حركة المقاطعة في الأردن.. جدار شعبي أمام احتلال "لن يعبر"
يبذل الحراك المقاطع للاحتلال الإسرائيلي في الأردن جهداً كبيراً منذ سنوات في المؤسسات السياسية والتجارية والعلمية وغيرها، فلا تقام أي فعالية في الأردن يتخلّلها أي شكل من أشكال التطبيع إلا ويكون لحركة المقاطعة موقف منها.
تُعدّ مقاطعة "إسرائيل" واجباً وطنياً عربياً وإنسانياً لما يسببه نظامها الاستبدادي والعنصري من مجازر وانتهاكات بحق الفلسطينيين. من هنا، نشأت حركة المقاطعة (بي دي أس)، وهي حركة تهدف إلى خلق حالة مقاطعة لــ"إسرائيل" على مستوى العالم وسحب الاستثمارات منها وفرض عقوبات عليها، وهي حركة فلسطينية ذات انتشار عالمي، تسعى بهذا الوصف لمقاومة الاحتلال الإسرائيلي، وتحقيق الحرية والعدالة والمساواة في فلسطين، وصولاً إلى حق جميع أبناء الشعب الفلسطيني في تقرير مصيرهم، مؤكدة أن الاحتلال الإسرائيلي "لن يعبر".
يرى ناشطو "بي دي أس" أنفسهم حركة مقاومة سلمية، تعمل على مستوى عالمي "من خلال إعلام المؤسسات والمتعاملين مع إسرائيل بحقيقة هذا الكيان وجرائمه اليومية ضد حقوق الإنسان في كل المجالات، وعلى نحو مستمرّ، ومن دون اكتراث للعواقب معتمداً على حلفائه لتوفير الحماية الأخلاقية والقانونية"، كما يرد على الموقع الإلكتروني الخاص بالحركة.
حقّقت الحركة نجاحاً كبيراً على مستوى العمل الدولي، إذ أمكنها إقناع عدد كبير من الشركات بسحب استثماراتها، وخسرت شركات أخرى مشروعات كانت في طور الدراسة، ومن ضمنها خسارة شركة المياه الإسرائيلية العامة "ميكوروت" عقوداً في البرازيل والأرجنتين والبرتغال وهولندا نتيجة حملات المقاطعة عليها رداً على دورها في سرقة المياه الفلسطينية. كذلك أقنعت الحركة كثيراً من الفنانين والمثقفين والرياضيين في العالم بإلغاء نشاطاتهم، التي يشارك فيها الاحتلال أو التي تقام على الأراضي المحتلة.
سعى المسؤولون الإسرائيليون وحلفاؤهم من دول أخرى إلى حضّ الدول والمنضمات الدولية على اعتبار (بي دي أس) حركة معادية للسامية لفرض العقوبات عليها وحضر نشاطاتها مع أنها حركة حقوقية يقودها تحالف فلسطيني مدني، كما حاولوا تشويه صورة ملايين من أنصارها في العالم باعتبارهم "معادين للسامية". وكانت حركة المقاطعة قد أكدت مراراً أنها ترفض مبدئياً جميع أشكال العنصرية، بما في ذلك العنصرية ضد اليهود.
نشاط الحركة في الأردن وتبنّي المجتمع الأردني لها
يبذل الحراك المقاطع للاحتلال الإسرائيلي في الأردن جهداً كبيراً منذ سنوات في المؤسسات السياسية والتجارية والعلمية وغيرها، فلا تقام أي فعالية في الأردن يتخلّلها أي شكل من أشكال التطبيع إلا ويكون للحركة موقف منها، ودعوة إلى مقاطعتها، سواء أكانت تجارية أم ترفيهية مثل الفعاليات الفنية والرياضية، وفي كثير من الأحيان يكون لهذه نتائج إيجابية، إذ تحظى الحركة بدعم جماهيري من المثقفين والفنانين والأحزاب والناشطين السياسيين.
