أورتاكوي.. الحيّ التاريخي في إسطنبول المتأرجح جماله بين آسيا وأوروبا
يعد حي أورتاكوي في إسطنبول مركزاً رئيساً للجذب السياحي، وأضحى أكثر الأماكن شهرة للتجمعات على مدار العام للسكان المحليين والسياح على حد سواء.
يقع حي "أورتاكوي" المفعم بالحركة والحياة في الجانب الأوروبي من مدينة إسطنبول، ويتمتع بإطلالة فريدة على الطبيعة الخلابة لمضيق البوسفور، ويترك التاريخ بصمات واضحة متجذرة في المكان، يصبغه تناغم أخّاذ نابض بامتزاج الثقافات.
هذا التأثير المبهج للمكان يعبر عنه جاندان آكسو تركي من أهل أورتاكوي فيقول: "المنطقة تتمتع بجمال طبيعي وتاريخي ما يجعلها مبهرة وقريبة إلى القلب، كما أنها تجمع بين تركيا القديمة والحديثة، فتستطيع شم عبق الماضي وعيش الحاضر في مكان واحد".
ويعد الحي مركزاً رئيساً للجذب السياحي، وأضحى أكثر الأماكن شهرة للتجمعات على مدار العام للسكان المحليين والسياح على حد سواء، يقول آكسو في حديثه إلى الميادين نت: "الكثيرون يأتون إلى أورتاكوي، وعندما أدقق في وجوه الناس أرى مدى انبهارهم وسعادتهم وهم يتمشون في الأزقة أو يتصورون بجوار المسجد".
الاستمتاع بمشاهدة البحر
وتحت جسر أورتاكوي "شهداء 15 تموز"، وهو أحد الجسور الثلاثة التي تربط شطري المدينة الأوروبي والآسيوي، يقف الناس يتأملون مياه البحر المتلألئة، ويراقبون السفن في غدوها ورواحها وسط أمواج البوسفور، ويتطلعون إلى الشطر الآسيوي الذي يرنو بدوره إليهم بقصوره وبيوته المبنية فوق محيط أخضر ممتد، يرتفع عن البحر بتؤدة ليبلغ القمة.
لوحة رائعة مزجت بين إبداع الخالق وصنع الإنسان، لا يخبو بهاؤها وجمالها مع الزمن، تظل ترمقها باستمتاع ودهشة كأنها المرة الأولى، على الرغم من وقوفك أمامها مرات، بل إن سكان المكان لا يفتر تعلقهم بالمنظر مهما طال بهم المكوث، يقول آكسو الخمسيني للميادين نت: "أهلي يعيشون منذ زمن بعيد في أورتاكوي، لقد ولدت وكبرت هنا، دائماً ما آتي إلى الساحة لاستنشاق الهواء النقي بدلاً من الجلوس في القهوة ومتابعة التلفاز، الاستمتاع بالمنظر يأسرني، بالنسبة إلي أورتاكوي لم تتغير على مدى السنين ما زلت أراها رائعة".
مسجد أورتاكوي المعلم الأبرز
واكتسبت ساحة أورتاكوي أهمية خاصة لقربها من ثلاثة مبانٍ رئيسة هي: "مسجد أورتاكوي" و"كنيسة أيوس فوكاس" و"كنيس عتز أهايم" التي تمثل الديانات السماوية الثلاث، وتلتقي في انسجام وتكامل مع مجموعات البناء الأصلية في المنطقة المحيطة.
والعنصر المعماري الأبرز في الساحة الذي يعطيها وجهها المميز هو مسجد "مجيدية الكبير" نسبة إلى السلطان عبد المجيد، الذي بناه عام 1854 ميلادياً، والمسجد المعروف حالياً بـ"مسجد أورتاكوي"، يعد تحفة فنية رائعة بزخارفه ونقوشه المميزة المائلة إلى اللون الزهري، والذي يقف شامخاً على حافة البوسفور تماماً لافتاً الأنظار إليه، ومانحاً النفس انطباعاً محبباً.
