تحصيل حقوق المرأة في السعودية "مبالغ فيه".. الحماية أَولى من صعود الفضاء!
"المرأة السعودية اليوم يتم تمكينها من عدد من الحقوق المنتقاة، وفق المعايير التي يضعها محمد بن سلمان شخصياً، ولا تنال حقوقها الفعلية كاملةً كامرأة، على نحو يتوافق مع المعايير الإنسانية الحقيقية العادلة"، يقول المسؤول القانوني طه الحاجي.
"نعم.. استطعنا قيادة السيارة، ونحصّل حديثاً بعض الحقوق، لكنّ ذلك غير كافٍ، فنحن النساء نستحق الحياة"؛ عبارة تطلقها السيدة روعة (اسم مستعار)، المنحدرة من مدينة جدّة السعودية، والبالغة من العمر 47 عاماً، خلال حديثها إلى الميادين نت. تقول إنّ ابنتيها تقيمان ببلاد الاغتراب، واحدة في لندن والثانية في كندا، فهناك "الأوضاع أفضل، والمرأة هي كلّ شيء". توصيف أرادت من خلاله السيدة الأربعينية أن تؤكد أن كلّ التسويق الرسمي للواقع "الخرافي" الذي تعيشه المرأة السعودية، فيه جزء من الصواب، بينما الحيّز الأكبر منه مبالغ فيه، وتخيّلات محضة.
دبلوماسيات ورائدات فضاء وسائقات قطار؟
خلال الأعوام الخمسة الماضية، تغيّر واقع المرأة السعودية بعض الشيء، وإن بصورة محدودة. فبدءاً من حزيران/يونيو 2018، بات في مقدورها قيادة السيارة، وبات في استطاعة كل فتاة بلغت سن الثامنة عشرة، تقديم طلب لاستخراج رخصة قيادة. لتكرّ بعد ذلك السبحة، وتصل إلى حدّ دخول السيدات السلك الدبلوماسي، مع تعيين 5 نساء سفيرات للسعودية في الخارج. ووصل الأمر أيضاً إلى حدّ تأهيل 32 امرأة لقيادة قطار الحرمين السريع، للمرة الأولى في تاريخ البلاد. كل ذلك يأتي بينما أعلنت الرياض، الشهر الماضي، نيّتها إرسال أول رائدة فضاء سعودية إلى محطة الفضاء الدولية، خلال الربع الثاني من العام الحالي.
هذه التغيّرات دأب الإعلام الرسمي على تسويقها بطريقة أكبر، الأمر الذي يدفع إلى طرح إشكاليات عريضة: هل تغيَّرَ واقع المرأة السعودية بصورة جذرية؟ وهل حصّلت حقوقها كاملة من دون اجتزاء؟
عنف أُسري وتمييز في سوق العمل.. وتجنيس الأبناء ممنوع
تساؤلات أجاب عنها المستشار القانوني في المنظمة الأوروبية السعودية لحقوق الإنسان، طه الحاجي، خلال تصريح للميادين نت، فقال إن "المرأة السعودية اليوم يتم تمكينها من عدد من الحقوق المنتقاة، وفق المعايير التي يضعها محمد بن سلمان شخصياً، ولا تنال حقوقها الفعلية كاملةً كامرأة على نحو يتوافق مع المعايير الإنسانية الحقيقية العادلة". وإذْ أكّد الحاجي أنه لا يمكن تجاهل التغييرات القائمة في هذا الواقع، شدّد على أن "هذه الحقوق تعطى أساساً لدائرة محدَّدة من النساء، وفق نِسَب ومناسبات محدَّدة، وضمن حدود معيّنة، وهي حقوق تستغلّها الحكومة من أجل ترويج شخص محمد بن سلمان كإصلاحي جديد، ومناصر للقضايا العصرية، بالإضافة إلى إبرازه راعياً لتغيير السعودية، من حكومة متشددة متطرفة إلى حكومة منفتحة".
من هنا، يرى الحاجي أن المرأة في السعودية باتت أشبه بالسلعة التي يتم استخدامها في ترويج سياسات معينة. ويلفت إلى أن "الحكومة تستغل تمكين نساء محسوبات عليها، ومواليات بصورة مطلقة للسلطات، عبر وضعهنّ في واجهة بعض الوزارات أو السفارات". إلّا أن كل ذلك يصطدم بالواقع، فـ"ما زالت النساء يعانين العنف الأُسري والعنف الحكومي"، و"يَشكِيْنَ عدمَ التفاعل مع الشكاوى التي يقدّمنها بشأن تعرّضهن للاعتداءات والتحرّش والإساءة وغيرها". ويقول: "ما زلنا نرصد شكاوى كثيرة تتعلق بالاعتداءات عليهنّ من دون استجابة (حكومية) حقيقية وجدية، وما زال هناك تمييز في الوظائف على رغم ما تروّجه الآلة الحكومية السعودية، ولا تزال هناك وظائف محدَّدة لفئات معيّنة بموازاة الفجوة الكبيرة في الرواتب بين الرجل والمرأة".
