السوريّ علي محسن.. جريحُ حربٍ يحول قريته في مصياف إلى ورشة عمل زراعية
"مزحةً بسيطة من القدر" هكذا يصف الجريح النقيب الطيار السوري علي محسن إصابته (بتر ساقه) خلال المعارك، ويقول إنه اليوم "مزارعٌ وابن الأرض"، بعد اختياره مساراً جديداً ليواصل حياته ونشاطاته.
كيف يمكنُ أن يكون للجرح حواس؟ أن يرى ويتكلّم ويفعل؟ كيف يمكنُ له أن يتقن لغة الإرادة وفعل الإنجاز؟
أربعُ إصاباتٍ في المعارك ضد الإرهاب، لم يعتبرها الجريح النقيب الطيار علي محسن، سوى "مزحةً بسيطة من القدر"، ليعود بعد كل مرة ويتابع القتال، حتى أتى يومٌ صيفيّ لاهب من عام 2016، حمل فيه ساقه اليسرى المصابة، ودفنها في الصحراء على بعد 70 كم من مفرق أثريا-خناصر، واصفاً احتفاظه بساقه الأخرى "بالأعجوبة".
رحلةُ علاجٍ وتشافٍ طويلة مرّ بها الضّابط الشاب في الجيش العربي السوري، وأنهاها بأجمل الانتصارات، الانتصارُ على الوهم بأن لا قدرة على شيءٍ بعد، وأنّ الرحلة انتهت.
فريق تطوعي لخدمة قرية "بشنّين"
غير مكترثين لوعورة المنطقة، ينهي شباب "فريق قرية بشنّين التطوعي"، رشّ مبيدات الأعشاب حول مكب القمامة في قريتهم، كإجراءٍ احترازيّ لحماية الأراضي من خطرِ تعرضها للحرائق الموسمية، ويستريحون قليلاً مع مؤسس فريقهم الجريح النقيب الطيار علي محسن.
ويقول محسن للميادين نت: "قمتُ مع الفريق بكثيرٍ من الأعمال لخدمة أهل القرية، مثل تركيب عبارات طرقية اسمنتية في المناطق الوعرة، لمساعدة الفلاحين للوصول إلى أراضيهم، خصوصاً في الشتاء، إضافةً إلى حفرنا آباراً ارتوازية، ورفعنا للتلوث الذي أصاب مياه قريتنا، عدا عن حملاتنا السنوية لتنظيف الطرق وتسليك المصارف المائية والمطرية، وإزالة التّعديات عن الطرق العامة".
لا يُخفي الجريح الثلاثيني شعوره بالحزن، لأن الإصابة أبعدته عن ساحاتِ المعارك العسكرية، لكنه يتطلّع بحماس كبير، إلى أن يؤدي دوراً فاعلاً في معركةٍ أُخرى لا تقل أهمية، معركة تنمية وتطوير المجتمع.
ويشرح: "أؤمنُ بأهمية أن نكون كأفراد شركاء مع مؤسسات الدولة في النهوض بواقعنا الخدمي والاجتماعي، في ظل هذه الظروف الصعبة، لذلك أسّست هذا الفريق التطوعي الذي خطرت لي فكرته، بعد أن قمت بمسير على قدم واحدة من قريتي إلى دمشق، استغرقت فيه سبعة أيام وقطعت أكثر من 240 كم، لقد كان إثباتاً لنفسي أنني أستطيع فعل كل شيء".
ينهض محسن معلناً انتهاء استراحته، ويتجه ليتفقد أرضاً مساحتها 18 دونم، خصصتها البلدية بناء على طلبه كي يُبنى عليها نادٍ ريفي رياضي، يحتضن أطفال القرى البعيدة عن مركز المدينة، ويؤهلهم ويدربهم، ويقول: "النادي سيحتضن أيضاً الجرحى الذين يرغبون بممارسة هواياتهم الرياضية، وسيشكل فرصة لي أيضاً لأتابع تدريبي، حيث أنني ركّبت طرفاً خاصاً بالجري، وشاركت ببطولات محلية وعربية، على أمل أن أستطيع المنافسة في كأس العالم".
بنك وطني للأشجار وآخر للبذور قريباً
"مزارعٌ وابن الأرض" هكذا يصف الجريح النقيب الطيار علي محسن نفسه، وكما الكثير من المزارعين، شاهد ابن مصياف كيف أكلت النيران مساحاتٍ خضراء واسعة من أراضي منطقته التابعة لريف حماة وحولتها إلى رماد، لكنه تساءل: "هل يُمكنني إعادة الحياة إلى هذه الأرض، كما أُعيدت الحياة إلي بعد بتر ساقي؟".
لم يفكّر الجريح محسن في الإجابة كثيراً، فبادر عام 2019 إلى زراعة 5000 غرسة على مساحة 70 دونم خلال 70 يوماً لوحده، وعلى ساقٍ واحدة، ليصل عدد الغراس التي تم زرعها حتى نهاية 2020 إلى 14500 غرسة، بعد انضمام الكثير من المؤسسات والفرق التطوعية إلى حملته فيما بعد.
لكن الأمر لم ينته هنا، فهناك مشروعين متلازمين لبنك وطني للأشجار وآخر للبذور يحضّر لهما كي يتم إطلاقهما ويتحدث عنهما للميادين نت: "مشروعي يطلب من كل طالبٍ جامعي في سوريا، أن يرفقَ مع مشروع تخرجه إثباتاً يؤكد زراعته لغرسة واحدة على الأقل خلال سنواته الجامعية، فلو فرضنا أن عدد الخريجين كل عام هو 5000، نكون حصلنا خلال عشر سنوات على خمسين ألف شجرة تساهم في التوازن البيئي، ولها آثارٌ إيجابية جمالية وصحية واقتصادية كثيرة".
أما عن مشروع بنك البذور، الذي يستهدف المرتفعات الجبلية التي يصعب الحفر فيها، ويصعب الوصول إليها بسبب وعورة الطرقات، يقول شارحاً: "ولدت هذه الفكرة عندما كنا نقوم بالتجهيز لزراعة أحد المواقع الحراجية، حيث تعرضنا لصعوباتٍ فائقة في الحفر ونقل الغراس، لذلك قمنا بجمع البذور من تحت بعض أشجار البلوط والسنديان وقمنا بزراعتها، في حال زرعنا البذار وحصلنا على نسبة نجاح عشرة بالمئة، فهذا يعتبر إنجاز بالنسبة لتلك المناطق الوعرة والجبلية".
يبتسمُ ابتسامةً خفيفة ويختم قائلاً: "لو يعلم من فخّخ لي تلك العربة، أنّه لم يفجر عربة ولم يبتر قدم، بل فجر طاقةً وفجر منبعاً هائلاً للقوة، لأن ساقي الحديد، أصبحت بمئة ساق".