السياحة الدينية.. هل تكون رأس الحربة لكسر الحصار الاقتصادي على سوريا؟
سوريا تحتضن أماكن سياحية دينية إسلامية ومسيحية، هي من الأقدم في العالم، فكيف تساهم السياحة الدينية في بناء اقتصاد سوريا، وتكسر الحصار الغربي عنها؟
50 ألف زائر إيراني سيتم إيفادهم لزيارة الأماكن الدينية في سوريا سنوياً، بعد الاتفاق الذي جرى توقيعه بين دمشق وطهران، خلال زيارة وزير الطرق والتنمية العمرانية الإيراني مهرداد بذرباش إلى سوريا قبل أيام، ليعلن الاتفاق عن دخول السياحة الدينية في البلاد مرحلة جديدة من العمل ستنعكس بالمطلق على الاقتصاد السوري.
لكن ما هي السياحة الدينية؟ وكيف استطاعت أن تكون رأس الحربة في كسر الحصار الغربي على دمشق؟ وكيف لها أن تساهم في بناء الاقتصاد السوري؟
ما هي السياحة الدينية؟
إن الناس بمختلف أديانهم يعتبرون زيارة الأماكن الدينية واجباً دينياً وأخلاقياً وإنسانياً، تعود عليهم بغفران الذنوب وتطهير الجسد من خلال تكرار تلك الزيارات بحيث تصبح منتظمة في معظم الأحيان.
لذلك فإن للسياحة الدينية أهمية ودوراً كبيرين في ارتقاء الإنسان والتقاء الشعوب المختلفة، متخطيةً الحواجز العديدة التي تفرضها اللغة والقومية وغيرها، ويرغب الناس في كثير من الأحيان أن يختبروا شعور الحياة داخـل المكـان المقدس من خلال الصلاة والعبادة والتأمـل أيضاً.
والسياحة الدينية من أقدم أنواع السياحة في التاريخ، ويمكن تعريفها بأنها تنقّل الأفراد والجماعات من بلد إلى آخر أو من منطقة إلى أخرى لغايات الصلاة والعبادة، حيث تتمّ زيارة الأضرحة والمقامات الدينية والمساجد، وغالباً ما تكون خلال فترات موسمية وأوقات زمنية محددة.
وتنضوي السياحة الدينية على مجموعة كبيرة من المبادئ والقيم الإنسانية النبيلة التي جاءت بها مختلف الأديان السماوية، فهي تمثل وسيلة حقيقية للاتصال والحوار الحضاري بين الأمم والشعوب، عبر الاندماج فيما بينها بروابط إنسانية خالصة، بهدف التعبير عن الحقيقة الإنسانية للشعوب بعيداً عن المفاهيم السياسية الضيّقة التي تسود في الوقت الحالي.
وترتكز السياحة الدينية بشكل أساسي على العاطفة الدينية، والرغبة في إشباع هذه العاطفة من خلال الأماكن الدينية، كما أنها سياحة تهتم بالجانب الروحي للإنسان، فهي مزيج من التأمل الديني والتراثي من أجل التقرّب إلى الله.
سوريا تحتضن أماكن سياحية إسلامية ومسيحية
تُعدُّ سوريا إحدى أكثر دول الشرق الأوسط من حيث وجود أماكن للسياحة الدينية، إذ تضم المحافظات السورية عدداً كبيراً من المزارات المهمة، المتعلقة بالدين الإسلامي والدين المسيحي على حدٍ سواء، وتعتبر تلك الأماكن مقصداً للملايين حول العالم.
ولعلّ أبرز أماكن السياحة الدينية المتعلقة بالمسلمين هي المسجد الأموي ومقام السيدة زينب ومقام السيدة رقية ومقام النبي هابيل في العاصمة دمشق، وجامع خالد بن الوليد في حمص، والجامع الأموي الكبير في حلب.
