سكّان شمالي غزة يواجهون موتاً لا يستريح: صمودنا مقاومة
لا يزال بضعة آلاف من الغزّيين صامدين ويرفضون النزوح عن شمالي قطاع غزة، هم الثلة الصابرة، التي لا تزال تعاند الاحتلال، علاوة على الضربات الموجعة التي يتلقاها جنود الاحتلال في مختلف المناطق.
لا ملامح للحياة في شمالي قطاع غزة بعد أكثر من عام على الحرب الوحشية التي يشنّها جيش الاحتلال ضد القطاع، وخصوصاً بعد رفع وتيرة عدوانه وتنفيذ عملية عسكرية هي الأخطر ضد الشمال، بدأت قبل نحو شهرين.
شهادات مؤلمة ومفزعة يرويها ناجون من مجازر الاحتلال في بلدات بيت لاهيا وبيت حانون ومخيم جباليا، تكشف الأهداف الخفية للحكومة المتطرفة التي يقودها بنيامين نتنياهو، والتي تهدف إلى تهجير سكان الشمال، وارتكاب جرائم التطهير العرقي.
وينفذ جيش الاحتلال اليوم، بصورة غير معلنة، ما يُطلق عليه اسم "مخطط الجنرالات"، وهو المخطط الذي يرغب من خلاله في فرض سيطرته، أمنياً وعسكرياًـ، على شمالي القطاع، والتمهيد لعودة المستوطنات، على نحو يضمن تنفيذ مخططات الأحزاب اليمينية المتطرفة.
أشلاء متناثرة
أسامة الدبس، خمسيني من سكان شمال القطاع، يواصل صموده في بلدة بيت لاهيا على الرغم من القصف المكثف والعنيف الذي تتعرض له البلدة، ويستخدم فيه جيش الاحتلال الطائرات المسيرة والروبوتات المفخخة لقتل كل إنسان صامد في بيته.
ويفيد الدبس الميادين نت بأنه "والآلاف من سكان الشمال يعانون الأمرّين لإجبارهم على النزوح إلى وسط القطاع وجنوبيه، وهو الأمر الذي يرفضه من تبقى من السكان، على الرغم من القتل المتواصل والجثث المتناثرة في مختلف الأماكن"، لافتاً إلى أن "كثيرين من الشهداء عادوا إلى عائلاتهم أشلاء في أكياس، وجثامين المئات منهم متناثرة في جميع مناطق الشمال. وعلى الرغم من صمودنا فإننا ندرك أن من بقي في الشمال صدر عليه حكم بالموت".
ويقول إن المئات من الجرحى يفقدون أرواحهم بسبب عدم توافر الخدمات الطبية والعلاجية، وأنه بمجرد إصابة الشخص، سواء كانت طفيفة أو حرجة، فإن ذلك بمنزلة حكم بالإعدام والموت البطيء، مشيراً إلى أن الاحتلال استخدم ضد سكان الشمال مختلف أشكال الترهيب، لإجبارهم على النزوح.
صمود برغم الألم
لا يزال بضعة آلاف من الغزّيين صامدين، ويرفضون النزوح عن شمالي القطاع، هم الثلة الصابرة التي أعجزت جيش الاحتلال وحكومته عن تنفيذ مخططاتهما، وهة الأمر الذي قد يشكل ضغطاً على قيادة الاحتلال لتغيير ما في "عملية الشمال"، علاوة على الضربات الموجعة، التي يتلقاها جنود الاحتلال في مختلف المناطق.
ويفيد خالد المصري، أحد الصامدين في شمالي القطاع، بأن "الاحتلال دمر كلياً بلدات الشمال ومخيماته، وجعله منطقة غير صالحة للحياة. ويستخدم في ذلك الوسائل والمعدات غير المشروعة والمحرمة دولياً، وخصوصاً الطائرات المسيرة والروبوتات المفخخة".
