بعد ارتفاعها ثلاثة أضعاف.. أسعار السلع الغذائية تغضب المصريين
تشهد مصر زيادة غير مسبوقة بالأسعار بسبب الارتفاع التاريخي للدولار أمام الجنيه، ما أدى إلى عجز ملايين الأسر عن مجاراة تلك الارتفاعات، كما انخفضت القدرة الشرائية لأغلب تلك الأسر المصرية.
بخطوات متثاقلة تخللها الخجل بعد أن رمقتها الأنظار، أعادت مروة محمد، عربة التسوق الخاصة بالمتجر الشهير، بعد أن أبلغتها موظفة "الكاشيير" أن ثمن السلع الغذائية التي اختارتها يفوق ما لديها من نقود، بعد ارتفاع أسعار المواد الغذائية للمرة الثالثة على التوالي خلال الأشهر الثلاث الماضية.
مروة، التي ذهبت كما تعودت في ثاني أيام تقاضيها راتبها الحكومي حرصاً على عدم إنفاقه لتسوق احتياجات أسرتها الشهرية، لم تتخيل جنون الأسعار التي تم تحديثها للتو على شبكة المحاسبة في المتجر الواقع في منطقة 6 أكتوبر على مسافة 24 كيلو متراً عن القاهرة.
معاناة شراء السلع الأساسية
جولة قامت بها الميادين نت في أسواق يرتادها المصريون من الطبقة الفقيرة والمتوسطة لمقارنة الأسعار المرتفعة بشكل قياسي، مع قرب حلول شهر رمضان المبارك، حيث يسعى بعضهم إلى تخزين ما يكفيه من السلع، أظهرت أن أسعار الغذاء تشهد ارتفاعاً كبيراً في أزمة اقتصادية غير مسبوقة، كما كشفت حجم المعاناة التي تعانيها الأسر من شراء الاحتياجات الأسبوعية والشهرية، مع أسعار تزيد بصورة شبه يومية وأحياناً كل ساعة أو أثناء التسوق.
داخل متجر "هايبر وان"، أصيبت مروة محمد التي شارفت على الستين عاماً بالصدمة، وهي موظفة في إحدى الهيئات الحكومية التابعة لوزارة الصحة المصرية، وزوجة لموظف يعمل بوظيفة رسمية داخل رئاسة إحدى البلديات في القاهرة، وأم لأربعة أبناء، فأعادت مسرعة بعض السلع التي بينها عبوات من الزيت والسكر والأرز رغم الحاجة لها إلى أرفف المتجر الضخم، لأن ما لديها من نقود لا يوازي الأسعار الجديدة.
تقول مروة للميادين نت إنّ ارتفاع الأسعار يفوق قدرات الأسر المتوسطة ومبالغ فيها، وأرجعتها وفق تعبيرها، إلى "المضاربات بين الشركات وارتفاع أسعار الدولار بالسوق السوداء في ظل ضعف الرقابة الحكومية".
وتعيش الأسواق المصرية كافة، حالة من الاضطراب الشديد، وفق مراقبين، خاصة مع تراجع قيمة الجنيه مقابل العملات الأجنبية، والذي وصل سعر الدولار الواحد في السوق الموازية قرابة الـ70 جنيهاً، بينما لا يزال سعره الرسمي في البنوك 30.85 جنيه.
شحّ السلع
يحاول المصريون في ظل معدلات تضخُم مرتفعة وصلت خلال شهر كانون الثاني/يناير الماضي إلى 29.8%، التكيف مع أزمات الأسعار، لكن مؤخراً ارتفعت أصوات تشكو من الغلاء الشديد وصعوبة المعيشة، خصوصاً الأطعمة الأساسية، لا سيما بعد عزوف الكثيرين عن شراء السلع الترفيهية والمستوردة.
كما تشكو مختلف الطبقات من تفاقم أسعار جميع السلع من دون توقف، وشح سلع استراتيجية مثل السكر، والزيت، والسمن الصناعي، والأرز والبيض، والمكرونة، وأنابيب الغاز، فضلاً عن ارتفاعات أسعار الألبان والزبادي والجبن، والمشروبات الساخنة مثل الشاي والقهوة والنكسافية وغيرهما من جميع أنواع المشروبات الغازية والعصائر، وحتى بعض أصناف الدواء، وزيادة أسعار اللحوم والدواجن والأسماك والخضروات والفاكهة بشكل خرافي، وأسعار التبغ بجميع أنواعه، والبقالة بأنواعها، وحديد التسليح والبناء التي زادت أزمات السكن والإيجارات، حتى وصلت إلى الأكلات الشعبية الشهيرة مثل الفلافل والكشري.
