التضييق على المعارضة البحرينية.. التمييز يطال العمل الخيري أيضاً

تواجه الجمعيات الخيرية في البحرين عدداً من العقبات والمشكلات، وقد بدأت بالتصاعد في السنوات العشر الأخيرة. إلا أن أسوأ تلك المشكلات هو تعامل الحكومة البحرينية مع الجمعيات بأسلوب تمييزي قائم على الطائفية ولأسباب جلّها سياسية.

  • ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجمعيات الخيرية في البحرين؟
    ما هي أبرز التحديات التي تواجه الجمعيات الخيرية في البحرين؟

نظام التكافل الاجتماعي بين أفراد المجتمع البحريني المحافظ والمتعاون، بدأ على نحو عفوي قبل عشرات السنين، وتطور في الثمانينيات إلى فتح بعض التجار بيوتهم لسماع المشكلات المادية المتعثرة والمساعدة فيها، واشتغل نظام "زكاة الخمس" كذلك بمساعدة البحرينيين على نطاق واسع، مثل دعم نفقات الزواج وسداد بعض الديون وسوى ذلك.

وأول صندوق خيري رسميّ ظهر في البحرين، هو صندوق التكافل الاجتماعي، وذلك في منطقة السنابس عام 1983، وكان قبل ذلك يعمل بصورة غير رسمية، إذ بدأ العمل تحت مظلة نادي السنابس الرياضي عام 1962، ثم تغيّر اسمه إلى صندوق السنابس الخيري عام 1994، وانتشرت في التسعينيات موجة إنشاء الصناديق الخيرية في كل منطقة لتنظيم هذا العمل، وكانت تتصدرّه وجوه متّفق على نزاهتها وأمانتها.

وقد فرضت الحكومة البحرينية إلزامية تحويل الصناديق الخيرية إلى جمعيات، وفقاً للقرار الوزاري رقم (19) لسنة 2010، لكي تسمح وزارة التنمية للصناديق الخيرية بجمع الأموال والقيام بالنشاط الخيري بصورة قانونية. وبررت الوزارة القانون الجديد بأنه تنظيمي ويخرج الصناديق الخيرية من حال العشوائية في جمع الأموال وإدارة المساعدات إلى القوننة، وبذلك تطلب الوزارة قائمة مجالس الإدارة المنتخبين في الجمعيات الخيرية قبل أن تستطيع الأخيرة إقرارها، لأن موافقة الوزارة على أفراد مجلس الإدارة لكل جمعية شرط من شروط قانونية عمله.

ويصل عدد الجمعيات الخيرية المناطقية والمبرات والجمعيات العائلية إلى العشرات، وما من رقم رسمي واضح يحدّد عدد تلك الجمعيات والمبرات.

لكن تواجه الجمعيات الخيرية عدداً من العقبات والمشكلات، وقد بدأت بالتصاعد في السنوات العشر الأخيرة. إلا أن أسوأ تلك المشكلات هو تعامل الحكومة البحرينية مع الجمعيات بأسلوب تمييزي قائم على الطائفية ولأسباب جلّها سياسية، إذ تصبّ نار الخصومة السياسية مع عدد كبير من جمهور المعارضة على الجمعيات الخيرية، التي من المفترض أن يكون موضوعها إنسانياً بحتاً.

في هذا الصدد، تحدث أحد العاملين في هذا القطاع عن تفاصيل المشكلات التي تواجه الجمعيات الخيرية، وقال للميادين نت مبدياً تحفّظه عن ذكر اسمه: "هناك قائمة تضم على أقل تقدير 45 ألفاً من الممنوعين من العمل الخيري، استناداً إلى ما يعرف بقانون العزل السياسي، وهو القانون رقم (25) لسنة 2018، القاضي بمنع العاملين في الجمعيات السياسية المنحلة من القيامِ بأي نشاط سياسي أو اجتماعي"، ويضيف المصدر أن المعارضين للنظام البحريني يواجهون بموجب هذا القانون تحدياً صعباً في توفير أسماء مقبولة لدى الجهات الحكومية.

