تجّار ومواطنون لبنانيون يساهمون في تفعيل المقاطعة: لن نشارك في الإبادة
مبادرات فردية وجماعية تتوالى في عدد من المناطق اللبنانية، وخصوصاً من أصحاب المصالح والمطاعم، تحث على مقاطعة البضائع الداعمة للاحتلال، من خلال التوقف عن بيعها، ومنع الشاحنات التي تنقلها من المرور والتوزيع.
وسط محاولات علامات تجارية عالمية إعادة ترويج عدد من منتوجاتها الداعمة للاحتلال الإسرائيلي في السوق اللبنانية، برزت، على نحوٍ لافت، في الآونة الأخيرة، مبادرات من مجموعة من أصحاب المصالح والمؤسسات والبلديات والأفراد، تحثُّ على مبدأ المقاطعة في أكثر من منطقةٍ لبنانيةٍ.
هذه المبادرات، التي اتخذت أشكالاً فرديةً وجماعيةً، تحمل دلالةً واضحة على ارتفاع نسبة الوعي تجاه التأثير الفعلي لمقاطعة البضائع الداعمة للاحتلال.
المقاطعة سلاح
في قلب شارع الحمرا في بيروت، الصاخب بالحياة، يقع مطعم "ت مربوطة"، المغلّف بطابع ثقافي، بحيث يضمّ مكتبة أيضاً، في قلب العاصمة. المطعم المتميّز بدعمه القضية الفلسطينية، منذ انطلاقاته، والمُقاطع لمنتوجات الشركات الداعمة للاحتلال، حتى قبل معركة طوفان الأقصى، أبى ألا يكون له دورٌ في هذه الحرب أيضاً.
مديرة القسم الثقافي في المقهى، پولا عاكوم، تحدثت إلى الميادين نت عن مبادرة المطعم لدعم القضية، وأشارت إلى أنه مع بدء الحرب على غزة، ثم على جنوبي لبنان، تولت مجموعة من فريق العمل تنفيذ نشاطات لدعم مبدأ المقاطعة داخل المطعم وخارجه. فاستخدمت إدارة المقهى أساليب الفنون واللوحات، وبينها لافتةٌ مخصصةٌ للزوار الأجانب، كُتب فيها: "نرفض استقبال أي فرد داعم للكيان الصهيوني". أما على مستوى المقاطعة، فتم إبدال كل بضاعة شركة "Pepsi" بالبديل الوطني "zee cola"، وتم حظر استخدام كل منتوجات "نستلة" وغيرها من الأصناف الداعمة، وتم اعتماد بدائل وطنية منها.
وأوضحت عاكوم أن الهدف المنشود هنا يُعَدّ معنوياً واقتصادياً، من خلال استمرار دعم القضية الفلسطينية، وتثبيت حضورها في تفاصيل الحياة اليومية، واقتصادياً عبر دعم المنتوجات الوطنية، وإظهار أن السوق العربية لها تأثير اقتصادي كبير في الشركات الداعمة للاحتلال، وهذا ما أظهرته فعلاً لغة الأرقام. وبعد وقت قصير بدأ الناس يشجعون الفكرة ويتفاعلون معها، مؤكدةً أن حركة المبيعات وجودة المنتوجات البديلة لم تتأثرا أبداً، بل على العكس، زاد إقبال الناس عليها.
وشجعت حركة المقاطعة أصحاب المطاعم اللبنانية على شراء المنتوجات المحلية وترويجها، "لأن هذا سيؤدي إلى دعم الصناعة الوطنية، وتحريك العجلة الاقتصادية، الأمر الذي يعود بالمنفعة على العِمالة اللبنانية والاستثمارات. وفي ذلك دلالة أيضاً على موقف مناهض للكيان".
من الحمرا إلى الضاحية الجنوبية لبيروت، بادر الشيف علي علوية، مالك مطعم "Magnifico" في محلّة حارة حريك، إلى الامتناع عن بيع منتوجات شركة pepsi في مطعمه، وإبدالها بمشروبات غازية أخرى، بهدف "التوقف عن دعم الاحتلال، الذي يمارس الإبادة بحق أهلنا في غزة وجنوبي لبنان"، يقول علوية.
