دراسة جديدة: الصداقات بين الأغنياء والفقراء تحد من الفقر
دراسة موسعة تكشف أن الصداقات بين الأغنياء والفقراء ودرجة الارتباط بينهم، تساعد أكثر من أي عامل آخر، بتحسين حياة الأطفال ذوي الدخل المحدود، في وقت لاحق من الحياة.
-
الصداقات بين الأغنياء والفقراء، تساعد ذوي الدخل المحدود مستقبلاً (أرشيف)
على مدى العقود الأربعة الماضية، حددت الظروف المالية التي ولد فيها الأطفال، أين ينتهي بهم المطاف كبالغين. أما اليوم، كشفت دراسة موسعة، تستند إلى مليارات الاتصالات بوسائل التواصل الاجتماعي، عن استثناء لهذا النمط، يساعد في تفسير سبب توفير أماكن معينة للخروج من الفقر.
وبالنسبة للأطفال الفقراء، فإن العيش في منطقة يتمتع فيها الناس بصداقات أكثر، يزيد بشكل كبير من مقدار ما يكسبونه في مرحلة البلوغ، كما بيَّن البحث. وبحثت الدراسة التي نشرت أمس في مجلة "Nature"، صداقات فيسبوك لـ 72 مليون شخص، أي ما يعادل 84% من البالغين الأميركيين الذين تتراوح أعمارهم بين 25 و 44 عاماً.
ووجد التحليل، وهو الأكبر من نوعه، أن درجة ارتباط الأغنياء والفقراء، تفسر، أكثر من أي عامل آخر، سبب تحسن أداء أطفال الحي في وقت لاحق من الحياة.
ووجدت الدراسة أنه إذا نشأ الأطفال الفقراء في أحياء كان فيها 70% من أصدقائهم أثرياء - وهو المعدل النموذجي للصداقة للأطفال ذوي الدخل المرتفع - فإن ذلك سيزيد من دخولهم المستقبلية بنسبة 20%.
كما أن لهذه الصداقات بين الطبقات، و هو ما أسماه الباحثون الترابط الاقتصادي، تأثير أقوى من جودة المدرسة أو هيكل الأسرة أو توافر الوظائف أو التكوين العرقي للمجتمع. وتظهر الدراسة أن الأشخاص الذين يعدون من معارفك يفتحون الفرص أمامك، لكن الانقسام الطبقي المتزايد في الولايات المتحدة يغلقهم.
سابقاً، كان الباحثون يعرفون أن الأطفال الفقراء الذين يكبرون في أماكن أكثر ثراءً يكسبون عموماً أكثر كبالغين، ولكن حتى في الأحياء ذات الدخل المماثل، فإن بعض الأماكن تتيح حركة دخل أكثر بكثير من غيرها. لماذا؟
يقول الباحثون إن الترابط الاقتصادي هو مؤشر أفضل، من أي سمة أخرى تمت دراستها حتى الآن، على الحراك التصاعدي للمجتمع. "إن النشأة في مجتمع متصل عبر خطوط الطبقة يحسن نتائج الأطفال ويمنحهم فرصة أفضل للخروج من الفقر"، قال راج شيتي، وهو خبير اقتصادي في جامعة "هارفارد". بالتوازي،تشير الدراسة إلى أن جمع الناس معاً لا يكفي وحده لزيادة الفرص، بل الأهم هو تشكيل علاقات مهمة بنفس القدر.
لطالما أثار رأس المال الاجتماعي، وشبكة علاقات الناس وكيف يتأثرون بها، اهتمام علماء الاجتماع. كان أول استخدام للعبارة في عام 1916، من قبل "L.J. Hanifan"، وهو مدير مدرسة في ولاية فرجينيا الغربية. ومنذ ذلك الحين، وجد الباحثون أن العلاقات مع الأشخاص الأكثر تعليماً أو ثراءً، بدءاً من مرحلة الطفولة، يمكن أن تشكل تطلعات الذهاب إلى الكلية والمسارات المهنية.
لكن الدراسة الجديدة، وباستخدام مجموعة بيانات أكبر بكثير من الدراسات الأخرى، تظهر أن العيش في مكان يعزز هذه الروابط يؤدي إلى نتائج اقتصادية أفضل. وتبيَّن الحصول على نفس النتيجة لكل تحليل فردي: كلما زادت الروابط بين الأغنياء والفقراء، كان هذا التفصيل أفضل في انتشال الأطفال من الفقر.
من جهته، رأى روبرت بوتنام، عالم السياسة في جامعة "هارفرد": "إنها صفقة كبيرة لأنني أعتقد أن ما نفتقده في ألولايات المتحدة اليوم، وما كان ينخفض بشكل كارثي على مدى السنوات الـ 50 الماضية، هو ما أسميه (جسر رأس المال الاجتماعي)، وهي الروابط غير الرسمية التي تقودنا إلى أشخاص لا يشبهوننا"، مضيفاً: "صفقة كبيرة حقاً لأنها توفر عدداً من السبل أو القرائن التي قد نبدأ من خلالها في تحريك هذا البلد في اتجاه أفضل".
كذلك، هناك أنواع مهمة أيضاً من رأس المال الاجتماعي، مثل معدلات التطوع في المجتمع والصداقات مع أشخاص من خلفيات مماثلة. ومع ذلك، تظهر الدراسة الجديدة أنه حتى في الأماكن التي تفتقر إلى أنواع أخرى من رأس المال الاجتماعي، فإن زيادة العلاقات بين الطبقات كافية لإفادة الآفاق الاقتصادية للأطفال. وهذا النوع من رأس المال الاجتماعي هو الذي انخفض مع تحول البلاد إلى الفصل، حسب الطبقة، بين المجتمعات والعائلات.
ففي العقود الأخيرة، أصبح الناس أكثر عرضة للعيش في الأحياء والالتحاق بالمدارس التي تضم أشخاصاً من نفس الوضع الاقتصادي، وهو سلوك، يقول علماء الاجتماع إنه مدفوع بالقلق من الهبوط في سلم الدخل في عصر يتزايد فيه عدم المساواة.
ثقافة النجاح
ركز الباحثون على المدارس الثانوية، وهي واحدة من الأماكن القليلة التي يقيم فيها الناس من جميع الطبقات، صداقات بمعدلات مماثلة، ومكان يشكل فيه الناس صداقات مدى الحياة قبل أن يبدأوا في اتخاذ القرارات التي قد تحدد مساراتهم الاقتصادية.
وقال الباحثون إنه يمكن للكليات أيضاً، لعب دور مهم من خلال وضع زملاء الغرفة من مجموعة متنوعة من الخلفيات، بدلاً من تعيينهم بشكل عشوائي، أو السماح لهم باختيار زملائهم الخاصين. جامعة "ييل" تقوم بذلك، وتعيش مجموعات الطلاب الصغيرة عموماً في نفس المهاجع طوال السنوات الأربع. وبينت الدراسة أن طلاب هذه الجامعة ذوي الدخل المنخفض، يتمتعون بمستويات عالية من الصداقات عبر الطبقات.
أما الكليات الأخرى، حيث يمكن للطلاب اختيار زملائهم في الغرفة، يميلون إلى الحصول على صداقات أقل عبر خطوط الفصل. جامعة ميسيسيبي مثلاً، التي تعتمد هذا الخيار، لديها واحدة من أدنى معدلات الصداقات عبر الطبقات مقارنةً مع أي جامعة عامة كبيرة.