عبودية جنسية تلاحق الأوكرانيات واحتقار للأفارقة.. ماذا يحدث في الإمارات؟
السِّجِلّ الإماراتي الأسود بشأن الإتجار بالبشر وثّقه الإعلام الغربي في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مسلّطاً الضوء على عملية جلب فتيات من مناطق حروب ونزاعات من أجل العمل في الدعارة.
"النزعة إلى الاستعباد مثّلت، في الأزمنة الغابرة، أساساً للوجاهة (وجاهة السيد ووجاهة القبيلة)، ونوعاً من الاستثمار المالي، الذي يمكن استغلاله في فترة التأزم". عبارة وردت في كتاب، صدر العام الماضي، بعنوان "تاريخ العبيد في الخليج العربي"، للباحث وأستاذ التاريخ في الجامعة الأميركية في الكويت، هشام العوضي. لكن، على الرغم من اختلاف التاريخ، واتّخاذ دول الخليج منحى مواكبة الحداثة والتطوّر، فإن الجنوح نحو إرساء العبودية لا يزال قائماً، وإن عبر طرائق مقنّعة. ولعلّ ما تشهده الإمارات اليوم خير دليل على ذلك، مع تفشّي ممارسات "العبودية الحديثة" تجاه العمّال المهاجرين، الباحثين عن لقمة العيش خارج حدود أوطانهم.
إتجار بالبشر وممارسات غير قانونية
خلف البنيان الشاهق، الذي يلامس السحاب في الإمارات، وخلف الأضواء المذهلة التي تخطف الأنظار، عالم من نوع آخر؛ عالم فيه كثير مما يمكن عَدُّه "عبوديةً حديثة" تطال العمّال المهاجرين، ولاسيّما الأفارقة، الذين يتعرّضون لأنواع متعدّدة من الاستغلال والتمييز العنصريَّين، بدءاً بإجبارهم على دفع رسوم توظيف غير قانونية، إلى جانب حجب رواتبهم، وصولاً إلى مصادرة جوازات سفرهم. ولعلّ ما خفي أعظم، في ظل توثيق منظمات متعدّدة حالات استغلال جنسي تجاري، وإتجار بالبشر.
السِّجِلّ الإماراتي الأسود بشأن الإتجار بالبشر وثّقه الإعلام الغربي أيضاً في أعقاب العملية العسكرية الروسية في أوكرانيا، مسلّطاً الضوء على عملية جلب فتيات من مناطق حروب ونزاعات من أجل العمل في الدعارة. وهذا ما كشفته صحيفة "دايلي ميل" البريطانية، في آب/أغسطس الماضي، بشأن عمليات تهريب للنساء والأطفال الأوكرانيين إلى الإمارات، بهدف "الإتجار بالبشر، واستغلالهم في العبودية الجنسية المنزلية في أبو ظبي"، وفق تعبير الصحيفة.
لكن، أمام هذا المشهد، يبقى صوت العمال الأفارقة هو الطاغي، باعتبارهم الفئة الأكثر استضعافاً وتعرّضاً للانتهاكات الحقوقية الممنهَجة، والضحايا الأبرز في القائمة الطويلة من ممارسات العبودية الحديثة في هذه الدولة.
العفو الدولية للميادين نت: ترحيل جماعي تمّ على أُسس عنصرية
فقط، لأن بشرتهم سوداء، تلاحق المعاناة العمال الأفارقة المهاجرين في الإمارات. فهؤلاء، الذين ينحدر معظمهم من نيجيريا والكاميرون وأوغندا، انقلبت رحلة بحثهم عن لقمة العيش إلى ذاكرة سيئة، قد لا تغادرهم ما داموا في قيد الحياة.
"قالوا لنا إننا قذرون. جرَّدونا من ملابسنا، وصادروا مقتنياتنا، وشتمونا، ووجَّهوا إلينا عبارات عنصرية ضد الأفارقة السود". معاناة كبيرة واجهت المدرّس الأوغندي، كينيث روبانجاكين، في الإمارات، حاول اختصارها، بكلمات محدودة، بعد أن اعتقل أكثر من شهر، ورحّل قسراً من هناك من دون أيّ أسباب موجبة. هو واحد بين نحو 800 شخص، تعرّضوا للإهانات نفسها في العام الماضي، ولا تزال تطال المئات منهم ومن غيرهم حتى اليوم، وفق ما توثّقه المنظمات الحقوقية، على الرغم من النفي الحكومي الإماراتي المتكرر.
