غزة توحّد الصوت المسلم في الانتخابات الرئاسية الأميركية
يبدو أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تحظى بالدعم الأكبر من الناخبين المسلمين، بحسب استطلاع للرأي أجرته منظمة كير في الفترة بين 25 و27 آب/أغسطس الماضي.
يُشكّل المسلمون الأميركيون إحدى الكتل الانتخابية التي يتوقع أن تلعب دوراً حاسماً في نتائج الانتخابات الرئاسية الأميركية المقرر عقدها في الخامس من تشرين الثاني/نوفمبر الجاري.
ويبرز تأثيرهم في العديد من الولايات المتأرجحة، مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا ونيفادا، التي تضم عدداً كبيراً من الناخبين المسلمين، ما يضطر معه المرشحين كافة لمحاولة استقطابهم، وعدم تجاهل القضايا المهيمنة على اهتماماتهم.
وتُظهر شريحة واسعة من المسلمين حماساً للمشاركة في الانتخابات المقبلة، ووفق مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير)، يُقدر عدد الناخبين المسلمين المسجلين بنحو 2.5 مليون ناخب في الولايات كافة، وهو ما يعادل أكثر من ضعف عدد المسلمين الذين شاركوا في الانتخابات النصفية عام 2022، والذي بلغ نحو 1.2 مليون ناخب.
ويولي الناخبون المسلمون في الولايات المتحدة اهتماماً خاصاً بقضايا سياسية واجتماعية تؤثر على سلوكهم الانتخابي العام، بما في ذلك قضايا السياسة الخارجية، وخصوصاً المتعلقة بسياسات الولايات المتحدة تجاه دول الشرق الأوسط، وتعاملها مع الصراع في فلسطين، إضافة إلى قضايا داخلية، مثل الحقوق المدنية ومكافحة الإسلاموفوبيا والحصول على الرعاية الصحية.
وتاريخياً، ظهر المسلمون كونهم المجموعة الدينية الأكثر استقلالاً، فهم يدعمون عادة مجموعة متنوعة من المرشحين والأحزاب في الدورات الانتخابية المختلفة، معتمدين في ذلك على القيم والقضايا التي تمثل أولوياتهم، وتدفعهم للتصويت للمرشحين الذين يتبنّون توجهاً أقرب لتفضيلاتهم، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبيّة.
ويبدو أن المرشحة الديمقراطية كامالا هاريس تحظى بالدعم الأكبر من الناخبين المسلمين، بحسب استطلاع للرأي أجرته منظمة كير في الفترة بين 25 و27 آب/أغسطس الماضي، بنسبة وصلت إلى 29.4%، وقريباً منها حصلت جيل شتاين مرشحة الحزب الأخضر على نسبة قُدرت بـ 29.1%، بينما لم يتلقَ الرئيس الأميركي السابق، والمرشح الجمهوري دونالد ترامب دعماً كبيراً، حيث حصل فقط على ما نسبته 11.2% من تأييد الناخبين المسلمين.
قضايا محورية
تتصدر الحرب على غزة اهتمام الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة، بما في ذلك دعم وقف إطلاق النار الدائم في غزة، ووقف المساعدات العسكرية لـ"إسرائيل"، وتمثل هذه القضية رأس الأولويات للغالبية العظمى من المسلمين الأميركيين، بغض النظر عن الانتماء الحزبي أو العمر أو العرق، ويتوجّب على أي مرشح يطمح باستقطاب أصواتهم، أن يكون حازماً بشأن وقف الإبادة الجماعية في قطاع غزة.
وفي محاولتها لجلب تأييد المسلمين، حاولت هاريس أن تكون أكثر تعاطفاً مع الفلسطينيين، فقد أعلنت أنها "لن تصمت" إزاء معاناة الفلسطينيين في غزة، وأشارت إلى أنها سوف تتخذ موقفاً أكثر صرامة تجاه "إسرائيل"، وتدفع نحو التوصل إلى حل سلمي، لكنها مع ذلك لم تتخلَ عن دعم الاحتلال الإسرائيلي، ورفضت المطالبات بفرض حظر توريد الأسلحة إلى "إسرائيل".
