رحلة واحدة خلال 5 أيام.. مرضى يمنيون يموتون بانتظار موعد السفر
إقبال المتقدمين للحصول عى حجوزات عبر الخط الوحيد "صنعاء – عمان" المسموح به كبير جداً، بمن فيهم المرضى المسافرون للعلاج، سواء في الأردن أو الهند أو مصر، ما يقلص أمام المرضى فرص السفر للعلاج.
كلما تذكر محمود الأبارة لحظة وفاة طفله شوقي (15 عاماً) على سفح نقيل سمارة في محافظة إب وسط اليمن وهو في طريقة إلى مدينة عدن، تضاعف قلقه على وضع طفله الثاني ماهر الذي يعاني من ورم خلف العين.
لقد توفي طفله الأول قبل أن يصل إلى مطار عدن أواخر عام 2018، عندما كانت دول التحالف السعودي تفرض حصاراً كاملاً على مطار صنعاء، لكن الأب لا يزال مسكوناً بالخوف من تكرار التجربة مع ابنه الثاني.
يقول الأبارة لـلميادين نت: "ما زلت أجمع تكاليف علاج ابني، وسأنتظر حتى أحصل على مقعد في الخط الوحيد المفتوح عبر مطار صنعاء"، بالرغم من أن التقارير الطبية توصي بخضوع الطفل ماهر للتدخل الجراحي بسرعة، إنقاذاً لعينه بعدما فقد عينه الأولى نتيجة المرض نفسه.
ولا تزال دول التحالف السعودي تفرض حصاراً جائراً على مطار صنعاء الدولي، باستثناء رحلة يتيمة من صنعاء إلى عمّان (خمسة أيام في الأسبوع)، ما يجعل فرصة المرضى في السفر إلى الخارج بغرض العلاج ضئيلة جداً، ما يعرّض حياتهم للخطر.
تأجيل إلى حين
يعاني ماجد برقوق (30 عاماً) من فشل كلوي كامل. وقد نصحه الأطباء في مستشفى الثورة في صنعاء بإجراء عملية زرع كلى بأسرع وقت ممكن. وبحسب تقرير المستشفى، فإن جلسات الغسيل لم تعد مجدية ويجب إجراء عملية زراعة.
حصل برقوق على متبرع (أحد أقاربه)، وأثبتت الفحوصات توافق الأنسجة مع المريض. وبمساعدة صديقه، تم التنسيق مع مستشفى في الهند لإجراء العملية. يقول لـلميادين نت: "كان يفترض أن أكون في الهند منذ أسبوع، لكني لم أجد مقعداً في موعد رحلة مناسبة".
لقد اضطر إلى تأجيل العملية برغم المخاطر المترتّبة على تأخير الموعد، لكن الأمر ليس في متناوله، ويقول إن أحد المديرين في طيران اليمنية أخبره بأن يظل مستعداً للسفر في أي لحظة، فعند اعتذار أي مسافر أو توفر مقعد شاغر سيتم الاتصال به.
ووفقاً للبيانات التي حصل عليها الميادين نت من مكتب الخطوط الجوية اليمنية في صنعاء، فإن إقبال المتقدمين للحصول على حجوزات عبر الخط الوحيد "صنعاء – عمان" المسموح به كبير جداً، بمن فيهم المرضى المسافرون للعلاج، سواء في الأردن أو الهند أو مصر.
وقال مصدر في طيران اليمنية إنهم يواجهون إقبالاً كبيراً على الحجز، موضحاً أن المقاعد المحدودة (5 رحلات في الأسبوع) يتسابق عليها جميع المسافرين، وهذا يقلل فرصة حصول المرضى على مقعد.
وأضاف المصدر لـلميادين نت: "نحن نراعي قدر الإمكان أوضاع المرضى ممن يحتاجون للسفر إلى الخارج للعلاج بصورة مستعجلة".
من سيئ إلى أسوأ
يتابع عبد القوي الوصابي أخبار فتح الطريق بين صنعاء وعدن باهتمام. الأمر لا يتعلق بطبيعة عمله أو حاجته إلى السفر؛ إنه متعلق بوالدته التي تعاني من انزلاق في العمود الفقري تسبب بإعاقتها عن المشي بشكل طبيعي.
لقد عرض الوصابي حالة والدته فوزية الرداعي على 3 استشاريين في المخ والأعصاب والعمود الفقري في صنعاء، والجميع أكدوا ضرورة أن تخضع لعملية دقيقة، ونصحوه بإجراء العملية في مصر أو الهند.
