الهجرة الطبية في سوريا وانقطاع الأدوية.. هل قالوا "عقوبات" على الحكومة؟

الأطباء كانوا أبرز المكونات التي تأثّرت بنتائج الحرب، فقرر عدد كبير منهم السفر بأحلامهم إلى مكانٍ ربما يجدون فيه الاستقرار قبل أي شيءٍ آخر، وقد تركت هجرة الأطباء فراغاً داخلياً لا يمكن ترميمه بسهولة.

  • الهجرة الطبية في سوريا وانقطاع الأدوية.. هل قالوا عقوبات على الحكومة؟
    الهجرة الطبية في سوريا وانقطاع الأدوية.. هل قالوا عقوبات على الحكومة؟

يشكّل السوريون اليوم حوالى ثلث عدد اللاجئين حول العالم. لاجئون هربوا بعيداً عن بلدهم يحملون معهم أحلاماً وأوجاعاً كانت نتاجاً طبيعياً لحربٍ تركت آثاراً كارثية على بنية المجتمع السوري على المستويات كافة، الاجتماعية والاقتصادية والثقافية والطبية.

الهجرة السورية لم تقتصر على فئة معينة، بل راح ضحيتها عدد كبير من السوريين الذين اضطرتهم الحرب إلى البحث عن حياة جديدة في بلدٍ يوفّر لهم فرصاً أفضل، وربما يكون أمل العودة حاضراً إذا تحسنت الظروف مستقبلاً.

الأطباء ضحايا

الأطباء كانوا أبرز المكونات التي تأثّرت بنتائج الحرب، فقرر عدد كبير منهم السفر بأحلامهم إلى مكانٍ ربما يجدون فيه الاستقرار قبل أي شيءٍ آخر، وقد تركت هجرة الأطباء فراغاً داخلياً لا يمكن ترميمه بسهولة.

يقسّم نقيب الأطباء في محافظة ريف دمشق خالد موسى للميادين نت الأسباب التي تدفع الأطباء للهجرة إلى شقين: "الأول، من أجل استكمال الدراسة والاختصاص وتكون الوجهة في الغالب إلى أوروبا، إذ تقدّم الدول الأوروبية تسهيلات عديدة للسوريين في هذا المجال"، ويكشف موسى عن "مشروع ممنهج لتفريغ سوريا من الأطباء".

أما الشق الثاني فيؤكد أن هناك "قسماً كبيراً من الأطباء يذهب بقصد العمل، فيختار البلاد العربية ومنها الإمارات وعُمان وبعض الدول غير المستقرة مثل اليمن والصومال والسودان بالإضافة إلى العراق، حيث تصل الرواتب إلى نحو 4000 دولار".

وعن الفراغ الذي نتج عن هجرة الأطباء، يؤكد موسى أن لدى محافظة ريف دمشق 2428 طبيباً مسجلاً، فضلاً عن 499 طبيباً مغترباً، أي خُمس أطباء المحافظة، ولفت النقيب إلى أن ريف دمشق لا يوجد فيها سوى طبيب جراحة أوعية واحد في حين تحتاج إلى عشرة أو 12 طبيباً بالحد الأدنى، كما تخلو المحافظة من أي جراح صدرية.

العقوبات أبرز الأسباب

كانت الصناعات الدوائية من الاستثمارات الأكثر نمواً في سوريا قبل بداية الحرب، إذ تغطي منتجاتها 93% من احتياجات السوق المحلية، لكن الإنتاج انخفض خلال السنوات الماضية إلى أقل من 70%.

تأثر الإنتاج بشكل كبير بعد خروج معامل عديدة من الخدمة، إضافة إلى العقوبات الاقتصادية التي طالت القطاع الصحّي بشكلٍ مباشر، ومنعت استيراد المواد الأولية والآلات وقطع التبديل للصيانة وبعض مواد التغليف فضلاً عن حظر وصول أدوية الأمراض المزمنة ومنع عمليات التحويل المصرفية والبنكية، كل ذلك أدى إلى تضرر البنية الأساسية للقطاع الطبي في البلاد.

وعن تأثير العقوبات الاقتصادية الغربية في القطاع الصحّي في سوريا يؤكد مدير مستشفى "المجتهد" في العاصمة دمشق الدكتور أحمد عباس للميادين نت أن العقوبات أثّرت بشكل سلبي على القطاع الصحي، وخصوصاً موضوع استيراد بعض الأدوية مثل أدوية العلاج الكيماوي وأدوية العلاج البيولوجي، ويكشف عباس أن أياً من التجهيزات الحديثة لم يدخل إلى مستشفى "المجتهد" منذ 12 سنة من أي بلد أوروبي أو أميركا بشكل مباشر وذلك بسبب العقوبات.