وعلى غرارها، يحاول ترامب مغازلة المسلمين الأميركيين، والاستفادة من غضبهم إزاء استمرار الدعم الأميركي الرسمي للعدوان الإسرائيلي على غزة، ويواصل إخبار الناخبين المناهضين للحرب بأنه سيعمل على إنهاء تلك الحرب، ومع ذلك لا يخفى دعمه غير المشروط لـ"إسرائيل"، وفي ولايته السابقة نقل ترامب السفارة الأميركية من "تل أبيب" إلى القدس، وأنهى معارضة الولايات المتحدة للمستوطنات الإسرائيلية في الضفة الغربية.
وهذا الدعم الأميركي غير المشروط لـ"إسرائيل" من قبل الحزبين الرئيسيين في البلاد، أدى إلى حالة من الإحباط والاستياء في صفوف المسلمين الأميركيين، الأمر الذي حمل ثلث الناخبين المسلمين على إظهار التأييد لحزب ثالث، لا سيما الحزب الأخضر.
وقد جعلت مرشحة الحزب الأخضر من إنهاء حرب "إسرائيل" على غزة واحتلالها للضفة الغربية أولوية سياسية رئيسية، وعارضت بشكل قاطع القتل الجماعي المستمر للفلسطينيين، وطالبت بوقف فوري لإطلاق النار، ومنح الفلسطينيين حقهم في تقرير المصير.
وتُظهر استطلاعات الرأي أن مطلب إبقاء الولايات المتحدة بعيدة عن الحروب الخارجية، حلّ في المركز الثاني من أولويات الناخبين المسلمين في الولايات المتحدة، لا سيما الناخبين المترددين، الذين يميل نحو 83% منهم للتصويت للمرشح الذي يدعم البعد عن الصراعات الخارجية، وذلك وفق استطلاع لمعهد السياسة الاجتماعية والتفاهم الأميركي، نشر آب/أغسطس الماضي 2024.
ويعتبر التصدي للإسلاموفوبيا من أهم أولويات الناخبين المسلمين، بغض النظر عن انتماءاتهم الحزبية، فإن دعم المرشح لمكافحة العنف ضد المسلمين، من شأنه أن يزيد من احتمالية تصويتهم لذلك المرشح، ويرجع ذلك إلى الزيادة المقلقة لحوادث التحيّز والعنف ضد المسلمين في السنوات القليلة الماضية.
ويؤكد ذلك العديد من استطلاعات الرأي والدراسات الأميركية، ومنها تقرير أصدرته جامعة ماريلاند في تموز/يوليو من العام الجاري، كشف أن التحيز تجاه الأميركيين المسلمين بين العامين 2022 و2024، كان الأعلى مقارنة بجميع المجموعات العرقية والدينية الأخرى.
الولايات المتأرجحة
على الرغم من أن المسلمين يمثلون نحو 1% من سكان أميركا، فإنهم يشكلون كتلة انتخابية مهمة، إذ يتركز وجودهم في الولايات المتأرجحة، وبذلك يمتلكون القدرة على تحديد النتائج في العديد من الولايات المتأرجحة الرئيسية، مثل ميشيغان وبنسلفانيا وجورجيا وأريزونا ونيفادا وويسكونسن.
وتتمتع تلك الولايات بأهمية في الانتخابات الأميركية، حيث يشكل الفوز فيها مرتكزاً أساسياً للوصول إلى البيت الأبيض، فمن المعتاد أن تدعم العديد من الولايات أحد الحزبين الجمهوري أو الديمقراطي بشكل ثابت، فهي مضمونة له بالفوز وللآخر بالخسارة، أما الولايات المتأرجحة فلا تقدم ولاء ثابتاً لأي من الطرفين، وتبقى متذبذبة بينهما، وبالتالي فهي تعتبر ساحة التنافس الفعلي في الحملات الانتخابية، لأنها القادرة على حسم نتائج الانتخابات.
وغالباً ما يفوز المرشحون بهامش ضيق، توفره تلك الولايات، ففي الانتخابات الرئاسية لعام 2020، تفوق الرئيس جو بايدن على ترامب بفارق ضئيل في الأصوات، حصل عليها من ولايات متأرجحة مثل جورجيا وميشيغان وبنسلفانيا.
