أهالي شهداء البحرية اليمنية يتحدثون للميادين نت عن "الموت المبارك" فداءً لفلسطين
الميادين نت تتحدث إلى عدد من أهالي الشهداء العشرة الذين تمّ الإعلان عنهم بعد استهدافهم خلال عملية التصدّي لسفينة "غلاكسي ليدر"، واقتيادها في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
تجمع اليمن وفلسطين اليوم مظلوميةٌ واحدة ولُحمةٌ متماسكة، وما بينهما دماءٌ جرت ودفقت لتعمّد القضية وتوثّقها، فلا تكتمل أركان النصر إلا بتضحيات ذويها.
أكثر من ألفَي كيلو متر تفصل بين اليمن وفلسطين إلا أن اليمنيين يرون أن المسافة لا تعدو كونها مجرد بُعدٍ جغرافي لا أكثر، فيما تلتحم معها بالدم والتضحية، وما جمعته القضية لا يفرّقه عدوان.
حتى الأمس القريب، ما زالت اليمن تزفّ شهداءها واحداً تلو الآخر، فلا يوجد بيتٌ إلا وعبق الشهادةِ يفوح منه، والرضا يملأ نفوس أبنائه فخراً بأنّ دماء شهدائهم تصنع النصر، ليس للبلد فقط، بل للأمة بأكملها.
ذوو شهداء البحرية اليمنية يؤكدون تمسكهم بالقضية
أحداث 7 أكتوبر أشعلتْ الحماس في نفوس أبناء الشارع اليمني، وفي ظل الهدنة ورغم أنّ الساحة وقتها كانت تشهد تحرّكاتٍ في إطار المفاوضات السياسية لإيقاف الحرب والعدوان وفك الحصار على اليمن، لم يتردّد الشعب اليمني في إعلان موقفه ومساندته ودعمه للشعب الفلسطيني ومقاومته.
وحين شنّ كيان العدو الصهيوني عدوانه على غزة، كانت اليمن في قلب الحدث غير آبهةٍ بتبعات موقفها المساند لطوفان الأقصى.
في 31 كانون الأول/ديسمبر 2023، في منطقةٍ تبعد عن ساحل البحر الأحمر نحو 100 كيلو متر، قام العدو الأميركي باستهداف مجموعة من المجاهدين من أبناء القوات البحرية اليمنية الذين كانوا على متن زوارقهم البحرية يمارسون مهامهم لحماية حركة الملاحة والتصدّي للسفن الإسرائيلية والداعمة لها.
الشهداء العشرة الذين تمّ الإعلان عنهم تمّ استهدافهم بعد عملية التصدّي لسفينة "غلاكسي ليدر"، واقتيادها في 19 تشرين الثاني/نوفمبر 2023.
أحد هؤلاء الشهداء هو عبد الملك الطالبي، الشاب الملثّم الذي ظهر على متن سفينة "غلاكسي ليدر"، وهو يطلق شعار الصرخة عقب اقتحامها، يقول عبد السلام الطالبي ابن عم الشهيد للميادين نت: "نشأ الشهيد عبد الملك في بيئة إيمانية تربّت على ثقافة الجهاد والاستشهاد، فهو أخ لشهيدين أحدهما استشهد في حرب صعدة الأولى، والآخر كان من قادة البحرية ومؤسسيها واستشهد في 2017".
وعن تعطّشه للجهاد وروحيّته المتشبّعة به يقول الطالبي: "انطلق الشهيد عبد الملك في ريعان شبابه، كان يحمل روحية تتوق للجهاد وتأبى الضيم. كان لديه وعي عالٍ وتعلّق كبير بكتاب الله والمشروع القرآني الذي قدّمه الشهيد القائد السيد حسين بدر الدين الحوثي".
فيما يشير إلى أن الظلم المرتكب بحق أبناء غزة كان دافعاً للشهيد عبد الملك في تحرّكه، وأنه باستشهاده بات مصدر فخر واعتزاز لأسرته.
والدة شهيد البحرية علي أبو طالب هي الأخرى تتحدّث للميادين نت بفخر واعتزاز عن ولدها بالقول: "ولدي ليس حديث العهد في ميادين الجهاد، انطلق مذ كان عمره 13 عاماً مع بدء العدوان على اليمن في عامه الأول. كان في طفولته عاشقاً للجهاد والشهادة يتوق لحمل السلاح ومحاربة العدو".
وتؤكد في حديثها أنه ورغم صغر سنه إلا أنه كان حريصاً على التوفيق بين العلم والجهاد، معتبراً العلم ساحة جهادٍ أيضاً: "كانت همّته للعلم كما هي للجهاد، يحرص على تنمية معارفه ومهاراته في مجالات مختلفة وعلى دراسة لغات أخرى أيضاً. أما اهتماماته فكانت مختلفة تماماً عن اهتمامات أبناء جيله!".