في هذا السياق، يقول للميادين نت حمزة خضر العضو في حركة "الأردن تقاطع - بي دي أس": "في حال مشاركة فنان أو رياضي في حدث تطبيعي، يكون هناك تسلسل في الإجراءات ولدى الحركة كذلك أدبيات خاصة، في البدء نحن لا نصف الشخص بأنه مطبّع بل نصف الفعل بأنه تطبيعي، فنحن لسنا معنيين بمعاقبة الأشخاص وما شابه، بل نهدف إلى المواجهة والمساءلة وتوضيح خطر العمل التطبيعي، وأنه خروج عن إرادة الشعب الأردني والفلسطيني والعربي، ودعوتهم للعودة إلى القاعدة الجماهيرية. أما في حال عدم الاستجابة، فيُخاطب الجمهور حتى يتحوّل الضغط الى شعبي. ثم تكون هناك حملة لمقاطعة الشخص المعني، ويبقى الباب دائماً مفتوحاً من أجل العودة عن التطبيع وخيار الشعب".
فالمجتمع الأردني مجتمع رافض للتطبيع مع "إسرائيل"، وكان موقفه واضحاً في رفضه التطبيع السياسي والأمني الناتج عن معاهدة السلام الأردنية الإسرائيلية المعروفة باتفاقية وادي عربة الموقعة عام 1994.
ويقول الناشط السياسي الأردني شادي أبو راشد للميادين نت: "إنّ للشعبين الأردني والفلسطيني خصوصيةً مختلفة من جراء علاقات النسب والجغرافيا والتاريخ والأديان، التي تربط بينهما. ويرى الشعب الأردني أن وجود هذا الكيان الاستعماري التوسعي على طول حدوده، إنما هو تهديد وجودي له، ويدرك أيضاً أن التطوير الاقتصادي والاستقرار في المنطقة لا يتحقّقان بوجود هذا الكيان. إذ إنه مشروع استعماريّ غربيّ هدفه تقسيم المنطقة وتحويلها إلى دويلات لا تملك من أمرها شيء".
هذا الموقف الشعبي يبرز في الجامعة الأردنية والمؤسسات الثقافية المرموقة التي لا تزال تحيي جميع المناسبات المتعلقة بالذاكرة الفلسطينية والعربية كالنكبة ويوم الأرض، مبيّنة موقفها الداعم للمقاومة الفلسطينية، كمان تبلور ذلك خلال التظاهرات اليومية خلال معركة سيف القدس العام الماضي أمام مبنى السفارة الإسرائيلية في عمّان.
لكن رأس المال وجهات سياسية داعمة للتطبيع تقوم بأداء دورها أيضاً، إذ تحاول بعض المؤسسات إمرار التطبيع من خلال اتفاقيات اقتصادية وأمنية تتعلق بالطاقة والمياه من خلال ربطهم بالاتفاقيات الطويلة الأمد مع المؤسسات الإسرائيلية، إضافة الى محاولات تطبيع ثقافي ورياضي، خصوصاً تلك التي تشارك في تمويلها منظمات المجتمع المدني المدعومة من الدول الغربية، وهنا يكون دور الحركة المقاطعة للوقوف في وجه هذه النشاطات.
حقّقت حركة المقاطعة في الأردن، التي نشأت عام 2014 بعد العدوان الإسرائيلي على غزة تحت شعار "الأردن تقاطع" امتداداً لحركة المقاطعة، قدراً من الإنجازات على مختلف المستويات.
ويؤكد حمزة خضر أن الحركة تتحرّى الدقة في تحركاتها، "فالوعي والتوعية يتحققان بنجاح الأهداف الإستراتيجية للحملات الموجهة والمركزة، فإذا كان هناك حملة على شركة أو حدث ما، يُقدّم من خلال الاعتماد على الأوراق البحثية، التي تستغرق وقتاً كافياً لإعدادها ونشرها للجمهور بإخراج إعلامي دقيق ومدروس".