الحرف اليدوية في حضرة التاريخ
وأصحاب الحرف اليدوية موجودون بحضرة التاريخ، فعلى زاوية المسجد تعرض أينور بالابان دمى كبادوكيا، وهي عرائس مصنوعة يدوياً من أقمشة وموادّ تركية خالصة. في حديثها إلى الميادين نت قالت بالابان: "عمري 63 عاماً، بدأت العمل في سوق الحرف اليدوية في أورتاكوي، وما زلت أصنع الدمى والأساور هنا في المكان نفسه وفي الزاوية نفسها منذ 40 عاماً، قد يكون الإقبال والطلب قل محلياً، لكن ما أصنعه ما زال يلقى رواجاً من قبل السياح الذين يحبونه ويستمتعون باقتنائه".
وتعد ساحة أورتاكوي مقراً لعشاق الأشغال اليدوية، حيث تسمح البلدية بإقامة بسطات في يومي السبت والأحد من كل أسبوع، لتشجيع أصحاب الحرف اليدوية على تقديم قطع مميزة لا تجدها في أماكن أخرى، كالعرائس التقليدية، والمطرزات والملابس والمنسوجات والمفارش والأغطية التي صنعت يدوياً على نحو كامل، وتمثل الصناعات اليدوية سلعة رائجة للتسوق، خصوصاً لدى السياح الذين يجدونها مميزة وتستحق الشراء.
الفنانون وإلهام الطبيعة الخلابة
كذلك تعد ساحة أورتاكوي موطناً لتشجيع الفنانين والرسامين المغمورين، وتسهل تقديم فنونهم ودمجهم في محيط عمل ملائم، فترى إبداعاتهم التي رسموها على الخشب والمعدن والأصداف، والتي تتخذ أشكالاً متعددة: لوحات واكسسوارات وفواصل للكتب وغيرها من المنتوجات المميزة، ويعرضونها على الأتراك والسياح بأسعار زهيدة في متناول الجميع.
الرسامة سيفغي تشلبي التي ورثت الموهبة عن جدها وأخوالها لم تتمكن من الدراسة النظامية والخروج إلى المجتمع رسمياً، لكنها استطاعت تنمية موهبتها واحتراف الرسم وتقديم أعمالها للبيع من خلال بسطة في أورتاكوي.
تقول تشلبي في حديث إلى الميادين نت: "لدي صديقة رسامة اقترحت علي أن نفتح بسطة معاً في أورتاكوي، منذ ذلك الوقت أرسم على اللوحات والقطع المعدنية من أساور وعقود وفواصل الكتب وغيرها، ونبيع هذه الرسوم والقطع. هذه الصناعات اليدوية تجذب السياح وتعجبهم. أرى رغبة وإقبالاً على ما أقوم بعرضه من أكسسوارات ورسوم".
وأضافت في بيان تجربتها مع العمل في المكان: "في البدء كنت أشعر بالخجل من فكرة أخذ النقود والتعامل مع الناس، ولكن الآن ألفت الأمر أكثر، كما أن أورتاكوي تعد منطقة تاريخية ومطلة على البوسفور فيمكنك بيع بضاعتك والاستمتاع بالمنظر الملهم الخلاب".
أحجار كريمة وتذكارات من السوق الشعبي
من أهم معالم المنطقة وأكثرها ارتياداً السوق الشعبي، ويضم عدداً من المحالّ الصغيرة المتلاصقة، التي صمّمت على شكل أكواخ خشبية ترتص بعضها إلى جانب بعض، حيث يستطيع الزائر شراء الإكسسوارت التركية التقليدية والفضيات، إضافة الى التحف والتذكارات الصغيرة التي يستطيع السائح حملها إلى أصدقائه وأسرته.
وتعد الأحجار الكريمة من أجمل الهدايا التي قد يحملها الزوار إلى محبيهم، وتتباين أنواعها وأشكالها وأحجامها وألوانها، ويصنع بعضها يدوياً، ما يجعلها تكتسب قيمة وتفرداً.
ويقبل أكثر الناس على شرائها لشكلها المميز، فيما يهتم آخرون بفوائدها ومعانيها، تقول فيدان غنش بائعة أحجار كريمة للميادين نت: "بدأت بصنع الاكسسوارات المختلفة، ومنها المصنوع من الأحجار الكريمة منذ عام 1995 ميلادياً، أصنع ما قد ينال إعجاب الزوار والسياح، غالباً ما يشتري الناس الإكسسوارات المصنوعة من الأحجار الكريمة لمنظرها الجميل، ولكن ثمة من يعرف المعاني والطاقة التي يحملها كل حجر ويقومون بشرائها على هذا الأساس".