وعن استحالة التنازل عن القضية تقول نجوى أبو طالب أخت الشهيد علي للميادين نت: "في ظلّ العدوان على غزة وأمام المجازر البشعة التي يتعرّض لها الفلسطينيون، نشهد تخاذلاً مخزياً من الأعراب والمطبّعين مع كيان العدو، لذا فالمشاركة في هذه المعركة شرفٌ عظيم لن نتنازل عنه".
وتضيف: "العدوان على فلسطين واليمن كشف ادعاءهم وتشدّقهم بحقوق الإنسان. أين حقوق الإنسان وهو يُقتَل بسلاحٍ أميركي؟!".
اقرأ أيضاً: العميد سريع يكشف تفاصيل احتجاز القوات اليمنية سفينة إسرائيلية في البحر الأحمر
التحام الدم والقضية
موقف اليمن مما يجري اليوم في غزة ليس وليد اللحظة، بل هو نتاج ثقافةٍ اشتعل فتيلها في الـ 17 من كانون الثاني/يناير 2002، حين أطلق مؤسس حركة أنصار الله السيد حسين بدر الدين الحوثي صرخته في وجه المستكبرين، ودعا إلى ضرورة أن تتحرّر الشعوب من سطوة قوى الاستكبار العالمي، وأن تكون القضية الفلسطينية هي القضية المركزية التي ينبغي أن يتحرّك الجميع في إطارها، ولأجل ذلك شُنّت وقتها على محافظة صعدة حرباً عدوانية استمرت 6 سنوات.
ترسّخت هذه الثقافة منذ اندلاع الحرب على اليمن في 2015، وانطلاق كثير من الشبّان إلى ميادين الجهاد، مردّدين: "معركتنا المقبلة فلسطين".
هكذا رسم أبناء اليمن صورة مستقبلهم، يدركون ويعون جيداً أنّ المسار لن ينتهي حتى تحرير الأرض المحتلة ودحر الصهاينة، ففلسطين حاضرة معهم في كل معركة يخوضونها وكأنها سلّم الصعود إلى معركة أخرى يتوقون فيها لحربٍ مباشرة مع "إسرائيل" وحلفائها.
وتعبيراً عن تكامل مسيرة الشهداء، تقول والدة الشهيد علي حسين الكبسي، أحد شهداء عملية "البنيان المرصوص" عام 2020، للميادين نت: "ولدي الشهيد منذ اليوم الأول للعدوان انطلق للجهاد حاملاً القضية الفلسطينية على عاتقه، معتبراً أنها القضية الأساسية".
وتؤكد حتمية التمسّك بالقضية بالقول: "نحن أهالي الشهداء لن نتخلى عن القضية الفلسطينية. لن نستسلم أو نتنازل عن قضيتنا الأولى".
مباركة وتأييد شعبي
إن المواقف التي تتبنّاها اليمن تجاه القضية الفلسطينية ومظلومية الشعب الفلسطيني تتردّد على ألسن الحشود المجتمعة في كل يوم جمعة في تظاهرات شعبية، تدعم وتؤيّد وتساند وتبارك ما تقوم به القوات المسلحة اليمنية، لتعكس التلاحم الشعبي الذي تصدّر المشهد مع بدء عمليات طوفان الأقصى، وهذا ما أكده نصر الدين عامر رئيس وكالة سبأ للأنباء للميادين نت: "اليمن اليوم تمر بمرحلة من التلاحم الشعبي لم يسبق لها مثيل، وعملياتنا تحظى بمباركة شعبية ولا تزال الأصوات الشعبية تطالب بالمزيد".
كما أشار إلى أن "الاستهداف العدواني الذي تمارسه قوى العدوان الأميركي البريطاني هو سلوك صهيوني يعبّر عن خضوع الإدارتين الأميركية والبريطانية للوبي الصهيوني. وأنّ من حق قواتنا التحرّك في المياه الدولية والمساهمة في رفع الظلم عن أبناء غزة".
كما أكد أن لا مبرّر للعدوان الأميركي البريطاني على الشعب اليمني، كون خطوط الملاحة لا تتضرّر بالمطلق من جرّاء استهداف السفن التابعة والداعمة للعدو الإسرائيلي.
لم يقبل اليمن أن يكتفي برسم ملامح مستقبله فقط متجاهلاً ما يجري في غزة. شعارات اليمنيين طوال السنوات الماضية لم تكن مجرد يافطات وعناوين يتشدّقون بها كذباً، فقد أثبت الواقع وبالدليل العملي القاطع أن اليمن الذي ظل يدافع خلال السنوات الماضية عن حقه، إنما كان يدافع أيضاً عن حق الشعب الفلسطيني في العيش بحرية واستقلال، فالقضية الفلسطينية مبدأ ديني وإنساني وأخلاقي وقيمي بالنسبة لليمنيين.
إضافة إلى أنه كان لا بدّ من جولةٍ ثانية تُوقظ العالم، تهزّه، تعرّفه من الجلاد ومن الضحية، تنصف الأشلاء التي تراكمت تحت ركام تسعِ سنواتٍ لم يسمع بها العالم!