في المحصّلة، فإنه "على رغم كل ما تروّجه الحكومة السعودية، عبر آلتها الإعلامية الكبيرة، فإن هناك مسافة كبيرة ما زالت قائمة عن الواقع. نعم، هناك تغيّر في كثير من المجالات، لكن كل ذلك لا يتماشى مع المعايير الإنسانية، التي يجب أن تتعامل معها المرأة. وما زال أبناء السعوديات لا يحصلون على الجنسية، ولا حتى على معاملة تليق بهم، وما زالت السيدة السعودية تخضع في بعض المجالات لولاية الرجل"، كما يقول الحاجي، خاتماً بالتأكيد أن "الموضوع يحتاج إلى كثير من العمل والمبادرات، لكن السعودية تروّج بصورة مبالغ فيها ما ترى أنه إصلاحات، على رغم أنها محددة ومعيّنة ومنتقاة".
فرصة في العيش كسائر النساء.. لا أكثر
أمام هذه الرؤية الحقوقية، تتحدّث الإحصاءات الرسمية عن "سعادة عارمة" تعيشها النساء السعوديات من جرّاء الواقع الجديد. تقول دراسة، صادرة مطلع هذا الشهر عن "مركز الملك عبد العزيز للحوار الوطني" في السعودية، إن 95% من نساء المملكة راضيات عن واقعهنّ في الوقت الحالي، مقارنة بما كان عليه الوضع قبل 5 أعوام.
وترى الشابة لينا، ابنة الأحساء التي تقيم بلندن، في حديث إلى الميادين نت، أن هذه "السعادة" غير واقعية، بل "مبالغ فيها كثيراً". وتؤكد أنه "مقارنة بالحقوق التي تنالها المرأة، بغضّ النظر عن جنسيّتها في بريطانيا، فإن المرأة السعودية في الداخل لا تزال مضطهّدة، وتواجه أبشع صنوف الحرب على الحقوق".
هذا الموقف يتقاطع مع آخر تُطلقه الشابة رِماس، التي تجزم، خلال تصريحها للميادين نت، بأن شريحة واسعة من نساء السعودية شعرت بالتغيير، لكن ليس بالقدر الكافي، وتؤكد: "نحيّي دخول المرأة مجالات عمل متقدّمة، كوزارة الداخلية، أو تمكين كل من تجاوزت الـ21 من عمرها من حرية التنقل والسفر وغيرهما. لكن، بالنظر إلى طبيعة هذه الحقوق، التي يتم التعامل معها كإنجازات، فإنها حقوق طبيعية موجودة في كل الدول المتقدمة، ولا تحتاج إلى كل هذا التفاخر الرسمي القائم". وتضيف أن "ما تحتاج إليه المرأة اليوم هو فرصة في العيش كمثيلاتها من النساء، لا أن تواجه الاعتقال في أي لحظة".
من هنا، تفتح الشابة العشرينية ملف سجينات الرأي في المملكة، وتسأل: "أين ما يتم ترويجه من تمكين للمرأة، وهناك نساء يواجهن السَّجن، بموجب تهم سياسية، أعواماً طويلة؟ هل يتواءم ذلك مع الحكم الصادر بحق الحقوقية سلمى الشهاب بالسَّجن والمنع من السفر لأكثر من 6 عقود بسبب تغريداتها في تويتر؟ وهل تتماشى خطط تمكين المرأة مع قرار القضاء السعودي سَجْنَ الناشطة نورة القحطاني، ومنعها من السفر مدة تسعين عاماً بموجب تهمة تتعلق بالتعبير عن الرأي؟ ومع قرار سجن الطبيبة التونسية مهدية المرزوقي مدة 15 عاماً، بموجب تهمة الاعتداء على النظام، عبر نشرها تغريدات في مواقع التواصل الاجتماعي؟".
تساؤلات تكشف وجهاً آخر لواقع النساء السعوديات، اللواتي تطالب أغلبيّتهن بتحصيل الحق في الحياة والحرية، لا بـ"زُمرة" من الحقوق المنتقاة بعناية، وفق المقاييس الرسمية.