بعد عودتهم من لبنان.. نازحون سوريون يرمّمون بيوتهم وأراضيهم للاستقرار فيها
معبرا "جوسيه" في ريف حمص و"الزمراني" في ريف دمشق شهدا خلال الأيام الماضية عودة دفعات من المهجرين السوريين في لبنان، بعد قرار حكومي لبناني بترحيل اللاجئين "طوعيّاً" إلى بلدهم بشكلٍ متلاحق.
بين السعادة والخوف، والحيرة والترقب، اختلطت مشاعر السوريين العائدين إلى بلدهم عبر معبر "جوسيه"، بعد سنوات طويلة من الهجرة القسرية إلى لبنان، نتيجة الظروف الأمنية التي كانت سائدة عند بداية الحرب في سوريا، فمعظم العائدين لا يعرفون شيئاً عما ينتظرهم في قراهم التي تركوها قبل سنوات، وما إذا كان هناك منزل ينتظرهم أم خيمة جديدة ستكون مصيرهم مجدداً.
معبرا "جوسيه" في ريف حمص و"الزمراني" في ريف دمشق شهدا خلال الأيام الماضية عودة دفعات من المهجرين السوريين في لبنان، بعد قرار حكومي لبناني بترحيل اللاجئين "طوعيّاً" إلى بلدهم بشكلٍ متلاحق، حيث شملت الدفعة الأولى نحو 310 أشخاص، لتكون هذه العملية هي الأولى من نوعها منذ حوالى عام ونصف.
عضو المكتب التنفيذي للشؤون الاجتماعية في محافظة ريف دمشق آلاء الشيخ أوضحت للميادين نت أن دفعتين جديدتين من النازحين السوريين وصلت إلى سوريا من لبنان، حيث تم تقديم خدمات الرعاية الصحية والطبية والخدمات الاجتماعية للعائدين، إضافة إلى تجهيز برنامج للفاقد التعليمي للأطفال الذين انقطعوا عن التعليم خلال فترة حياتهم خارج البلاد، إضافة إلى تقديم اللقاحات اللازمة للأطفال، كما تم التنسيق مع مديرية الأحوال المدنية في سوريا لتأمين جميع الأوراق الرسمية للأشخاص الذين فقدوها.
وأشارت الشيخ إلى أن عدد الواصلين عبر معبر الزمراني في ريف دمشق الشمالي، بلغ 219 شخصاً، مع عدد كبير من الشاحنات المحملة بأمتعتهم الشخصية، حيث تم نقلهم إلى مركز التنمية الريفية في منطقة يبرود، والذي تم تجهيزه بكافة المستلزمات الأساسية للإقامة المؤقتة، ريثما يعودون إلى مناطقهم وممارسة حياتهم الطبيعية.
العودة إلى الأرض
عند سيطرة الفصائل المسلحة على أجزاء من مدينة حمص وريفها، وعلى بلدات حدودية مع لبنان، تعرّضت الأملاك العامة والخاصّة والأراضي الزراعية والبُنى التحتية لأضرار جسيمة، ما شكّل حاجزاً أمام عودة الأهالي إلى تلك المناطق مجدداً، وبعد استعادة الدولة السورية السيطرة على تلك المناطق تأخرت عمليات إعادة الإعمار بسبب الحصار الاقتصادي والعقوبات الغربية.
أمام هذا الواقع، عمد الأهالي والفعاليات الأهلية بالتعاون مع المؤسسات الحكومية على إطلاق عمليات تأهيل وترميم للمنازل والمرافق العامة في بعض المناطق من أجل إعادة دوران عجلة الحياة فيها، فيما ساهم العائدون بتوفير اليد العاملة لإعادة إحياء الأراضي وتنشيط الحركة الزراعية والتجارية في المناطق التي عادوا إليها.
على شاحنته الصغيرة، حمل أبو محمد حاجيات أسرته وبعض المقتنيات والأثاث إضافة إلى بعض الدواجن من مخيمات عرسال إلى معبر جوسيه، ومنه انتقل إلى قرية الزرّاعة في ريف القصير على أطراف مدينة حمص، عائداً إلى منزله بعد 10 سنوات من الغياب؛ يقول أبو محمد للميادين نت: "اشتقت لأرضي ولأشجار التفاح وإلى منزل عائلتي؛ لقد كانت سنوات الغربة طويلة وحان وقت العودة إلى الأرض"، تسرقه العَبرة قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ثم يتابع: "لا أعرف كيف مضت تلك السنوات؛ لدينا حفيد وُلد في لبنان وهو لا يعرف قرية أهله ولا منزل عائلته، لكن المهم أننا عدنا إلى أرضنا لنبدأ حياة جديدة نصنعها بأيدينا في حقولنا التي تشتاق إلينا كما نشتاق إليها".
يؤكد أبو محمد أن البداية ستكون بترميم المنزل الذي تعرّض لأضرار كبيرة خلال السنوات الماضية، وأيضاً أرض التفاح تعرّضت للتخريب وهي بحاجة لعمل كبير خلال الأيام المقبلة لتعود كما كانت عليه، لكنه يعوّل على أبنائه وأحفاده العائدين معه لإنجاز الأمر بشكلٍ سريع.