ويوضح المصري، لـلميادين نت، أن "القذائف والرصاص تسقط على رؤوس السكان، مثل الحمم البركانية، وأن الموت لا يتوقف ولو دقيقة واحدة، وذلك من أجل دفع السكان للنزوح وإخلاء الشمال بالكامل"، متابعاُ "أننا تعرضنا للاستهداف في كل مكان انتقلنا إليه".
وفي حال خروج أي من الموجودين تحت قذائف الدبابات والنيران الإسرائيلية للبحث عن طعام أو ماء، فإن عودته إلى ذويه غير مضمونة، وفق المصري.
وتابع: "رأيت أجساداً وأشلاءً تتطاير في الهواء، وبالكاد نحصل على رغيف الخبز أو شربة الماء، لكننا صامدون على الرغم من الممارسات الإسرائيلية والجرائم التي تُرتكب بحقنا في كل دقيقة، ولن نسمح بتمرير مخططات الاحتلال".
استهداف الطواقم الطبية
لم يستثنِ الاحتلال المرافق والطواقم الطبية من استهدافاته، إذ تواصل قوات الاحتلال تدمير كل ما هو حيوي في الشمال، وتتعمد إخراج مستشفى كمال العدوان عن الخدمة من أجل دفع جميع السكان إلى النزوح، وفق حسام أبو صفية، مدير المستشفى، والأخير هو الوحيد الذي لا يزال قيد العمل في شمالي القطاع.
ويفيد أبو صفية الميادين نت بأن "الاحتلال، على مدار الأيام الماضية، كثف استهداف المستشفى والطواقم الطبية العاملة فيها"، مبيّناً أن توقّف المستشفى سيدفع نحو هجرة الآلاف من السكان قسرياً للبحث عن الطعام والماء والعلاج الطبي.
ولفت إلى أن الإصابات تصل بأعداد قليلة جداً إلى المستشفى، وعبر وسائل بدائية في ظل توقف خدمات الدفاع المدني والإسعاف، اللذين جرى استهدافهما. ويضيف أن الاحتلال يلقي عبر مسيراته قنابل متفجرة مليئة بالشظايا والمواد المحرمة دولياً، وهو ما يزيد في أعداد الضحايا، كما يمنع إدخال المعدات الطبية، وتسبب بتوقف خدمات رئيسة في المستشفى، مثل وحدة الأوكسجين.
وأكد أبو صفية أن "استهداف المستشفى، تحت ذرائع وحجج واهية، هدفه تدمير الشمال بالكامل، وخصوصاً أنه الوحيد من المؤسسات الفلسطينية الطبية، لا يزال قيد العمل"، مشدداً على ضرورة العمل من أجل إنقاذ شمالي القطاع، ووقف مخططات الاحتلال.
الآلاف صامدون في الشمال
تبلغ مساحة شمالي القطاع، الذي يُعَدّ أكبر المحافظات في غزة، نحو 62 كيلومتراً مربعاً، أي ما يشكل 17% من إجمالي مساحة القطاع، ويشمل أربع مناطق رئيسة هي: مخيم جباليا، بيت لاهيا، بيت حانون، الشيخ زايد، إلى جانب عدد من التجمعات الريفية.
وتشير التقديرات إلى بقاء الآلاف من العائلات الفلسطينية في مختلف المناطق، على الرغم من استشهاد 3700 فلسطيني من جراء العملية العسكرية المتواصلة، في حين يعدّها الاحتلال من أهم النقاط الاستراتيجية والحساسة بشأن مخططاته في غزة.
وتؤكد وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين، (أونروا)، أن نحو 60 ألف فلسطيني لا يزالون موجودين في شمالي القطاع، وهم معزولون تماماً عن العالم، مشدّدة على أن الموت يحيط بهم من كل جانب، وخصوصاً أنهم تحت حصار إسرائيلي مطبق.
ووفق المنظمة الدولية، فإن "الاحتلال الإسرائيلي يرفض إدخال المساعدات الإنسانية لشمالي القطاع، وهو ما يُعرّض حياة الآلاف من السكان للخطر الشديد والموت، إما عبر الاستهدافات الإسرائيلية، وإما بسبب الجوع ونقص مياه الشرب".