وفي الوقت نفسه، لا تظهر القواعد الانتخابية للحزب الجمهوري تزحزحاً عن موقفها الداعم للاحتلال، والذي يقدر بنسبة تصل إلى 76%، وترتفع النسبة لتضرب حاجز 80% عند المسيحيين الإنجيليين البيض من الحزب الجمهوري، وفق استطلاع للرأي قامت به "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا".
"غير ملتزم" سلاح الناخبين
وقد أظهرت الانتخابات التمهيدية للديمقراطيين في ولاية ميشيغان، التي تمثل واحدة من أكبر تجمعات الناخبين ذوي الخلفيات المسلمة والشرق أوسطية، غضب جماهير الناخبين وتلويحهم بحجب أصواتهم، احتجاجاً على موقف بايدن من الإبادة الجماعية التي تقوم بها قوات الاحتلال الإسرائيلي في غزة.
وقد صوت أكثر من 100 ألف ناخب، أي ما يعادل نحو 13.3% من إجمالي الأصوات في الولاية، بـ"غير ملتزم"، استجابة لحملة نظمها الناخبون المسلمون والعرب الأميركيون، ضد الدعم العسكري لـ"إسرائيل"، وكان من ضمن القائمين على الحملة عضوة الكونغرس الفلسطينية الأميركية رشيدة طليب ورئيس بلدية "ديربورن" عبد الله حمود وعدد من المسؤولين المسلمين البارزين.
واحتمالية الخسارة التي قد يواجهها بايدن في مشيغان تعد مخاطرة كبيرة، إذ تعتبر ميشغان من "الولايات المتأرجحة"، والتي قد تعزز فرصة المرشح بالفوز في الانتخابات، لذلك يأمل منظمو حملة "غير ملتزم" بالضغط من هذا الباب على بايدن لاتخاذ موقف صارم تجاه "إسرائيل" يجبرها على وقف العدوان.
ومن هنا، باتت إدارة بايدن أمام تهديد أكبر مما كان متوقعاً، من جرّاء تقديم الدعم لـ"إسرائيل"، وتحت ضغوط الوضع الانتخابي، قد تكون مضطرة بشكل متزايد إلى تسيير الصراع نحو وقف العدوان الإسرائيلي، والضغط باتجاه توصل الطرفين الفلسطيني والإسرائيلي إلى شروط للهدنة.
فجوة بين الأجيال
أدى الانخراط المكثف لجيل الشباب الأميركي في استخدام وسائل التواصل الاجتماعي، إلى اطّلاعهم بشكل واسع على الأحداث المروعة التي تقع في القطاع، من خلال الصور والفيديوهات التي تبث في كل حين وبصورة دائمة، بما لا يدع مجالاً للشك بعمق المأساة التي يعيشها الناس من الفقر والجوع وافتراش الأرض والتحاف السماء، فضلاً عن قذائف الموت التي تلاحق المدنيين أينما حلوا، وغالبيتهم من النساء والأطفال.
وقد أثر هذا الوضع بعمق في رأي الشباب الأميركي، وهم عادة ذو أغلبية ديمقراطية، وبحسب الاستطلاع الذي قامت به "نيويورك تايمز" بالتعاون مع كلية "سيينا" فإن الانقسام في القواعد الانتخابية الديمقراطية، فيما يتعلق بالحرب على غزة، أكثر وضوحاً مع اختلاف الأجيال، حيث يبدو الناخبون الشباب، الذين تتراوح أعمارهم بين 18 و29 عاماً، أكثر تعاطفاً مع غزة، بنسبة تبلغ نحو 46%، مقابل 27% منهم فقط يؤيدون "إسرائيل".
ولا يرى معظم الناخبين الشباب أملاً في الجانب الإسرائيلي، فالقليل منهم يعتقد أن "إسرائيل" جادّة في التوصل إلى حل سلمي مع الفلسطينيين، بينما يعتقد نصفهم أن "إسرائيل" تقتل المدنيين عمداً، ويقول ثلاثة أرباعهم أنها لا تتخذ الاحتياطات الكافية لتجنب وقوع إصابات بين المدنيين، بينما تعارض الأغلبية منهم تقديم مساعدات اقتصادية وعسكرية إضافية لها، ولا يوافق ما يقارب ثلاثة أرباعهم على الطريقة التي يتعامل بها بايدن مع الصراع في غزة، وكان مستخدمو "تيك توك" أكثر انتقاداً لسياسات إدارة بايدن تجاه "إسرائيل".
وفي حالة ما إذا تقارب المرشحان الجمهوري والديمقراطي في فرص الفوز، فإن جيل الشباب بالتأكيد سيعمل كمرجح غاية في الأهمية، ولكن مع هذا الموقف المنحاز ضد سياسات بايدن وغير المتقارب مع توجهات ترامب، يقف بعض هؤلاء الناخبون الشباب في حالة تردد، هل سيمتنعون عن التصويت، أم سيضطرون في نهاية الأمر إلى ترجيح أحدهما؟
ومن جانب آخر، يبدي الناخبون الديمقراطيون الأكبر سناً، الذين نشأوا في جو داعم لـ"إسرائيل"، ثقة أكبر في نوايا "إسرائيل" وأقل ثقة في نوايا الفلسطينيين، وهم أكثر تعاطفاً مع سياسات بايدن الداعمة للاحتلال الإسرائيلي، بنسبة تصل إلى ما يزيد على النصف بين الناخبين المسجلين الذين يبلغون من العمر 65 عاماً فما فوق.
ويواجه بايدن وسط وجهات النظر المنقسمة حول الصراع بين مجموعات الناخبين الديمقراطيين التقليدية صعوبات مستمرة في الحفاظ على تماسك الائتلاف الذي كان قد تكوَّن عام 2020، يصاحبها القليل من الخيارات المقبولة سياسياً.
هل ترامب هو الحل؟
ولا يُنظر لمعارضة بعض الفئات الانتخابية لسياسة بايدن في الشرق الأوسط في سياق دعم المرشح الجمهوري دونالد ترامب، لأن فوزه لن يكون أفضل حالاً لدى كثير من الناخبين، الذين ما زالوا في حالة تردد. ويبقى السؤال الحائر، هل يصوت الناخب لبايدن أم لا يصوت على الإطلاق؟ فإن هذا الوضع يعد معضلة حقيقية، إذ النتيجة الحتمية لعدم ذهاب الصوت لبايدن، زيادة احتمالية فوز ترامب، وهو الأمر المرفوض عند كثيرين.
ومع تعقد المشهد، لا تبدو الخيارات مريحة للناخب الأميركي، ولكن بشكل عام، يقول الناخبون المسجلون، بحسب أحدث استطلاع للرأي، إنهم يفضلون ترامب على بايدن في الانتخابات الرئاسية العامة بزيادة تصل إلى خمس نقاط، بواقع 48% لترامب مقابل 43% لبايدن.