طلاب الشهادة الرسمية جنوب لبنان قلقون من الامتحان الموحّد: لمراعاة ظروف النزوح
مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية في لبنان، يتزايد قلق طلاب الشهادات الثانوية في الجنوب، في ظل غموض يكتنف قرار وزارة التربية بشأن مراعاة ظروفهم الخاصة من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر.
يتزايد قلق طلاب الشهادات الثانوية جنوبي لبنان مع اقتراب موعد الامتحانات الرسمية المقرّرة في 29 حزيران/يونيو الجاري، في ظل غموض يكتنف قرار وزارة التربية بشأن مراعاة ظروفهم الخاصة من جراء العدوان الإسرائيلي المستمر. بينما تُصرّ الوزارة على إجراء امتحان مُوحّد على مستوى لبنان وعدم اعتماد المواد الاختيارية، مؤكدة أنها "تسمع صرخة الطلاب الجنوبيين"، الذين عانوا من ظروف تعليمية ونفسية غير مستقرة.
في المقابل، أثار قرار الوزارة انتقادات بعض الناشطين الذين اعتبروا أنه "انفصال عن الواقع الذي يعيشه الجنوب"، أما الطلاب الذين عايشوا النزوح والقصف وفقدان الأحبة وضعف الموارد التعليمية، عدّ عدد منهم في حديث للميادين نت أيّ إجراء لا يراعي نقص تحصيلهم الدراسي إجحافاً بحقهم.
وفي نهاية نيسان/أبريل الماضي، عقد وزير التربية والتعليم العالي عباس الحلبي مؤتمراً صحافياً رداً على الانتقادات الموجّهة للقرار، طالباً "عدم تسييس" موضوع الامتحانات. وأوضح أن الامتحانات الموحّدة تهدف إلى الحفاظ على وحدة الشهادة ومصداقيتها، مشيراً إلى أن الوزارة وفّرت بدائل تعليمية للطلاب النازحين، بما في ذلك مدارس بديلة وبرامج تعليم عن بعد، لضمان استمرارية تعليمهم. وأكد أن إجراء امتحانين مختلفين للشهادة نفسها سيضرّ بالتلامذة ويقلل من الثقة بها، موضحاً أن الوزارة اتخذت قراراتها بناءً على تقارير ودراسات تربوية شاملة تهدف إلى تحقيق العدالة بين جميع الطلاب في مختلف المناطق اللبنانية.
تأثير النزوح والحرب على التعليم
بحسب وزارة التربية، هناك أكثر من 11,000 طالب جنوبيّ لبنان اضطروا للنزوح القسري عن مدارسهم، وتم إغلاق 12 مدرسة ثانوية، بينما ترك 1,951 طالباً في المرحلة الثانوية المدرسة نهائياً. وعلى الرغم من المحاولات الحثيثة لتسهيل ظروف النازحين عبر دعم عملية التعليم عن بعد من خلال توزيع أجهزة "تابليت" مع بطاقات إنترنت شهرية، إلا أن التحصيل الدراسي لطلاب المرحلة الثانوية كان ضعيفاً جداً بسبب الانقطاع المستمر للإنترنت، وعدم الاستقرار المنزلي مع توسيع الاحتلال الإسرائيلي دائرة استهدافاته في الآونة الأخيرة.
وفي حديثه للميادين نت، أكد النائب في كتلة التنمية والتحرير أشرف بيضون أنه "مع عدم سلخ الجنوب تربوياً عن باقي المناطق، ولكنه مع إجراء امتحان مُوحّد يراعي الروزنامة التربوية التي تلقّاها الطالب الجنوبي، والتوازن بين نظام التعليم الحضوري والإلكتروني"، معرباً عن ثقته بأن الوزارة ستتخذ التدابير اللازمة بالآلية التي تراها مناسبة.