هذه المعاناة سبق أن سلّطت عليها الضوءَ منظمةُ العفو الدولية في تقرير لها، أكدت فيه أن "السلطات الإماراتية عاملت مئات الأشخاص بوحشية، على أساس لون بشرتهم، وأساءت معاملتهم في أماكن الاحتجاز، وجرَّدتهم من ممتلكاتهم الشخصية، ومن كرامتهم، قبل ترحيلهم بصورة جماعية". ونقلت المنظمة حينذاك عن إحدى الضحايا، التي تدعى كبيرات أولوكاند، وهي من نيجيريا، وتعمل مساعدةً في مدرسة دولية قبل أن يشملها الترحيل، أنها سألت عناصر الشرطة: "لماذا أنا هنا؟ أنا لست مجرمة، ولديّ وثائق الإقامة"، فقالوا لها إن "الإمارات تعطي، والإمارات تأخذ"، ونقلت تعرّضها للتحرّش من جانب الضباط هناك.
وفي تصريح خاص بالميادين نت، أكد الباحث في منظمة العفو الدولية، دَڤِن كيني، أن المنظمة وثّقت قضية انتهاكات كبيرة تعرّض لها العمّال الأفارقة في الإمارات صيف عام 2021، عبر ترحيل جماعي جرى على أُسس عنصرية، في عملية منظَّمة استهدفت هذه الشريحة بسبب جنسيتهم الأفريقية ولون بشرتهم، ووصل عدد ضحاياها إلى المئات. ولفت كيني إلى "أن الأشخاص الثمانية عشر، الذين قابلتهم المنظمة، كانوا مقيمين بالإمارات بطريقة قانونية، وجرى تأكيد ذلك عن طريق مراجعة المستندات والبيانات الرسمية لـ 17 حالة من أصل 18"، مؤكداً أن "كل ما تعرّضوا له، من اعتقال وترحيل، كان من دون وجه حق قانوني"، في ظل "عدم تمكّن أي شخص منهم من الاتِّصال بمحامٍ، أو دخول قاعة المحكمة"، ونتيجةَ مقاساتهم ظروفَ اعتقال صعبة للغاية مدة أشهر قبل أن يتمّ ترحيلهم فيما بعدُ، قائلاً إن "الكاميرونيِّين" أبعدوا إلى بلد يمرّ في حرب أهلية.
من هنا، يطالب الباحث في المنظمة الدولية الحكومةَ الإماراتية بـ"التعويض على الضحايا نتيجة ما عانوه على أيدي السلطات، وخصوصاً في ظل ترحيلهم من دون تسليمهم ممتلكاتهم الشخصية، وفقدان كثيرين منهم كلَّ مدّخراتهم وأجهزتهم الإلكترونية، وملابسهم الشخصية،إضافة إلى التراخيص والشهادات والسجلات الطبية، وحتى الهويات الشخصية، فالحكومة سلبت منهم كل شيء، وعليها أن تُعيد إليهم كل ما سلبتهم إياه".
بيئة حاضنة للشركات المنتَهِكة لحقوق العمالة المهاجرة
على الرغم من أن العمّال الوافدين إلى الإمارات يشكّلون نحو 90% من القوى العاملة، فإن أغلبية هؤلاء يقاسون الأمرّين خلال رحلة انخراطهم في سوق العمل، نتيجة الظروف السيّئة التي يتعرضون لها، في وقت تُعَدّ هذه الدولة ملاذاً آمناً للشركات التي تنتهك حقوق العِمالة المهاجرة، وتُجبرها على الإقامة في ظلّ ظروف قاسية، وفق ما يوثّق الاتحاد الدولي للنقابات العمالية، "ITUC"، الذي سبق أن أطلق حملة دولية ضد "العبودية الحديثة" التي تتعرض لها هذه الشريحة العمالية الكبرى هناك.
في هذا السياق، يرى مدير مركز الخليج لحقوق الإنسان، خالد إبراهيم، في تصريح للميادين نت، أن السلطات الإماراتية هي المسؤولة في المقام الأول عن كل الانتهاكات التي يتعرّض لها العمال الأفارقة، وأنها المعنية بضمان تطبيق معايير حقوق الإنسان في ميادين العمل، في حين أن المسؤولية تقع أيضاً على أرباب العمل، الذين يجب أن تتم مساءلتهم عن تلك الانتهاكات التي تقع ضد العاملين لديهم، والذين يجب أن يتم تقديم الحماية لهم في كل الأوقات.
أمّا بشأن دور المنظمات الحقوقية الدولية، إزاء هذه الانتهاكات، فيقول إبراهيم إنه "ليس لدينا جيوش ولا أسلحة، ولا نملك أحزاباً سياسية، ولا نروّج أجندة خفية، بل نعمل بصورة مستقلة تماماً في الدفاع عن حقوق الإنسان"، مؤكداً أن هذه المنظمات "تملك الكلمة، وأن قوتها الخارقة تتمثّل في صدقها. ونتيجة ذلك، نحن نوثق هذه الانتهاكات، ونعمل مع المجتمع الدولي لوقفها".