عام على زلزال سوريا.. حلب أمام المرحلة الأخيرة من التعافي وتجاوز الكارثة
عام مضى وما زال الحلبيون الذين تضرّروا من الزلزال يعانون من آثاره التي اختلطت بآثار الحرب والحصار لتجعل حجم المعاناة مضاعفاً، وما زالت الحكومة تبذل جهدها لتقف المدينة على قدميها مرة أخرى متعافيةً من الكارثة.
يطلّ شهر شباط/فبراير على مدينة حلب السورية محمّلاً بمزيج من الذكريات المؤلمة والخوف من تكرار الفاجعة التي سبّبها الزلزال الذي ضرب سوريا وتركيا في السادس من شباط/فبراير من العام المنصرم.
فقد كان لمدينة حلب قسط قاسٍ من حجم الكارثة، وهي التي كانت لا تزال تنفض غبار 10 سنوات من الحرب فتكت بالبشر والحجر، وعطّلت مقوّمات الحياة من بنى تحتية ومرافق خدمية ومشافٍ ومدارس وغيرها.
ما يجعل كارثة الزلزال أشدّ ضراوة على مدينة حلب من دون سائر البلدان التي تعرّضت للكوارث في العام الماضي كتركيا وليبيا والمغرب واليابان، هو أنّ الحرب لم تنتهِ بعد في سوريا، والحصار يخنق سبل انفراج الوضع الاقتصادي الصعب الذي تحاول الحكومة باستمرار البحث عن حلول تقيه من الاستسلام والانهيار.
توالي الأزمات على حلب يزيد الظروف صعوبة
عام مضى وما زال الحلبيون الذين تضرّروا من الزلزال يعانون من آثاره التي اختلطت بآثار الحرب والحصار لتجعل حجم المعاناة مضاعفاً، وما زالت الحكومة تبذل جهدها لتقف المدينة على قدميها مرة أخرى متعافيةً من الكارثة.
يقول محمد، أحد الذين دمّر الزلزال منزله في حي العقبة من حلب القديمة: "لما صار الزلزال وقع حائطين من الغرفة، بالفترة الأولى نزحنا شهرين على الجامع القريب وساعدونا أهل الخير، بعدين رجعنا على البيت وحاولنا نرممه وضل غرفة وحدة غير قابلة للسكن".
بينما لا يزال بعض الذين تضرّرت مصالحهم، إضافة إلى منازلهم من جراء الزلزال، يعانون إلى اليوم من أعباء إعادة ترميم محلاتهم أو استعادة مصادر دخلهم أو البحث عن عمل آخر بصعوبة مضنية، بسبب ضعف فرص العمل المناسبة في ظلّ الحصار والحرب وتردّي الوضع المعيشي.
يروي بشير من حي الشعار في حلب قصة فقدانه أفراد عائلته ومقدّرات عمله من اللحظات الأولى لوقوع الزلزال، ومعاناته المستمرة إلى اليوم لإيجاد عمل بديل: "لحظة وقوع الزلزال وقع بيتي وكان فيه عدّة العمل، توفوا أولادي الأربعة وزوجتي وما زلت أبحث عن عمل جديد بسبب الوضع الصعب".
تسييس المساعدات زاد من حجم الكارثة
أوضح رئيس مجلس محافظة حلب محمد حجازي في تصريح للميادين نت أن "تسييس الاستجابة الإنسانية الدولية منذ اليوم الأول للزلزال وحتى هذه اللحظة أثّر بشكل سلبي على تجاوز مدينة حلب للكارثة، فسوريا كانت تعاني بالأصل من ويلات الحرب، والحكومة لم تكن تمتلك آليات كافية ولا تقنيات حديثة، وقطاع الصحة يعاني من بعض الثغرات نتيجة الحصار".
وأفاد حجازي أيضاً بأن "قرار رفع العقوبات الاقتصادية عن سوريا كان شكليّاً، فنحن لم نستطع أن نستورد اللوازم الضرورية للمساعدة في تقديم الخدمات للمتضرّرين، وما زالت العقوبات الأميركية إلى اليوم تبطّئ إلى حدّ كبير عملية التعافي والإعمار والترميم".
