الأقليات الدينية والعرقية في الأردن.. عامل إثراء ثقافي وفكري
يتكوّن الأردن من طوائف وأعراق عدة، إلا أنها تعيش في تناغم كبير. ومع أن الدستور الأردني ينص على أن الإسلام هو دين الدولة، إلا أن قوانين البلاد تساوي على نحو كبير بين الأردنيين على اختلاف دياناتهم وأعراقهم في الحقوق والواجبات.
تتسم بلاد الشآم عموماً بنسيج اجتماعي فريد يتمتع بتعددية كبيرة في الأديان والأعراق. وعلى الرغم من المآسي التي تسبب بها الإرهاب والاستعمار من خلال استغلال هذه التعددية في زرع الفتن والاقتتال الداخلي لمصلحة الدول الغربية والعدو الإسرائيلي، بقيت هذه التعددية على مر التاريخ، وإلى يومنا هذا، عامل إثراء ثقافي وفكري وفني لهذه البلاد بفضل تعدّد العادات والتقاليد والقيم الإنسانية والدينية، ففيها تجد كل الطوائف المسيحية والإسلامية، إضافة إلى الموحّدين (الدروز) والبهائيين وغيرهم. وفي الأردن تجد التنوّع العرقي، الأصلي منه، والناجم عن هجرات، وصراعات في أماكن أخرى في العالم.
الأردن كغيره من بلاد الشام يتكوّن من طوائف وأعراق عدة، إلا أنها تعيش في تناغم كبير، وقلما تقع حوادث ومضايقات ذات خلفية طائفية، وإن وقعت تكون محدودة الأثر، لا تتجاوز الضوضاء على مواقع التواصل الاجتماعي، كما حدثت عام 2019 عندما احتفل البهائيون في عيد الميلاد الـ200 لباب المبشر، الذي أقيم في مقر الطائفة في العاصمة عمان، إذ أثار الحدث جدلاً في مواقع التواصل الاجتماعي، لكن في المجمل، نستطيع القول إن الأردن بلد يعيش حالة إيجابية بين أبنائه على اختلاف مشاربهم. ومع أن الدستور الأردني ينص على أن الإسلام هو دين الدولة، إلا أن قوانين البلاد تساوي على نحو كبير بين الأردنيين في الحقوق والواجبات.
المسيحيون بطوائفهم المتعدّدة هم أكبر وأعرق الأقليات في الأردن، فهم يشكّلون مئات الآلاف من الأردنيين يتنشرون في أغلب المحافظات، وعلى نحو أساسي في إربد، وعجلون، ومأدبا، والسلط، والعاصمة عمان. وتنتشر في الأردن عشرات الكنائس، أشهرها: كنيسة المخلّص الأرثدوكسية في عمان، وكنيسة الخضر الأرثدوكسية في السلط، وكنيسة الروم الكاثوليك في جبل اللويبدة في عمان، وكنيسة أصطفيان وبرج الناسك سمعان العمودي في قرية أم الرصاص، وكنائس تتبع لطوائف أخرى كاللاتينية وغيرها.
برز من بين المسيحيين الأردنيين شخصيات عدة في جميع المجالات، حيث شغل المسيحيون منذ تأسيس إمارة شرقي الأردن مناصب كثيرة في الدولة، من خلال شخصيات سياسية وازنة في الحكومات المتعاقبة. ويخصّص البرلمان الأردني للمسيحيين 9 مقاعد شغلتها شخصيات وطنية عروبية من أمثال النائبين السابقين: قيس زيادين وطارق خوري وغيرهما، وهما سعيا، خلال عملهما النيابيّ، لنبذ التطبيع ودعم المقاومة في الدول العربية ضد العدو الإسرائيلي.
كذلك كان للمسيحيين دور مهم في الأحزاب المعارضة ونشاطها، ومن أبرزهم: اليساري ناهض حتر الذي انخرط سنوات طوالاً في العمل السياسي من أجل العدالة الاجتماعية، إلى أن اغتاله إرهابي داعشي عام 2016.
ثقافياً، قدّم المسيحون الأردنيون كثيراً إلى الفن الأردني، فبرزت أعمال كوكبة من الفنانين الملتزمين من أمثال بطلة التغريبة، جوليت عواد، والفنان الكوميدي القدير، موسى حجازين الذي تناول قضايا الفقر والطبقية والفساد على مدى عقود.