أغلبية أهالي ريف حمص الغربي في القرى والبلدات المنتشرة على طول الشريط الحدودي بين سوريا ولبنان يعملون بالزراعة، لذلك فإن الأراضي تشكّل شريان الحياة لوجودهم، حيث تنتشر حقول التفاح والحمضيات والبقوليات إضافة إلى الخضراوات بأنواعها المختلفة، وبرغم تضرر مساحات كبيرة منها نتيجة الحرب وهجرة أصحابها، إلا أن إعادة إحيائها لن تكون بالأمر الصعب، مع عودة الأهالي إلى قراهم.
السيدة أم خالد من أهالي قرية "السغمانية" بالقصير في ريف حمص عادت مع ابنها وابنتها من مخيمات عرسال، بينما سبقها زوجها وابنها الآخر في نهاية عام 2022 إلى سوريا، تقول للميادين نت: "في تلك الفترة لم تصل أسماؤنا إلى قوائم الأمن اللبناني، فعاد زوجي وابني من أجل ترميم المنزل المدمّر جزئياً، حيث كنا نتوقع اللحاق بهم بعد أسابيع على أبعد تقدير، لكن عمليات العودة توقفت تماماً في تلك الفترة وتأخرت عودتنا كثيراً".
وتضيف أم محمد: "يوجد الكثير من السوريين في مخيمات عرسال ينتظرون العودة إلى بلدهم بفارغ الصبر، فهم لا يعلمون مصيرهم وينتظرون الحلول السياسية التي قد تتأخر لوقت طويل، والخاسر الأكبر في هذه الحالة هم النازحون، الذين يعيشون واقعاً صعباً في ظروف معيشية متردية داخل مخيمات عرسال".
بانتظار المجهول
لا تبدو فرحة النازحين العائدين إلى سوريا مكتملة، وهم يستعدون لمواجهة "المجهول"، فأغلبيتهم لا يعلمون شيئاً عن قراهم ومنازلهم وأعمالهم؛ إن كانت تعرّضت لأضرار طفيفة، أم دُمّرت بشكل كامل خلال فترة غيابهم، لذلك تبدو علامات الحيرة والترقّب بادية على أغلب وجوه العائدين عند المعابر الحدودية.
برغم إعلان السلطات السورية اتخاذ إجراءات عديدة لتأمين مراكز إقامة مؤقتة للعائدين، إلا أن ذلك لا يلغي حالة الخوف والترقب التي يعيشها العائدون، فهم يعلمون تماماً أن مساحات كبيرة من قراهم وبلداتهم قد دمّرت خلال الحرب، إضافة إلى أن البُنى التحتية بحالة سيئة للغاية، ليس فقط في المناطق الحدودية وإنما في عموم سوريا.
وأدت العقوبات الأميركية والأوروبية على سوريا إلى إعاقة عمليات إعادة الإعمار، ما ساهم في تدهور الأوضاع المعيشية وغياب شبه كامل للبُنى التحتية، كما حدّت العقوبات من دخول الشركات العربية والأجنبية إلى الساحة السورية للقيام بمشاريع تنموية شاملة، ما يجعل قرار العودة إلى سوريا محفوفاً بالمخاطر، فمعظم اللاجئين اليوم لا يريدون الانتقال من المخيمات إلى مراكز الإقامة المؤقتة.
دفعات جديدة في الفترة المقبلة
الدفعات التي عادت خلال الأيام الماضية إلى سوريا لن تكون الأخيرة، حيث تؤكد مصادر مطلعة أن الحكومة اللبنانية تنوي ترحيل 850 عائلة خلال العام الحالي، مع استمرار المفاوضات السياسية بين لبنان والاتحاد الأوروبي لفتح باب عودة اللاجئين السوريين على مصراعيها، لتخفيف العبء الذي يخلّفه الوجود السوري على الاقتصاد اللبناني.
وكان الأمن العام اللبناني قد أطلق عام 2017 خطة "تأمين العودة الطوعية" للاجئين السوريين إلى بلدهم بالتعاون مع السلطات السورية، وبلغ عدد العائدين منذ ذلك الحين إلى اليوم نحو 540 ألف سوريّ، توزعوا في غالبيتهم على القرى والبلدات المنتشرة عند الشريط الحدودي السوري - اللبناني، فيما انتقل آخرون نحو المدن والقرى الداخلية.
اليوم؛ لا يمكن الحديث عن عودة كاملة للاجئين السوريين من لبنان، في ظل العقوبات المفروضة على سوريا وغياب مقومات الحياة الأساسية، والتي تنعكس بشكل مباشر على حياة السوريين بمختلف شرائحهم؛ فكيف الحال بأولئك العائدين إلى المناطق المتضررة عند المناطق الحدودية؟ لذلك فإن التحرك يجب أن يكون باتجاه رفع العقوبات الغربية وخاصّة تلك المتعلقة بالجانب الإنساني، حتى يُتاح للمنظمات الإنسانية الدولية القيام بمشاريع تنموية في البُنى التحتية، وإطلاق مشاريع التعافي المبكر لتهيئة الظروف المناسبة لعودة اللاجئين.