استبدال مصطلحات دينية وحذف محطات تاريخية.. تعديلات على المناهج في سوريا
شكّلت خطوة إجراء تعديلات على المناهج السورية قلقاً لدى الرأي العام، لجهة محاولة إدخال طابع ديني متشدد على المناهج بدايةً،وتالياً على المجتمع السوري بالكامل، وهذا الأمر تنفيه الإدارة الجديدة، والتي تؤكد على رغبتها في بناء سوريا الجديدة القائمة على التعددية.
"سبب التعديلات ليس علمياً، بل لدواعٍ إيديولوجية إسلامية تمّت وفقها مراجعة المناهج، وأنا أرفض ذلك في الكتب العلمية"، بهذه الكلمات عبّر الناشط السوري خالد إدريس من خلال منشور له عبر فيسبوك عن استيائه من خطوة وزارة التربية والتعليم في الحكومة السورية المؤقتة تعديل فقرات جوهرية في المناهج الدراسية بشكلٍ مفاجئ.
الوزارة أعلنت مساء الأربعاء 1 كانون الأول/يناير، إدخال تعديلات على المناهج الدراسية لجميع المراحل التعليمية، بدءاً من مناهج الصف الأول الابتدائي وصولاً إلى الصف الثالث الثانوي.
وقالت الوزارة في بيان لها: "قررنا إلغاء مادة التربية الوطنية الحالية من المناهج الدراسية والامتحانات لهذا العام، نظراً لما تحتويه من معلومات مغلوطة تهدف إلى تعزيز الدعاية لنظام الأسد المخلوع وترسيخ قواعد حزبه".
وشملت التعديلات إعادة صياغة بعض العبارات، وإزالة أو تعديل صور ورسومات في عدد من الكتب المدرسية، بالإضافة إلى حذف نصوص وفقرات. وكان العنوان العريض لهذه التعديلات هي حذف كل ما يتعلق بنظام الأسد وحزبه، بما في ذلك ما يهدف إلى تقديسه وتلميع صورته، إلا أن هذه "التصحيحات" توسعت لتشمل مواد أخرى أيضاً.
ونشرت وكالة الأنباء السورية قوائم تحتوي على تفاصيل هذه التغييرات، التي تضمنت حذف بعض العبارات واستبدالها بأخرى، حيث وجّهت وزارة التربية والتعليم السورية بحذف ما يتعلق بـ "تمجيد نظام الأسد البائد"، مع اعتماد صور علم "الثورة السورية" في جميع الكتب المدرسية.
ما هي أبرز التعديلات؟
التعديلات التي أعلنت عنها وزارة التربية والتعليم السورية شملت نواحٍ عديدة، منها العبارات الدينية مثل استبدال جملة "من يفعل واحدةً من هذه الكبائر مستحلاً لها فجزاؤه في الآخرة"، لتكون "مستحلاً لها فقد كفر وجزاؤه في الآخرة النار"، و استبدال عبارة "أن يبذل الإنسان روحه دفاعاً عن وطنه" بعبارة "دفاعاً عن الله"، وتغيير تفسير "الصراط المستقيم" من "طريق الخير" إلى "طريق الإسلام"، واستبدال عبارة "الشهداء ضحوا للدفاع عن الوطن" بعبارة "في سبيل الله"، إضافة إلى تعديل تفسير "المغضوب عليهم والضالين" من "ضلوا طريق الخير" إلى "اليهود والنصارى"، مع حذف كلمة "القانون" من جملة الالتزام بالقانون والشرع.
إلى جانب ذلك، حذفت الوزارة العديد من الأحاديث النبوية في مختلف المراحل الدراسية "بسبب إسنادها الضعيف" على حد تعبيرها، واستبدلت عبارة "علي كرّم الله وجهه" بعبارة "علي رضي الله عنه". كما شملت التعديلات إزالة كلمات مثل "إله"، "آلهة"، "الآلهة الآرامية"، "الربة الأم"، و"ربة الينبوع" و"كانت المرأة معبودة"، وحذف جملة "إعدام قادة الحركة الوطنية في السادس من أيار عام 1916"، والتي نفذها جمال باشا السفاح في العاصمة السورية دمشق، وحذف فقرة "جور العثمانيين" و"في ظل سلطة عثمانية غاشمة"، وإلغاء ذكر زنوبيا وخولة بنت الأزور باعتبارهما "شخصيات خيالية من كتاب التربية الدينية".
وأيضاً، تم إقرار إزالة صور آلهة تاريخية كالإله مردوك، حمامة ترمز للآلهة، والكرسي الرسولي "سلطة بابا الكنيسة الكاثوليكية"، ونصب الجندي المجهول. ومن الفقرات التي تم حذفها من المنهاج السوري كل ما يتعلق بنظرية التطور، وتطور الدماغ، ودرس أصل الكون والحياة على الأرض.