ويستند المصدر على مثال قائلاً: "إن عضو جمعية الوفاق أو جمعة أمل أو وعد أو المحسوب عليها، ممنوع من 5 أشياء هي: الترشّح للنيابي، والترشّح للبلدي، والترشّح لعضوية إدارة الجمعيات، والترشّح لعضوية إدارات الأندية، وهو ممنوع كذلك من الترشّح لغرفة التجارة، وقائمة الحرمان قد تتّسع مستقبلاً". وفق قوله.

ويؤكد المصدر لـ"الميادين" أن العدد 45 ألفاً هو أقل التقادير، لأن هناك قائمةً مسرّبة تضم 70 ألفاً، هم واقعون تحت طائلة هذا القانون، وهذه القوائم موجودة لدى جهاز الاستخبارات ووزارة العدل والجهات ذات العلاقة".

ويلفت إلى أن التحدي الثاني، الذي يواجه العمل الخيري في البحرين، هو "تشديد الرّقابة على حركة المال في الجمعيات، وصعوبة حصول الجمعيات على ترخيص جمع المال، مع العلم أن الترخيص مدته عام فقط وينتهي".

والصعوبة في الحصول على الترخيص مطلوب لأجلها "جهد بيروقراطي طويل جداً، وأحياناً الحرمان لأسباب سياسية أو مجهولة"، ويضرب مثالاً على الجميعات الخيرية، التي حرمت الترخيص من دون أسباب واضحة مثل جميعتي الدراز الخيرية وجمعية العكر الخيرية.

وتمعن الحكومة في سد الأبواب أمام فئة من المواطنين دون سواها، حتى في العمل الخيري. والتحدي الثالث وفق ما أدلى به المصدر: "أن التوزيع غير المتكافئ لمساهمات الشركات والمؤسسات الكبرى في القطاعات المصرفية والصناعية والخدمية، يمثل أهم التحديات، إذ إن مساهمات هذه المؤسسات تمثل القسم الأكبر من المال المساهَم فيه للعمل الخيري، وهذه المؤسسات منحازة إلى جمعيات أخرى مؤيدة للنظام، من بينها بنك البحرين الإسلامي، وبنك البحرين والكويت وبعض الشركات الصناعية".

أما تقلّص الرعاية الحكومية في التعليم والصحة والإسكان، وفي المقابل الانخفاض التدريجي في الطبقة الوسطى وتضخّم الطبقة الدنيا، فهو التحدي الرابع وفق ما صرح به المصدر.

وأضاف: "ما يزيد الضغوط على الجمعيات الخيرية، أنها تجد نفسها مضطرة إلى رصد موازنات للسكن والعلاج والتعليم .. لم تكن تتحمّلها في السابق. إذ إنه عند التحوّل إلى التعليم الإلكتروني في ذروة أزمة جائحة كورونا مثلاً، لم توفر المدارس والجامعات الحكومية حلولاً للأسر الضعيفة، واضطرت الجمعياتُ إلى توزيع حواسيب محمولة وما شابه، وهو ما جعلها تواجه تحدياً صعباً جداً".

لكن يؤكد المصدر العامل في القطاع الخيري، أن ثمة إيجابية كبيرة تتمثّل في التطور التكنولوجي، ويقول: "إنصافاً لا يمكن أن نغفل عن أن التطوّر الإلكتروني ووسائل التواصل الاجتماعي قدّما خدمة مهمة للجمعيات في الوصول إلى الناس. وتحشيدهم للتبرّع، بالاستفادة من أنظمة التبرع الإلكتروني الميسرة وفي مقدّمها البنفت بي".

يذكر أنّ الجمعيات الخيرية التي تعاقبها السلطة تعتمد اعتماداً كبيراً على التحشيد الإلكتروني لجمع التبرّعات للحالات الصعبة، خصوصاً حالات الأمراض، التي يحتاج علاجها إلى عشرات آلاف الدنانير، ومن حُسن الحظ أن الناس على الرغم من كلّ الضغوط يتفاعلون مع الحالات الإنسانية.