المرضى وذوو الإعاقة في غزة يواجهون أزمات مضاعفة بسبب انقطاع الكهرباء

يواجه المرضى وذوو الإعاقة في قطاع غزة أزمات مضاعفة تفاقم من وضعهم الصحي، وذلك من جراء الانقطاع المستمر للكهرباء في القطاع، ما يتطلب منهم اللجوء إلى المرافق العامة أو المستشفيات لتوفير الكهرباء للمعدات الآلية والطبية التي يستخدمونها.

  • المرضى وذوو الإعاقة في غزة يواجهون أزمات مضاعفة بسبب انقطاع الكهرباء
    المرضى وذوو الإعاقة في غزة يواجهون أزمات مضاعفة بسبب انقطاع الكهرباء

كانت الساعة تشير إلى السادسة والنصف صباحاً عندما استفاقت دعاء قشلان قاصدة تجهيز نفسها كي تتوجّه إلى مكان عملها، لتباغتها أمها أنّ الكهرباء لم يتمّ وصلها طوال ليلة البارحة سوى بضع ساعات، بالتالي لم يتمّ شحن الكرسي الكهربائي الخاص بها، هنا خارت قواها ورجعت إلى غرفتها حبيسة الجدران الأربعة، فالكهرباء حسمت الأمر، لا خروج اليوم من المنزل ولا حوائج ستُقضى. 

دعاء هي فتاة من قطاع غزة ولدت بإعاقة حركية وتتنقّل باستخدام كرسي متحرك أو دراجة "سكوتر" كهربائية، يتسبّب انقطاع الكهرباء لأكثر من 12 ساعة في اليوم بشلّ حركتها وجعلها حبيسة المنزل، كون تكلفة استخدام وسيلة نقل بديلة باهظة الثمن.

تقول دعاء في حديثها إلى الميادين نت إنها تحتاج إلى بطاريّة الكرسي للشحن 8 ساعات متواصلة على الأقل حتى يعمل بشكل جيد، وإلا سيقف في منتصف الطريق، عدا عن المشكلات التي تظهر خلال ساعات الوصل، فما بين تيار منخفض ومرتفع تحترق البطارية أو اللوحة، بالتالي يتم الرجوع إلى نقطة الصفر، وهي عدم توافر الكرسي، لأن ثمن إصلاحه في بعض الأحيان يعادل ثمن شراء كرسي جديد، الأمر الذي لا يمكن لعائلتها توفيره.

لا تستعمل دعاء ذلك الكرسي وحدها بل تشاركها أختها عبير التي ولدت بالإعاقة ذاتها فيستخدمانه بالتناوب ما بين بعضهما البعض، الأمر الذي جعل خروجهما من المنزل يقسم بالمناصفة خلال أيام الأسبوع، لافتة إلى أن المشكلة الحقيقية تكمن عند اجتماع أمرين هامين، كمقابلة توظيف لإحداهن وامتحان في الجامعة لأخرى، مما يستدعي التضحية إن لم تسبقهما الكهرباء وتحسم الأمر لصالحها.

ولم تكن دعاء وحدها ضحية انقطاع الكهرباء فأمل عطالله، وهي أم لخمسة أطفال أصيب أصغر أطفالها بالتهاب الشعب الهوائية وأوصى الطبيب بإجراء تبخيرة كل 3 ساعات وعلى الرغم من امتلاكها الجهاز إلا أن الكهرباء لم تكن متوفرة فاضطرت إلى استخدام خط مولّد الشارع لعدم قدرتها على ترك صغارها الأربعة وحدهم في المنزل من أجل أخيهم الذي لم يتجاوز الـ 4 أشهر، الأمر الذي شكّل عبئاً على العائلة. 