يقول الوصابي لـلميادين نت: "لقد جمعت مبلغاً يساعدنا على نقل والدتي إلى مصر وإجراء العملية، لأن تكلفة السفر والعلاج أرخص من الهند"، لكن السفر إلى القاهرة يقتضي الانتقال براً من العاصمة صنعاء إلى مدينة عدن جنوبي اليمن، حيث يمكن أن يجد رحلة مباشرة إلى القاهرة.
سيحتاج الوصابي إلى 12 ساعة سفر عبر طرق ملتوية ونقاط أمنية، غير أن المشكلة تكمن في المسافة غير المعبدة (طريق ترابي حجري)، الفاصلة بين محافظتي تعز ولحج. وقد أخبره الأطباء أن حالة والدته لا يمكن أن تتحمل السفر لمدة 12 ساعة والمرور من الطريق غير المعبد، ليضطر إلى إلغاء فكرة السفر عبر مطار عدن، والاستقرار على خيار السفر من مطار صنعاء، والبحث عن المزيد من المال لدفع تكاليف تذاكر السفر بين مطار عمان والقاهرة.
الرداعي وبرقوق والأبارة مجرد حالات ضمن ما يقارب 100 ألف مريض مسجلين في اللجنة الطبية العليا التابعة لوزارة الصحة اليمنية، بانتظار فرصة السفر للخارج بغرض العلاج.
ويصف رئيس اللجنة الطبية العليا الطبيب مطهر الدرويش أن وضع هؤلاء المرضى "من سيئ إلى أسوأ"، مؤكداً أن إغلاق مطار صنعاء من قبل التحالف السعودي باستثناء الخط الوحيد إلى الأردن قلّص فرصة العلاج أمام المرضى.
وقال الدرويش في حديثه إلى اـلميادين نت: "يتزايد عدد المرضى المحتاجين للعلاج في الخارج يومياً، فيما لا يسافر حالياً سوى 500 مريض شهرياً في الرحلات المتاحة"، مشيراً إلى أنه لم يتم تخصيص مقاعد للمرضى، فليس جميع المسافرين مرضى.
ما يعيشه المرضى اليمنيون يثبت أن الحصار الغاشم على اليمن مستمر بمستوى عالٍ، برغم ادعاء التحالف السعودي أنه وسع مجال الرحلات في السنة الأخيرة، وفقاً للدرويش، موضحاً أن توسيع مجال الرحلات تمثل فقط في رحلة يتيمة يومياً لخمسة أيام في الأسبوع.
انتظار حتى الوفاة
في ظل السماح برحلة وحيدة من وإلى مطار صنعاء الدولي، تتلقى اللجنة الطبية العليا بشكل يومي مئات الطلبات للتسجيل في كشوفات اللجنة كمحتاجين للسفر إلى أي وجهة علاجية خارج الوطن بشكل إسعافي نظراً إلى وضعهم الصحي الحرج.
وكشف الدرويش أن توفير 5 رحلات أسبوعياً إلى الأردن لا يغطي 10% من الاحتياج الحقيقي لسفر المرضى إلى الأردن فقط، ناهيك بعدد المرضى المحتاجين للعلاج في دول أخرى، مثل مصر والهند، وهو العدد الأكبر.
وفي سياق متصل، دفع تزايد إحصائيات حالات وفيات للمرضى بشكل يومي نتيجة حرمانهم من السفر لتلقي العلاج الدكتور الدرويش إلى مطالبة المنظمات الحقوقية والإنسانية بالاهتمام بهذا الملف الإنساني والعمل من أجل تخفيف معاناة المرضى والضغط باتجاه فتح مطار صنعاء الدولي بصورة كاملة.
وكان وزير النقل اليمني عبد الوهاب الدرة قد نبه لتفاقم الوضع الإنساني، وخصوصاً المرضى، نتيجة ما وصفه بالحصار الجائر وغير القانوني الذي تفرضه دول التحالف السعودي على مطار صنعاء الدولي.
وطالب بضرورة فتح وجهات جديدة ذات أهمية للمواطن، مثل الهند والقاهرة، التي غالباً ما يقصدها اليمنيون للعلاج، مشدداً على أن فتح المجال أمام شركات الطيران الدولية لتشغيل رحلات عبر مطار صنعاء هو حق تكفله القوانين والمواثيق الدولية.