وأضاف: "حلب كانت بحاجة إلى إجماع إنساني دولي بعد الزلزال لأنها منهكة من آثار الحرب، ولكن للأسف كانت هناك ازدواجية في المعايير، فقد حصلت تركيا التي ضربها الزلزال على أضعاف حجم المساعدات الدولية التي قدّمت إلى سوريا"، مؤكداً أن "الحكومة وبالتعاون مع المجتمع المحلّي وبدعم من حلفاء سوريا، استطاعت أن تخطو خطوات مهمة وكبيرة باتجاه مساعدة المتضرّرين".
كيف تتعافى حلب اليوم من الزلزال؟
شهدت مدينة حلب منذ اليوم الأول لوقوع الزلزال تعاضداً ملفتاً شمل الإجراءات الحكومية وجهود المجتمع المحلي والمبادرات الأهلية التي انطلقت من سائر المحافظات السورية، إضافة إلى دعم الدول الشقيقة والصديقة، ووقوفهم جنباً إلى جنب مع أهالي حلب وأشهر تلك المساعدات ما عُرف بـ "المبادرة العراقية" لإغاثة مدينة حلب، والتي ما زالت إلى اليوم آثارها الطيبة تخفّف من أعباء الكارثة على المتضررين.
وجواباً على سؤال أين وصلت الجهود الحكومية لتجاوز آثار الزلزال بعد مرور عام على الكارثة؟ قال رئيس مجلس المحافظة محمد حجازي: "نحن اليوم في المرحلة الأخيرة لتجاوز الكارثة بعد عدة مراحل نفّذتها الحكومة، من خلال غرف العمليات التي تشكّلت منذ اللحظات الأولى للزلزال العام الماضي، وهذه الخطوات بدأت بإيواء الناس المتضررة والتي كانت بمئات الآلاف نزلت إلى الشارع بسبب الخوف".
أما الخطوة الثانية "فتمّت بمساعدة المجتمع المحلي، حيث كانت الجهود فيها منصبّة على استخراج الناس من تحت الأنقاض".
ووفق حجازي، فإنّ لجان السلامة العامة بدأت بالكشف عن الأبنية المتصدّعة وتهدئة الناس وإعادة أصحاب المنازل غير المتصدّعة إلى منازلهم بعد الكشف عنها.
كما أشار إلى أن الحكومة نفّذت خطة متسارعة للانتقال من الإيواء المؤقت إلى الإيواء متوسط المدى، إذ تمّ إفراغ مراكز الإيواء المؤقتة إلى مراكز إيواء متوسطة المدى من خلال إنشاء غرف مسبقة الصنع في منطقة جبرين، وتأمين باقي العائلات المتضررة من خلال استئجار منازل لها.
أما عن المرحلة الأخيرة في خطة الحكومة السورية لمساعدة المتضررين في مدينة حلب، والتي بدأت ملامحها تتضح بعد مرور عام على الكارثة، قال حجازي: "منحت الحكومة كل أسرة متضررة في المناطق المرخّصة قرضاً يصل إلى 200 مليون ليرة سورية لإعادة إعمار أبنيتهم تحت إشراف الحكومة ونقابة المهندسين ونقابة المقاولين والمحافظة"، مؤكداً أن أهالي مدينة حلب اليوم بدأوا بتشكيل مجموعات بإشراف الحكومة لإعادة بناء الأبنية التي سقطت لحظة الزلزال.
وفيما يخصّ مصير المتضررين القاطنين في الأبنية غير المرخّصة، أوضح حجازي أن الأهالي من المتضررين في المناطق العشوائية حصلوا على هبة بقيمة 40 مليون ليرة سورية، للحصول على سكن بديل عن طريق الإسكان العسكري في منطقة المعصرانية والحيدرية.
وأضاف: "هناك أربعة أبنية في منطقة المعصرانية متضمنة 120 منزلاً تتراوح نسبة التنفيذ فيه 75%، ليصبح جاهزاً كسكن بديل للمتضررين من أصحاب الأبنية غير المرخصة، أما في منطقة الحيدرية فهناك 350 شقّة قيد التجهيز"، مضيفاً: "هناك بحدود 440 شقةّ ستكون جاهزة في فترة قريبة، والأبنية التي سقطت والتي ستسقطها الحكومة لضرورة السلامة العامة سيمنح أصحابها منازل في المكان نفسه إذا كانت مرخّصة، ومنازل بديلة إذا لم تكن مرخّصة".