يضاف إلى ذلك مقام الصحابي عمار بن ياسر في الرقة، ومزارات أبي موسى الأشعري والحجاج بن عامر وكعب الأحبار ورابعة العدوية وعمر بن عبد العزيز ومزارات ومساجد ومقامات كثيرة في المناطق السورية المختلفة.
وسوريا غنية جداً بالمقدسات والمزارات المسيحية أيضاً، من كنائس وأديرة، هي الأقدم في العالم، مثل الكنيسة المريمية، ودير سيدة النياح، وكنيسة القديس حنانيا، وكنيسة القديس بولس الرسول، وكنيسة الزنار، وكنيسة الصليب، وكنيسة الفرنسيسكان.
وتحتضن سوريا كنيسة قلب لوزه، وكنيسة يسوع الناصرية، وكنيسة مار يعقوب، وكنيسة السريان، وكنيسة القديس جاورجيوس، ودير مار جرجس البطريركي، ودير سيدة صيدنايا، ودير مار الياس شويا، ودير السيدة بلمانا، ودير مار موسى، وبطريركية أنطاكية وسائر المشرق، وغيرها الكثير في جميع أنحاء سوريا.
إبراهيم فواز، عضو الهيئة العامة لغرفة سياحة ريف دمشق، وصاحب منشأة سياحية في منطقة السيدة زينب بريف العاصمة، أكد للميادين نت أن السنوات الثلاث الماضية شهدت ارتفاعاً ملحوظاً في عدد السياح الوافدين، حيث تستقبل المنطقة ما لا يقل عن 10 آلاف سائح شهرياً.
وأضاف فواز أنّ التنسيق يتم بين المنشآت السياحية ووزارة السياحة لتأمين كلّ الخدمات اللازمة للوافدين خلال فترة إقامتهم وتنسيق جولات سياحية لهم في المناطق الأثرية داخل العاصمة دمشق.
وبما يتعلق بجنسية السياح والدول التي قدموا منها، يؤكد فواز أن معظم الوافدين من الكويت والعراق والإمارات وباكستان وإيران، إضافةً إلى دول أخرى.
6 ملايين زائر لسوريا سنوياً قبل الحرب
حقّق قطاع السياحة داخل سوريا قبل الحرب ازدهاراً ملحوظاً، نتيجة الاستقرار الأمني والاقتصادي الذي كان موجوداً في البلاد خلال تلك الفترة، حيث وصل عام 2009 إلى سوريا نحو 6 ملايين سائح أجنبي، وازداد هذا العدد في عام 2010، حيث وصل إلى نحو 8.5 ملايين سائح، بزيادة قدرها 40%.
وبلغت عائدات السياحة 30.8 مليار ليرة سورية (8.4 مليارات دولار) في عام 2010، أي 14% من اقتصاد البلاد آنذاك، كما شكّل عدد العاملين في القطاع السياحي 11% من إجمالي اليد العاملة في سوريا.
وعلى الرغم من عدم وجود إحصائيات دقيقة لعائدات السياحة الدينية من وزارة السياحة السورية، إلا أن حركة الأسواق المحيطة بأماكن العبادة شهدت خلال الأشهر الماضية نشاطاً ملحوظاً انعكس على عمليات البيع والشراء، في ظل ازدياد توافد السيّاح من دول مختلفة إلى العاصمة السورية.
وقد بدأت أسواق "الحميدية" و"البزورية" و"العصرونية" بمحيط الجامع الأموي الكبير ومقام السيدة رقية عليها السلام، وسوق "السيدة زينب" بمحيط مقام السيدة زينب عليها السلام، تستعيد جزءاً من نشاطها الذي كانت تعرف به قبل الحرب.
ويكثر الطلب من السيّاح في تلك الأسواق على الحلويات العربية بأنواعها المختلفة، والملابس، والأقمشة التقليدية، والإكسسوارات، والألعاب، والعطور، وذلك نظراً لانخفاض أسعارها في الأسواق السورية مقارنة بأسواق دول الجوار.