ولا يمكن أن ننسى شخصيات تاريخية كالفدائية، تريز هلسة، التي ناضلت في صفوف الثورة الفلسطينية طوال سنوات.
أما الموحّدون (الدروز) فكان لهم حضور في الدولة منذ التأسيس، وكان أول رئيس مجلس وزراء لإمارة شرقي الأردن رشيد طليع المولود في لبنان عام 1877 والمنتمي إلى الطائفة الدرزية، إضافة إلى فؤاد سليم الذي عيّن قائد الأركان في الجيش العربي، وهو درزي لبنانيّ المولد أيضاً، ومنذ ذلك الحين شغلوا مناصب عديدة قي الدولة. يتفاوت عدد الدروز في الأردن، اليوم، بين 25 و30 ألفاً، وهم يعيشون في منطقة الأزرق في الصحراء الشرقية، وفي مناطق أخرى بما فيها العاصمة عمان.
التنوّع الديني في الأردن لا يقتصر على المسلمين والمسيحيين والدروز، فهناك طوائف أخرى مثل البهائية، إذ يعيش في الأردن -كما ذكرنا- عدد من أبناء الطائفة البهائية، التي نشأت في إيران في زمن الدولة القاجارية على يد حسين علي نوري، الملقب ببهاء الله، وهو استمد عقيدته من الديانة البابية، التي أسّسها علي محمد رضا الشيرازي، الملقب بالباب. يعتنق الديانة البهائية، اليوم، في العالم نحو سبعة ملايين شخص. في الأردن يتّسم الوجود البهائي بالتعايش السلمي والمواطنة الكاملة والانصهار في المجتمع الأردني، كمكوِّن مهم.
يعيش الأردن أيضاً تنوعاً عرقياً، فإضافة إلى المكوّن العربي الأساسي في المملكة يعيش فيها عدد من القوميات الأخرى أبرزهم: الشركس أو الأديغا، فبعدما هجّرهم القياصرة الروس من مواطنهم إلى أراضي الدولة العثمانية عام 1864، استقر كثير منهم في بلاد الشام، وخصوصاً في الأردن، حيث عمروا مناطق واسعة واندمجوا في المجتمع الأردني. كانت المهارات القتالية لديهم عاملاً مساعداً في انخراطهم في الدولة، حيث حظوا بمناصب في الجيش والأمن. كما أن الحرس الملكي الأردني مكوّن من الشراكسة، تميّز هؤلاء القوم بالزراعة ساعدهم على إقامة علاقة اقتصادية جيدة بالعشائر الأردنية البدوية، التي كانت تعتمد على تربية الماشية ما خلق تكاملاً في توفير الحاجات الغذائية، ويحظى الشراكسة في الأردن بامتيازات عدة من النواحي الثقافية، الاقتصادية، والسياسية، فكثير منهم يشغل مناصب عالية ووظائف حكومية.
يعيش الشراكسة أو الأديغا وفق نظام اجتماعي خاص بهم، وقانون تراثي يسمّى "الأديغة خابزة"، يوثّق العادات والتقاليد القديمة التي يقدسها الشركس، يحافظ عليها ويغذّي فيهم قيم الشجاعة والتواضع والكرم إلى اليوم. ويتميز المجتمع الشركسي بما يعرف بالمضافة الشركسيّة، أحد أهم الأسس التراثية. وهي مجلس تجتمع فيه علية القوم وكبار العائلات لمناقشة القضايا الطارئة ومعالجة الأمور الخاصة بمجتمعهم.
حافظ الشركس على هويتهم بالمحافظة على لغتهم وأزيائهم ورقصهم، الذي يحظى في مهرجان جرش بحضور دائم. واستمروا في ممارسة عاداتهم في الزوج المعروف "بزواج الخطيفة".
إلا أن الصورة الإيجابية لا تنطبق على الجميع، ففي الأردن يعيش نحو عشرين ألفاً من الباكستانيين منذ مطلع الستينيات في ظروف صعبة، وعلى الرغم من إقامتهم منذ عقود لا يتمتّعون بالجنسية، وقليل منهم يملك رخصة عمل، ويعمل الباكستانيون في الأردن في الزراعة، ويقطنون في أماكن بعيدة عن مراكز الدولة الحيوية تفتقر إلى الخدمات الأساسية.