أيضاً لم تستبعد جهود الحكومة السورية في تخفيف الأعباء عن المتضررين خطة دعم الأهالي الذين تضرّرت مصالحهم ومساعدتهم لينهضوا من جديد في سوق العمل، وفي هذا السياق قال حجازي: "ما زالت هناك برامج دعم نقدي للمتضررين، إضافة إلى برامج لدعم المشاريع الصغيرة للمصالح المتضرّرة"، منوّهاً إلى أن: "مدينة حلب بحاجة إلى خطة إعادة إعمار تحت دراسة الحكومة بشكل عام سواء المتضررة من الزلزال أو المتضررة من الحرب".
ولأن معظم أهالي مدينة حلب الذين تضرّروا من الزلزال وخرجوا من بيوتهم كانوا قد تركوا بيوتهم من قبل ونزحوا إلى مناطق أخرى من سوريا بعد الحرب، وبالكاد عادوا إلى أحيائهم بعد تحريرها من الإرهاب قبل سنوات قليلة من وقوع الزلزال، فكان لا بدّ من انطلاق حملات لتقديم الدعم النفسي وتخفيف الضغط والتوتر الحاصل بعد تراكم الأزمات المتتالية، وحول هذا المشروع قال حجازي: "لقد كان للحكومة دور كبير وفاعل جداً في تخفيف الضغط النفسي عن المتضررين، وذلك من خلال تشكيل فريق دعم نفسي انطلق من مشفى ابن خلدون لمساعدة الحالات النفسية الصعبة من المتضررين بتقنية عالية وبتقديم أدوية ومهدّئات مجانية".
التجارب المجتمعية لتجاوز آثار الزلزال
انطلقت الكثير من المبادرات المجتمعية للمساهمة في مساعدة المحافظات السورية التي تضرّرت من الزلزال، وتشكّلت فرق تطوعية قدِمت من كل المحافظات لمساعدة أهالي حلب في إزالة الأنقاض وتأمين المساعدات الغذائية لمراكز الإيواء وفتح مطابخ لتقديم الوجبات للمتضررين القاطنين في الخيام.
وعلاوة على المبادرات التي تبنّاها المجتمع المحلي، كانت هناك مبادرات فردية لافتة ما زال إلى اليوم يتناقلها روّاد مواقع التواصل الاجتماعي في سوريا ويستذكرونها بعد عام من الكارثة.
فقد نشرت منصات سورية على مواقع التواصل الاجتماعي صورة لـ "أم محمد"، المواطنة الحلبية المقيمة في منطقة الدريكيش في ريف طرطوس، والتي نزحت خلال الحرب حيث كانت من الأهالي الذين فتحوا منازلهم لاستقبال العائلات المتضررة من الزلزال.
وتشاركت "أم محمد" مع قريباتها ومجموعة من السيدات الوافدات الطبخ للعائلات المنكوبة، بجهودهنّ الشخصية وبما توفّره لهنّ منارة "الدريكيش المجتمعية" من المواد الغذائية المطلوبة بمبادرات وتبرّعات أفراد المجتمع المحلي.
وأرفقت المنصات التي نشرت مبادرتها بعبارة: "بيت الضيق بيساع ألف.. ولأنو بعرف أش يعني تضطر تترك بيتك... فتحت بيتي لكل المحبين والعايزين"
إضافة إلى ذلك، شاركت منصات سورية أخرى مستذكرةً أحداث الزلزال، صورة لرجل إطفاء سوري يدعى وليد حوري، حيث اشتهر هذا الرجل بتسليمه مبلغاً كبيراً من المال مع مصاغ ذهبي لقسم الشعار في مدينة حلب، بعدما وجده بين الأنقاض أثناء مشاركته بإنقاذ الناس وانتشال العالقين تحت الأنقاض. وأرفقوا صورته بعبارة "تحدّثوا عن أمثال هذا السوري النبيل، ولا تكترثوا الآن باللصوص القدامى أو الجدد".
هكذا استحضر السوريون عموماً وأهالي حلب خصوصاً قبل عام تجربة على مرارتها وقساوتها لكنها علّمتهم الكثير من دروس التعاون والتضامن للخروج من أي محنة، وكذلك بثّت في دواخلهم الأمل نحو تجاوز كلّ الأزمات التي مرّت وما زالت تمرّ على بلدهم، سواء الحرب أو الحصار أو الوباء أو الزلزال.