قصص كثيرة متشابهة يعيشها أهالي القطاع، إذ يقضي المواطن الستيني محمد عباس حياته ما بين المشفى والمنزل بسبب غياب الكهرباء، فإصابته بمرض التليّف الرئوي يجعل من استنشاق الهواء في ظل ارتفاع درجات الحرارة خلال فصل الصيف لأعلى من 38 درجة أمراً شاقاً، خاصة مع غياب المروحة وفصل التيار لساعات طويلة، وبالتالي عدم استطاعته تشغيل جهاز التنفس المنزلي.

يروي عباس، للميادين نت قائلاً: "عندما أشعر بالاختناق أرى الجحيم بأمّ عيني، وتصبح مواساة من حولي بمحاولة الهدوء كالصافرات المزعجة التي تدوي واحدة تلو الأخرى، وكأن الأرض تلفظني من باطنها إلى السماء، ولا يهدأ ذلك الكابوس سوى بعد أن تصبح تلك الكمامة المزوّدة بالأكسجين على وجهي، ليتبدّل المشهد بالكامل وتعود الرؤية من جديد".  

يرى عباس، أن الحل لمشكلته يكمن في تفعيل المستوصفات الحكومية للعمل ما بعد الساعة الثانية ظهراً لتقديم تلك الخدمة للمرضى عبر التأمين الصحي، أي من دون دفع مبلغ مالي كبير لقاء التبخيرة، أو الاضطرار للذهاب إلى المشفى الحكومي، الذي لربما يبعد عن المنزل أميالاً أو يشهد تكدّساً عالياً بفعل الأزمات التي تمر بها المدينة المحاصرة، أو المشافي الخاصة التي ستطالب بأضعاف المبلغ.

بدوره أوضح زياد الكحلوت، استشاري الأمراض الصدرية في مستشفى الشفاء الطبي، أن حالات أمراض الجهاز التنفسي ازدادت خلال السنوات الخمس الأخيرة بشكل واضح بسبب جائحة كورونا والتغيرات المناخية التي تؤثر بشكل ملحوظ على درجات الحرارة، فظهرت حالات التليف الرئوي، والربو الشعبي والتهاب الشعب الهوائية، الأمر الذي جعل أولئك المرضى بحاجة ماسة إلى جهاز التنفس المنزلي، وبالتالي بحاجة للكهرباء حتى يتم تشغيله.

وبيّن الكحلوت، أن أولئك المرضى يضطرون للاشتراك بمولدات الشوارع على الرغم من تكلفتها الباهظة، كون في حال عدم وجود الكهرباء ستتدهور الحالة وسيصبح هناك خطر على حياته، ومع وجود آثار التغيّر المناخي سيصبح الأمر أكثر سوءاً خاصة عند غياب المروحة أو جهاز تكييف بحسب مقدرة الشخص، إضافة إلى تكلفة أسطوانات الأكسجين التي يلزم وجودها بشكل دائم خشية تعرّضهم لاختناق مفاجئ.

وأوضح أنه في حالة عدم وجود كهرباء في المنازل، سيتم نقل تلك الحالات للمشافي الحكومية وبالتالي ستنشغل الأسرّة التي هي في الأصل حق لمرضى آخرين حالاتهم أكثر خطورة، خاصة في حالات الطوارئ والتصعيد على غزة، ويزداد ذلك الضغط كلما ارتفعت تلك النوبات وزادت حاجتهم لزيارة المشفى، بالتالي يشكّل غياب الكهرباء أزمة تكدّس في المشافي. 

بدوره أوضح محمد ثابت، مدير العلاقات العامة والإعلام بشركة توزيع الكهرباء في قطاع غزة، أن الشركة تضع اعتبارات للحالات الإنسانية، فبعد تقديم التقارير الطبية اللازمة التي تثبت صدق الحالة والاطلاع عليها للتأكّد، يمكن توفير تيار كهربائي منخفض لهم يفي بالغرض ويساعدهم على ممارسة حياتهم بشكل طبيعي، مؤكداً أن ذلك الخط لا يوازي تكلفة مولدات الشارع بل أقل بكثير فتقدّر تكلفته بـ 5 دولارات شهرياً.