صرخات المصريين من تلك الأزمة، ترجمتها الدموع الممزوجة بالغضب والحيرة التي ارتسمت في عيون السيدة الأربعينية هدى أحمد، ربة المنزل، والأم لخمسة أطفال، في متجر "هايبر وان"، الذي أجرت الميادين نت جولة داخله، للتعرف على أحوال المصريين في ظل اختفاء الكثير من السلع الغذائية، حيث اصطف المصريين في طوابير لنيل احتياجاتهم قبل حلول شهر رمضان ولتخزين بعضها إن وجدوه لاختفائها المتتالي.
عن سبب الغضب الذي انتابها، تقول إن "المتجر رفض إعطائي 5 عبوات سكر، رغم أنني اشتريت سلعاً غذائية يفوق سعرها 4 آلاف جنية، فهو لا يعطي أكثر من عبوتين لا تكفي لـ7 أفراد، حاجة أسرتي أغضبتني، لقد وصل سعر عبوة السكر حوالي 70 جنيها ( 3 دولارات ونصف الدولار بالسعر الرسمي).
وتضيف لـلميادين نت: " نعيش مأساة حقيقة، ففضلاً عن زيادة أسعار الخضروات والمخبوزات واللحوم والأسماك والدجاج، اختفت أغلب السلع من الأسواق".
واستطردت: "يشترط المتجر للحصول على 2 كليو سكر شراء فاتورة لا تقل عن 150 جنيهاً، فاضطررت الشهر السابق أنا وزوجي وأمه، يومياً الذهاب إلى المتجر، لشراء سلع بالقيمة المطلوبة من أجل الحصول على تلك الكمية من عبوات السكر، وهذا أمر أرهقنا كثيراً".
ويرجّح مراقبون تلك الزيادات غير المسبوقة لنقص موارد النقد الأجنبي في مصر بفعل تضرر إيراداتها من قناة السويس، وتراجع تحويلات المصريين من الخارج وقطاع السياحة، ما يضغط اقتصادها الذي يعتمد على بصفة أساسية على الاستيراد.
صدمة في الأسواق
وتأتي رغبة الشراء لدى المصريين، استباقا لموجة غلاء أكبر قد تضرب الأسواق مع احتمالات تحريك سعر صرف الجنيه بعد رفع البنك المركزي المصري مؤخراً سعر الفائدة 2%، وكذلك مع قرب قدوم شهر رمضان الكريم في آذار/مارس المقبل.
الغضب العارم والخوف الذي يعتري وجوه المصريين، تردد صداه في الطوابير التي اصطفّت في انتظار الحصول على عبوتين أرز ومثيلاتها من السكر من فرع متجر"بيم" في حي السيدة زينب الشهير، وهو أحد أفرع شركة بيم التركية في مصر، بعد إعلانه عن بيع الزيت بسعر 210 جنيهات، والسكر 27 جنيهاً، والأرز 30 جنيها مقارنة بالأسعار الخرافية لتلك السلع في المتاجر الأخرى.
بلهجة يملؤها الضيق من الوقوف في طوابير غير مسبوقة لجلب سلع أساسية، يقول أحمد عاشور، المقيم في منطقة عين شمس، واضطر لقطع مسافة حوالي 20 كيلو متراً، بعد قراءته إعلان المتجر على الإنترنت عن توافر السكر والأرز: "جئت بعد أن بحثت كثيراً عن السكر والأرز والزيت، وكأنها أصبحت من المواد المخدرة، نعيش حالة احتكار بفعل التجار الكبار، لتحقيق مكاسب، دون رقيب أو حسيب من الحكومة".
اختار أشرف فتحي، الرجل الخمسيني، لشراء الاحتياجات الأسبوعية لأسرته المكونة من 4 أفراد، سوقاً شعبياً، في حي السيدة زينب حيث يقطن.
"ارتفعت أسعار جميع السلع ورغم محاولات المصريين للتأقلم والبحث عن بدائل، والشراء بالكيلو لم يعد الأمر مجديا.. نحن نعيش أزمة غير مسبوقة وأوضاع كارثية"، وفق حديثه لـلميادين نت.
يقول: "أذكر من سنتين كانت ميزانية الطعام والشراب الشهرية لأسرتي حوالى 2500 جنيهاً، وكنا نأكل لحوم وفراخ وسمك كل أسبوع ونطلب وجبات جاهزة، لكن هذا المبلغ الآن لم يعد يكفي مشتريات أسبوع واحد".
ووفق دراسة للمجلة العلمية للدراسات والبحوث المالية والإدارية تحت عنوان "أثر تغيرات سعر الصرف على مستوى معيشة الأسرة المصرية" تشهد مصر زيادة غير مسبوقة بالأسعار بسبب الارتفاع التاريخي للدولار أمام الجنيه، ما أدى إلى عجز ملايين الأسر عن مجاراة تلك الارتفاعات، كما انخفضت القدرة الشرائية لأغلب تلك الأسر المصرية.