انتقادات واسعة
التوقعات كانت تشير إلى إمكانية اقتصار التعديلات على حذف فقرات متعلقة بنظام الأسد وحزب البعث، ليتبيّن لاحقاً أنها امتدت لتشمل حذف أجزاء مهمّة من مواد التاريخ والفلسفة وعلم الحياة والديانة الإسلامية، ما زاد من حدّة الانتقادات على مواقع التواصل الاجتماعي لخطوة وزارة التربية والتعليم.
وكتب الصحافي شارلز عبد العزيز عبر فيسبوك: "لن نسمح بتلويث مستقبل الجيل الجديد وتراجع مستوى التعليم وتعزيز التعصب والانغلاق الفكري وإبعاد سوريا عن المعايير الدولية، ومن غير المقبول أن تضيف الحكومة الحالية صلاحيات من خارج المطلوب منها"، وأضاف عبد العزيز: "حين نصل إلى حكومة دائمة متوافقة يمكن حينها إشراك مختصين من التوجهات كافة عند تعديل المناهج لتجنب فرض أيديولوجية معينة على حساب قيم التنوع ورفع مستوى العلم والبحث وتغيير كل طريقة التعليم الببغائية في سوريا ونسفها تماماً".
البعض انتقد التعديل على المناهج لجهة عدم قانونية الإجراء من قبل حكومة "تسيير أعمال"، والتي لا تملك الصلاحيات للقيام بخطوات مماثلة، وإنما يقتصر دورها على متابعة العمل في القطاعات المختلفة إلى حين تشكيل حكومة دائمة، من دون اتخاذ قرارات استراتيجية أو سنّ قوانين أساسية.
وفي هذا الاتجاه كتب الصحافي حازم عوض عبر صفحته الشخصية في فيسبوك: "الأخطر من تعديل المناهج، عدم وعي شريحة واسعة بعدم شرعية هذا التعديل من قبل حكومة تسيير أعمال، وخطورة الكثير من التعديلات على تاريخ ومستقبل الأجيال وأخذ القضية بهزلية وسطحية؛ فهنا لا نتحدث هنا عن كتاب البعث وفكر الأسد وما إلى ذلك من أدلجة إن وضعت أو حذفت لن يتغير شيئاً".
ناشطون قالوا إنّ تغيير المناهج يتطلّب توافقاً شعبياً بين السوريين، وهذا الأمر لا ينطبق فقط على الجانب التعليمي، وإنما يشمل القواعد والقوانين كافّة المتعلقة ببناء سوريا الجديدة. حيث كتبت سونا كسّار في فيسبوك: "تغيير المناهج التعليمية عملية تحتاج لما قبلها من اتفاق على شكل ونظام الدولة، والتخطيط، وتشكيل لجان مختصّة، وهذه المراحل عملياً قد تستغرق سنوات، والتصرّف العاجل المنطقي المقبول من وزارة التربية ويتفق عليه الجميع هو الإشارة إلى الصفحات التي تمجّد النظام السابق ورموزه وحذفها من المنهج بوضع إشارة X على الصفحات، وأكثر من ذلك ستُدخل الحكومة المؤقتة ووزارة التربية نفسها في عملية كبيرة جداً ليست مستعدة لها من كل الجوانب".
الوزارة ترد
الانتقادات الكبيرة للتعديلات عبر مواقع التواصل الاجتماعي دفعت وزير التربية والتعليم نذير القادري في الحكومة المؤقتة للرد عليها والتأكيد: "إن المناهج الدراسية في جميع مدارس سوريا ما زالت على وضعها حتى تُشَكَّل لجان اختصاصية لمراجعة المناهج وتدقيقها، وقد وجّهنا فقط بحذف ما يتعلق بما يُمجّد نظام الأسد البائد واعتمدنا صور علم الثورة السورية بدل علم النظام البائد في جميع الكتب المدرسية، وما تم الإعلان عنه هو تعديل لبعض المعلومات المغلوطة التي اعتمدها نظام الأسد البائد في منهاج مادة التربية الإسلامية، مثل شرح بعض الآيات القرآنية بطريقة مغلوطة، فاعتمدنا شرحها الصحيح كما ورد في كتب التفسير للمراحل الدراسية كافة".
لقد شكّلت خطوة إجراء تعديلات على المناهج السورية قلقاً لدى الرأي العام، لجهة محاولة إدخال طابع ديني متشدد على المناهج بدايةً، وتالياً على المجتمع السوري بالكامل، وهذا الأمر تنفيه الإدارة السياسية الجديدة في سوريا، والتي تؤكد على رغبتها في بناء سوريا الجديدة القائمة على التعددية؛ وبين القلق الشعبي والكلام الحكومي تبقى الأيام المقبلة هي الكفيلة بتحديد مستقبل سوريا.