بدورها، تعبّر الطالبة مريم جمال من ثانوية بنت جبيل جنوبي لبنان، وهي بلدة حدودية مع فلسطين المحتلة، عن عدم جاهزيّتها هي وزملاؤها للخضوع للامتحانات الثانوية، مطالبة بإصدار إفادات نظراً لمعاناتهم من انقطاع التعليم منذ بداية العام الدراسي. وتقول مريم: "بعد العدوان الإسرائيلي على بنت جبيل التحقتُ بمدرسة قريبة، لكنني لم أستطع مواكبة زملائي الذين أنهوا الفصل الدراسي الأول. وبعد عطلة قصيرة عملت فيها لتقليل التفاوت التعليمي، اضطررنا للنزوح إلى منطقة أكثر أماناً، وبدأت تجربتي مع التعليم عن بعد، والذي كان أكثر صعوبة".
ويسعى بعض الطلاب الجنوبيين لإيصال مطالبهم إلى وزارة التربية، فأنشأ عدد من الطلاب مجموعة على تطبيق واتسآب أسموها "طلاب المناطق الحدودية"، من أجل تقديم الدعم لبعضهم البعض، وإيصال أي أخبار جديدة تتعلق بمعاناتهم، وفق الطالب حسين هزيمة. ويضيف للميادين نت أن تجربة التعليم عن بُعد لم تكن مجدية نظراً للظروف الصعبة التي كان يمرّ بها الطلاب وأساتذتهم على حد سواء.
95% من الطلاب ليسوا جاهزين للامتحانات
لم تعد المشكلة التي يواجهها الطلاب ذات مسار واحد، إنما تشعّبت إلى الحدّ الذي بات يستوجب حلاً سريعاً، يقول الباحث التربوي ماجد جابر للميادين نت. ويوضح أن أبرز المتضررين هم طلاب الشريط الحدودي الذين يعانون من عدم الاستقرار. وأشار إلى أن هناك مشاكل متعددة تعيق تحصيل الطلاب الجنوبيين للتعليم، منها غياب الكتب ووسائط التعليم الإلكتروني. كما أن العديد من الطلاب الثانويين اضطروا لترك الدراسة والنزوح أو العمل لإعالة عائلاتهم. "فالمشكلة لا تحتاج حلاً تسهيلياً في الامتحانات، ولكن على المعنيين النظر في صلب المشكلة وهو عدم الجاهزية"، يقول جابر.
واستند جابر إلى استطلاع نشره عبر منصة سما، شمل عيّنة من 415 طالباً ثانوياً، وأظهرت نتائجه أن 33.7% من الطلاب لديهم استعداد "ضعيف جداً"، في حين أن 38.3% لديهم استعداد "ضعيف". ويفضّل 46% من الطلاب تأخير الامتحان لشهر واحد، بينما وصف 44.3% منهم تجربة التعلّم عن بعد بأنها متقطّعة. وأشار 4.6% من الطلاب إلى أنهم لم يتمكّنوا من متابعة التعلّم سواء حضورياً أو عن بعد، فيما صرّح 95.7% منهم بوجود تأخّر في إنهاء كل أو بعض المواد التعليمية. كما أفاد 57.8% من الطلاب بأن الإنترنت غير متوافر لهم من حين إلى آخر، ولا يمتلك 21.9% منهم أجهزة إلكترونية شخصية لمتابعة دروسهم عن بعد، بل يقومون باستعارتها.
ورأى أن الحلّ الأمثل هو "بفرض أسئلة اختيارية في الامتحان الموحّد، تراعي الروزنامة التربوية التي تلقّاها الطالب الجنوبي".
ربما يكون ملف الامتحانات الثانوية، على أهميته، مؤشّراً واضحاً على هشاشة العام الدراسي في الجنوب، والذي ستتفاقم تبعاته مع استمرار الحرب على الطلاب الثانويين وغيرهم. ولا شكّ أن الحلّ الذي ستتخذه الوزارة سيكون ضرورياً، لكنه لن يكون أكثر ضرورة من اتخاذ إجراءات عاجلة للنظر في الوضع التربوي الحالي والأوقات الاستثنائية التي تمرّ بها البلاد، لتخفيف العبء عن الجيل الذي عانى من أوضاع دراسية أثقلتها كورونا والأزمة الاقتصادية والحرب على حد سواء.