وبحسب استطلاع مجلس العلاقات الأميركية الإسلامية (كير) السابق، يفضل الناخبون الأميركيون شتاين على هاريس في أريزونا وميشيغان وويسكونسن، بينما يفضلون هاريس في جورجيا وبنسلفانيا، ويحظى ترامب بأعلى نسبة دعم في نيفادا، متقدماً بفارق ضئيل على هاريس.
أصول وأعراق متنوعة
يشكل المسلمون في الولايات المتحدة مجموعة سكانية متنوعة ومتنامية، يبلغ عددهم اليوم نحو 3.5 مليون نسمة، ينحدرون من أعراق وإثنيات متعددة، معظمهم مهاجرون مولودون في الخارج، أو أحد والديهم على الأقل مهاجراً ولد في الخارج، أما المسلمون من المواطنين الأصليين الذين ينتمون إلى أسر عاشت لثلاثة أجيال أو أكثر في الولايات المتحدة، فغالبيتهم العظمى من أصول أفريقية أو إسبانية، ولا يمثلون إلا نحو ربع العدد الإجمالي للمسلمين الأميركيين.
ولا تشكل أي مجموعة عرقية أغلبية بين المسلمين الأميركيين، ووفق تقديرات مركز بيو للبحوث، يعود 41% من مسلمي أميركا إلى أصول شرق أوسطية مختلفة مثل العرب والإيرانيين والأتراك، ويُطلق عليهم المسلمون البيض، ويعود نحو 28% إلى أصول آسيوية، بما في ذلك القادمون من جنوب آسيا، ويرجع 20% منهم إلى أصول أفريقية، وينتمي 8% إلى أصول إسبانية، فضلاً عن نسب ضئيلة جداً تمثل أعراقاً أخرى.
ويعود وجود المسلمين في الولايات المتحدة إلى القرن السادس عشر الميلادي، تزامناً مع حملات الاسترقاق التي شنها الأوروبيون على سكان أفريقيا، والتي استمرت لثلاثة قرون، حُمل خلالها أكثر من 12 مليون أفريقي عبر الأطلنطي إلى الأميركتين، وشكل المسلمون على أقل تقدير 10% من أولئك الذين نُقلوا على متن سفن العبيد.
وبين منتصف القرن التاسع عشر وأوائل القرن العشرين وصلت موجة هجرة ثانية إلى الولايات المتحدة، كانت هذه المرة من مسلمي الشرق الأوسط وجنوب آسيا، وفي أعقاب الاحتلال الإسرائيلي لفلسطين عام 1948، وخضوع المنطقة للحروب والصراعات والتهجير القسري، هاجرت مجموعة من اللاجئين الفلسطينيين إلى الولايات المتحدة.
ووصلت موجة أخرى من المهاجرين المسلمين العرب إلى الولايات المتحدة بين الخمسينيات والستينيات من القرن العشرين، وفتح قانون هارتر-سيلر عام 1965 الباب أمام الهجرة غير الأوروبية إلى أميركا، مما أدى إلى زيادة كبيرة في أعداد المهاجرين المسلمين من الشرق الأوسط وأفريقيا وجنوب آسيا.
وتعاقبت بعد ذلك موجات من هجرة المسلمين إلى الولايات المتحدة في نهاية القرن الماضي وبداية القرن الحالي، وبحسب أرقام مركز بيو للأبحاث، فإن 30% من المسلمين المهاجرين إلى أميركا وصلوا بعد عام 2010.
ويعتبر العرق مؤثراً على خيارات المسلمين الأميركيين في الانتخابات المقبلة على وجه الخصوص، حيث يميل معظم المسلمون السود لدعم كامالا هاريس بنسبة تبلغ أكثر من 55%، ويفضّل المسلمون البيض والمسلمون من أصول آسيوية شتاين وهاريس بنسب تكاد تكون متقاربة، في حين لا يحظى ترامب إلا بدعم متواضع، بنسبة لا تزيد على 12.8% في جميع الفئات.