وتساءل عباس: "يدّعون أن القطاع الصحي لم تشمله العقوبات الاقتصادية، ولكن هل نستطيع إجراء أي تحويلات مصرفية مباشرة بين أي قطاع من قطاعاتنا مع أي شركة خارجية؟ بالطبع لا."

ويتابع مدير مستشفى "المجتهد" أن "هذا الوضع أثّر بشكل مباشر في وضع الأطباء بشكل عام، وتحديداً موضوع الهجرة، فالطبيب بحاجة إلى دخل معين وإلى وسائل لممارسة مهنته بشكل مريح، وعند عدم توافرها يضطر إلى الهجرة".

جانب مضيء للهجرة

خلال الحرب، تعرضت البنية التحتية للنظام الصحي في سوريا إلى أضرار جسيمة تمثلت بتدمير عدد كبير من المستشفيات والمراكز الصحية ومعامل الأدوية، كما سقط عشرات الضحايا من العاملين في المجال الطبي، وجاءت العقوبات الغربية لتصبّ الزيت على النار وتدفع القطاع الطبي إلى الهاوية، ولكن، رغم كل ذلك، بقي هذا القطاع متماسكاً إلى حدٍ ما، وبدأ يستعيد عافيته تدريجياً، وهذا ما بدا جليّاً من خلال القدرة على مواجهة جائحة كورونا رغم النقص الحاد في وسائل التجهيز لهذا الغرض.

الدكتور محمد خليل من مستشفى "الباسل" في محافظة طرطوس يؤكد للميادين نت أن "هجرة الأطباء لها جانب مضيئ، لجهة الاعتراف بإمكانيات الطبيب السوري ودور الجامعات السورية في تخريج الأطباء، وخير دليل على ذلك وجود 5000 طبيب سوري في ألمانيا، أثبتوا قدرتهم وجدارتهم في العمل، إذ تحولوا إلى ركيزة أساسية للقطاع الصحي الألماني".

أما النقطة الثانية من إيجابيات هجرة الأطباء بحسب الدكتور خليل فهي "التحويلات المالية من بلاد الاغتراب إلى الداخل، الأمر الذي ساهم في تحسين الوضع الاقتصادي من خلال تأمين كميات كبيرة من القطع الأجنبي في سوريا".

الأطباء الشباب ينتظرون الفرصة

مع بداية عام 2021، في ظل تفشي فيروس كورونا، أعلنت منظمة الصحة العالمية حاجتها إلى 256.7 مليون دولار لتلبية الاحتياجات الصحية الحرجة للسكان في سوريا والحفاظ على الرعاية الصحية الأساسية.

منظمة الصحة العالمية وضعت على رأس أولوياتها، تنسيق ودعم الاستجابة لكوفيد-19 عبر الحفاظ على الخدمات الأساسية، إضافة إلى تقديم الخدمات المنقذة للحياة في قطاعات مثل التطعيم والصحة الإنجابية وصحة الأم والطفل والصحة العقلية والماء والصرف الصحي والخدمات المتخصصة كعلاج السرطان وغسيل الكلى وغيرها.

اختصاصي الداخلية الطبيب فايز شحرور المتخرّج حديثاً يؤكد للميادين نت أن "الظروف الراهنة والأوضاع التي خلّفتها الأزمة دفعت الأطباء إلى الهجرة بحثاً عن حياة وظروف معيشية أفضل، خاصة في ظل ضعف الواقع الخدمي في سوريا من كهرباء ومحروقات ومواصلات إضافة إلى الأزمة المعيشية".

ويشير شحرور إلى أن "بعض الأطباء يغادرون البلد لمتابعة الاختصاصات العلمية مع تطور الطب في الدول الأوروبية"، أما عن رأيه بفكرة الهجرة فيؤكد أنه ضد الفكرة بشكل مطلق، وإذا قرر السفر يوماً لمتابعة الاختصاص فإنه سيعود حتماً إلى سوريا للعمل فيها.

تدّعي الدول الغربية أن العقوبات التي تفرضها على سوريا لا تستهدف المدنيين، بل الهدف منها "الضغط على الحكومة السورية لتغيير سلوكها"، لكن تلك الادعاءات تسقط أمام الواقع في البلاد، فتلك العقوبات تعوق استمرار الحياة وتمنع ترميم ما دمرته الحرب وخاصة في القطاع الصحّي الذي يدق ناقوس الخطر، والأكيد أن "تعديل سلوك الحكومة السورية" لا يكون بتفريغ سوريا من أطبائها ولا من خلال قطع الدواء عن مريضٍ وهو بأمسّ الحاجة إليه.