جواد الآغا تاجر أقمشة في منطقة "الحريقة" وسط العاصمة دمشق، يقول للميادين نت، إن "عودة السياحة الدينية إلى سابق عهدها يمكن أن يساهم إلى حدٍ كبير في إعادة الحياة للأسواق المحلية، نظراً لما يملكه السيّاح العرب والأجانب من قوة شرائية من الممكن أن تكون رافداً لتنشيط الحركة التجارية، وتعويض جزءاً من الخسارة التي تلقاها أصحاب المحال والتجار نتيجة الجمود الاقتصادي الذي كان سائداً قبل سنوات".
ويضيف الآغا أن السيّاح الذين تواجدوا خلال الفترة الماضية ضمن الأسواق السورية هم من شرق وجنوب آسيا وإيران والعراق، كما بدأ يزداد مؤخراً أعداد السيّاح من دول الخليج الذين يقصدون أماكن العبادة في العاصمة دمشق.
وخلال العام الماضي، استقبلت سوريا 1.5 مليون زائر، ثلثهم من السياح، وقدم نحو 10% منهم أوروبا الغربية. وتظهر بيانات وزارة السياحة السورية أن 385 ألف زائر قدموا إلى البلاد في الربع الأول من هذا العام، 40 ألفاً منهم من الأجانب غير العرب، بينما تهدف الوزارة هذا العام إلى استقبال 3 ملايين زائر ضمن الخطة التي وضعتها لجذب السياح.
وتهدف خطة وزارة السياحة السورية خلال الفترة الحالية إلى فتح أسواق جديدة، خاصّة في إيران وروسيا والصين والخليج والدول المجاورة، حيث عملت الوزارة على بناء فنادق جديدة في مواقع ساحلية لتلبية احتياجات السياحة العائلية.
كذلك، تخطط الوزارة لإطلاق موقع إلكتروني للتأشيرات الإلكترونية قريباً، وكشفت مصادر فيها أن عدد المنشآت المستهدفة في الفترة الحالية يصل إلى 188 من بين 600 منشأة خرجت عن الخدمة، وهي تستوعب أكثر من 3700 سرير.
50 ملياراً خسائر قطاع السياحة
مع بداية الحرب تراجع عدد السياح الوافدين إلى سوريا بشكل كبير، نتيجة الظروف الأمنية والعمليات العسكرية، إضافةً إلى العقوبات الغربية المشددة على دمشق، ومنع الشركات الغربية من إقامة أيّ علاقات اقتصادية مع الحكومة السورية، ليسجّل قطاع السياحة خسائر قياسية خلال السنوات الماضية.
وزير السياحة السوري محمد رامي مارتيني أكد أن القطاع السياحي خسر نحو 50 مليار دولار من عائدات السياحة، منذ عام 2011 وحتى العام 2019، حيث توقفت نحو 1500 منشأة سياحية عن العمل، بينها 1103 مطاعم و365 فندقاً.
وأوضح الوزير السوري أن 403 مواقع سياحية سورية تضرّرت بشكل كلي أو جزئي، كما فقد أكثر من 260 ألف عامل في قطاع السياحة وظائفهم.
واستمر توقّف القطاع السياحي في سوريا منذ بداية الأزمة حتى العام 2017، عندما تحسنت الأوضاع الأمنية في المحافظات الرئيسية، وفي تلك الفترة كانت السياحة الدينية رأس الحربة في خرق حالة الجمود التي شهدها القطاع السياحي، حيث بلغ عدد القادمين إلى سوريا بقصد السياحة الدينية خلال عام 2018 نحو 125 ألف سائح، بزيادة 50% عن عام 2017.
ويرى متابعون أن القطاع الذي أسهم لسنوات قبل الحرب بنحو 11% من الناتج المحلي الإجمالي محاصر بتحديات عديدة خلال الوقت الراهن، وأبرز تلك التحديات هي القيود الغربية المفروضة على الاقتصاد السوري والتي تمنع تطوير السياحة من بوابة جذب رؤوس الأموال الخارجية، والحد من إمكانية الحكومة السورية التواصل مع الشركات الأجنبية.