وكان للحركة موقفاً من اتفاقية الغاز بين الأردن و"إسرائيل" التي تنصّ على شراء الغاز من الكيان الصهيوني لمصلحة شركة الكهرباء الوطنية عبر شركة نوبل الأميركية في مقابل 10 مليار دولار أميركي لمدة 15 عاماً. فأسهمت الحركة في إطلاق حملة "غاز العدو احتلال" التي كان لها دعم شعبي وسياسي من عدد من النواب الأردنيين، من أبرزهم النائب السابق هند الفايز وغيرها، وشهدت العاصمة عمّان عدداً من المسيرات والفعاليات على مدى السنوات الماضية، كتلك التي حدثت في أذار/مارس عام 2017، كذلك شارك نحو 10 آلاف منزل في جميع محافظات الأردن في إنزال قاطع الكهرباء في ذكرى معركة الكرامة وعيد الأم استجابة لتحرك أطلقته الحركة للاحتجاج على الاتفاقية. وفي كانون الثاني/يناير 2020 صوّت مجلس النواب الأردني الأحد لمصلحة مقترح نيابي لسن قانون يحظر استيراد الغاز من "إسرائيل" وأحاله إلى الحكومة.
لكن الحكومة والشركة المتعاقدة أمكنهما تجاوز البرلمان والإرادة الشعبية. يقول الناشط السياسي اليساري أبو راشد: " على الرغم من الدعم الشعبي والبرلماني الكبير لم نستطع وقف الاتفاقية، إذ استندت الحكومة إلى أنّ اتفاقية الغاز المبرمة بين شركة الكهرباء الوطنية وشركة "نوبل انيرجي" لبيع الغاز الطبيعي وشرائه، لا يحتاج نفاذها إلى موافقة مجلس الأمة".
وشهدت العاصمة احتجاجات حاشدة تنديداً باتفاقية إعلان النيّات الخاصة بالماء والكهرباء، التي أُعلنت في العام الماضي بوساطة إماراتية، وهي في حال إقرارها سنرى غالباً سيناريو اتفاقية الغاز نفسه يتكرّر.
وكذلك استهدف نشاط حركة المقاطعة في الأردن شركة الحماية البريطانية "جي 4 اس" المتورّطة في عدد من جرائم الاحتلال، التي تمكّنت الحركة من إنهاء تعاقدها مع برنامج الأمم المتحدة الإنمائي إلى مؤسسات وشركات الأردنية تتولى الشركة تأمين منشآتها.
وعلى المستوى العلمي، وفي مسعى للتصدي للتطبيع، أطلقت حركة "الأردن تقاطع" حملة توعية تسعى لتعريف الطلبة في الصفوف الإعدادية والثانوية بالقضية الفلسطينية وبثقافة المقاطعة كنوع من أنواع المقاومة التي يستطيعون من خلالها المساهمة في مقاومة التطبيع مع الاحتلال. وقد جرى ذلك من خلال زيارة مجموعة من المدارس الخاصة وإعطاء محاضرات تفاعلية للطلبة.
وأشار خضر إلى علاقات الحركة القائمة بالمؤسسات التعليمة في الأردن فقال: "لدينا علاقات جيدة بكل الكتل الطالبية في الجامعات، ونحن في تنسيق دائم معها بخصوص النشاطات، والتحرّكات المناهضة للتطبيع وعلاقاتنا جيدة كذلك بمعظم المدارس المفتوحة الأبواب دائماً، وهناك تعاون في الورش والنشاطات الفنية لتعزيز المقاطعة كسلاح مقاومة، وسلاح لحماية الهوية الأردنية من التطبيع."
لا تزال التحديات كبيرة في معركة مقاومة التطبيع في الأردن، وعلى رأس التحديات سفارة الاحتلال في عمّان والعلاقات الاقتصادية والأمنية وغيرها من الظواهر المستفزة للمجتمع الأردني. إلا أن حضور المقاطعة بارز ويستحق تسليط الضوء عليه والإشادة به. ويرى حمزة خضر، العضو في حركة "الأردن تقاطع - بي دي أس" أنّ "الدعم الجماهيري الكبير، الذي تعاظم بعد سيف القدس، ورفع الشعب سقف الخطاب ضد الاحتلال إنما هو الرافعة الشعبية للحراك المقاطع، وهو ما يعطيها شرعيتها في وجه التحديات، فضلاً عن جدية أعضاء الحركة وإصرارهم على الاستمرار في النهج المقاطع".