الكومبير هو الطبق المثالي
تتنوع الأطعمة المقدمة في أورتاكوي وتتعدد، ولكن يبقى الكومبير الطبق المفضل على الإطلاق، فعشرات الأكشاك متراصة في مدخل الساحة كلها مخصصة لبيعه، وترى الزوار بمعظمهم مواطنين وسياحاً يحملون أطباق الكومبير ويتجهون إلى المقاعد في مقابل البحر، حيث تجمتع لذة الطعام وجمال المنظر. ومن المؤكد للجميع أن تناول الكمبير في أورتاكوي ليس كتناوله في مكان آخر.
والكومبير عبارة عن بطاطا مشوية، يستخدم فيها الحجم الكبير من دون تقطيع أو تقشير، وبعد الشوي يضاف إلى اللب وهوساخن الزبدة والجبنة ويتم مزج المكونات حتى تكتسب قواماً ساحراَ وطعماً مميزاً، ثم تغطى بالسلطات والصوصات والمخللات بحسب الطلب.
ويشير أردال دوغان صاحب محل لبيع الكومبير إلى علاقة خاصة تربط أورتاكوي بهذا الطبق، فيقول في حديثه إلى الميادين نت: "منذ زمن بعيد كان المكان مكتظاً بأكشاك الجوزليمي (فطائر الصاج) وعربات المحار، لم يكن هنا إلا محل أو محلان لبيع الكومبير، ثم مع قدوم السياح وإعجابهم بالكومبير وترجيححهم له، حوّل الجميع محالّهم لبيع الكومبير، وهكذا أصبح مشهوراً جداً هنا، وزاد إقبال الناس عليه من الأتراك والسياح، حتى إن بعض الناس قد يأتون إلى أورتاكوي فقط لتناول الكومبير".
لحظات استثنائية في أحضان البوسفور
وتمثل الجولة البحرية في أورتاكوي ومحيطها أجمل الفقرات، فتمنح الزائر ساعة استثنائية يقضيها في أحضان الطبيعة بين القارتين آسيا وأوروبا، ومعها يجول في أروقة التاريخ حيث الأبنية والقصور التاريخية مصطفة على جانبي البوسفور كقلعة رومالي وقصر السلطانة أسما ومبنى البرلمان العثماني.
وأجمل اللحظات في هذه الجولة مشاهدة الغروب في أحضان البوسفور، ثم العودة إلى أورتاكوي حين يحل الظلام، فيستقبلك المسجد بطلته البهية، وأنوار الجسر تغمر المكان الذي يتحول عندئذ إلى مهرجان مفتوح بأسواقه ومقاهيه ومطاعمه وزواره الذين يعج بهم المكان.
وتبدي آمنة رشيد سائحة من كازاخستان إعجابها بالمكان، وفي حديثها إلى الميادين نت تقول معربة عن سعادتها: "هذه أول مرة أزور فيها تركيا، أتيت إلى هنا مع مجموعة من أصدقائي في الجامعة، سمعنا كثيراً عن منطقة أورتاكوي فكانت من المناطق ذات الأولية بالنسبة إلينا، مكان جميل ومبهر فعلاً، أحببت الناس هنا، كما أنني أختبر تجارب جديدة ومشاعر مختلفة في هذا المكان الذي يميزه السوق والكومبير والرحلة البحرية".
الموسيقى والصور التذكارية متعة إضافية
والاستمتاع بالموسيقى متعة إضافية يقدمها المكان للزائر. وبينما تتأمل المنظر الرائع وتستنشق الهواء العليل تتناول وجبتك من الكومبير في الصيف، أو تتناول السحلب الساخن في الشتاء. وتستطيع أن تستمتع بالموسيقى والأغاني التي يقدمها العازفون الجوالون.
وفي آخر المطاف الصور التذكارية، حيث يوثق الزوار لحظات البهجة والمتعة وأبرز المعالم، ولا ينسون التقاط الصور وهم يتناولون الكومبير مع أصدقائهم.