"نقاطع وفاءً لدماء الشهداء"
لم يتسلّل مبدأ المقاطعة فقط إلى قطاع المطاعم، فشارع الحمرا يضم أيضاً متجراً لبيع المستلزمات الغذائية، على اختلافها، لكنه ليس كغيره من محال الجوار، إذ بدا منفرداً في بضاعته، ورسالته أيضاً. ميني ماركت "Ohana" هو المشروع العائلي الصغير، الذي أصبح اليوم المحل التجاري الأول في بيروت، الذي لا يبيع أي منتوجات داعمة للاحتلال، لأن هدف إطلاقه كان، ولا يزال، المقاطعة والوقوف إلى جانب الشعب الفلسطيني.
تشرح هبة شاكر للميادين نت، وهي أحد الشركاء في الميني ماركت، أن الأمر في البداية بدا صعباً وسط مخاوف من رفض الناس شراء البدائل، "لكن كانت النتيجة مفاجئة، وعملية ترويج المتجر لقيت صدى كبيراً فاق المتوقع، وسط تشجيع كثيرين من الناس، الذين بدأوا ارتياده".
من قلب بيروت إلى قلب الجنوب، وتحديداً مدينة صور، التي تعيش قراها على وقع غارات الاحتلال، يدير مهدي دياب مقهى في المدينة، يسمى "Tigana cafe"، وباشر هو أيضاً تطبيق مبدأ المقاطعة منذ مدّة.
يعتمد دياب في المقهى على المنتوجات الوطنية، بصورة كبيرة، باستثناء المشروبات الغازية التي بدّلها مؤخراً بالبديل الوطني، مؤكداً أن الهدف هو أكبر من إرضاء الزبائن، بقدر ما هو التعبير عن التضامن مع القضية الفلسطينية، ومواجهة كل ما يدعم الاحتلال".
"الناس اعتادوا البدائل"، يشرح دياب، ويلفت إلى أنه حتى الزبائن الذين لم يعتادوا، سيتقبلون الأمر في النهاية، لكن المهم "ألا نعتاد الإبادة".
منع وكلاء "بيبسي" من التوزيع
مشهد المقاطعة في أكثر من منطقة لبنانية انسحب على مبادرات على الأرض، فمنعت تجمعات شبابية في عدّة مناطق، من الشمال إلى الجنوب والبقاع، شاحنات تابعة لشركة "pepsi" من دخولها وتفريغ بضاعتها. والأمر انسحب أيضاً على كثير من البلديات، التي أًصدرت بيانات رسمية في هذا الشأن، طالبت فيها أًصحاب الشاحنات، التي تحمل بضاعة تخص شركات داعمة للاحتلال، بعدم دخول نطاق بلدياتها. وأوعزت بعض البلديات إلى أصحاب المحال التجارية والدكاكين فيها في الامتناع عن عرض أيّ من منتوجات الشركات المذكورة.
وأوضحت البلديات، بدورها، أن هذه الخطوة تأتي في إطار "التضامن مع أهل غزة، ونصرةً لجنوبي لبنان، ووفاءً لدماء الشهداء". وهذه التحركات شملت بلدات مشمش (قضاء عكار)، فنيدق والزاهرية، منطقة أبي سمراء، صيدا ومخيمات الجنوب، بلدات عيناتا وكفرصير وقعقعية الجسر، بالإضافة إلى منطقة بعلبك - الهرمل، وغيرها.
في هذا السياق، قالت عضو حملة مقاطعة داعمي "إسرائيل" في لبنان، بتول غدّاف، للميادين نت، إن "مبادرات أصحاب المصالح والمطاعم وغيرهم تساهم بصورة كبيرة في تعزيز مبدأ المقاطعة، نظراً إلى دورهم المهم في الحد من ترويج منتوجات الشركات الداعمة، بصفتهم الوسيط المباشر بين هذه الشركات والمستهلكين"، مشيرةً إلى أن الحملة تعمل باستمرار على نشر دليل المقاطعة المحدّث، والمعايير التي يجب أن يتصرف الرأي العام على أساسها.
"المقاطعة تحوّلت من شعار إلى نمط حياة"، تؤكد غدّاف، وازداد الإقبال على المقاطعة، بصورة كبيرة جداً، بعد معركة طوفان الأقصى.