أكثر من مليون نازح في 3% من قطاع غزة.. لا حياة في المواصي
تفتقر "المواصي" لأدنى مقوّمات وأساسيات الحياة الإنسانية، وبالرغم من أنها وجهة النازحين؛ إلا أن مساحتها البالغة 12 ألف دونم، لا تكفي لهم، خاصة وأنها عبارة عن كثبان رملية صحراوية، ومنطقة مفتوحة وليست سكنية، وبعمق كيلو متر واحد فقط.
ساعات طويلة يقضيها النازح من شمال قطاع غزة، سعيد أبو جلالة، للحصول على كميات قليلة من المياه لا تكفي لعائلته المكوّنة من 12 فرداً، سواء للاستخدام اليومي أو للشرب، في المنطقة التي يزعم الاحتلال الإسرائيلي أنها "إنسانية وآمنة".
أبو جلالة، يتحرّك سيراً على الأقدام عدة كيلومترات يومياً، داخل منطقة المواصي التي تمتد من مدينة دير البلح وسط القطاع وحتى رفح جنوباً بمساحة لا تتعدى الـ3% من مساحة القطاع، والتي تشهد تكدّس أكثر من مليون نسمة فيها.
بغالونات وزجاجات بلاستيكية يعمل أبو جلالة واثنين من أطفاله لم تتجاوز أعمارهما العشر سنوات، على نقل المياه من نقاط أنشأتها مؤسسات إغاثية دولية، لا تكاد تكفي لأقل من نصف النازحين، خاصة وأن المواصي تفتقر للحد الأدنى من البنى التحتية.
يتصبّب أبو جلالة عرقاً وهو يؤكد أن منطقة المواصي عمّقت أزمات النازحين، وأجبرتهم على العيش في ظروف غير آدمية، علاوة على أنها منحت الاحتلال الإسرائيلي مبرّراً أمام العالم لاستمرار حربه على القطاع.
ولا يجد النازح الفلسطيني، وفق ما يؤكد لـلميادين نت، أدنى مقوّمات الحياة في المنطقة الرملية التي لم تُجهّز يوماً لإيواء السكان، وتفتقر إلى أدى المرافق الأساسية والآبار والمراحيض، مبيّناً أن حياة النازحين في المواصي "جحيم لا يطاق".
ويفيد أبو جلالة، بأن الأوضاع في المواصي ازدادت سوءاً مع ارتفاع أعداد النازحين في المنطقة في إثر اجتياح "جيش" الاحتلال الإسرائيلي مدينة رفح، ما يضطرهم لإيجاد بدائل مرهقة للتعامل مع ظروف الحياة اليومية التي فرضتها الحرب.
وعلى مدار أشهر نزوحه، يشير أبو جلالة إلى أنه تمكّن من الاستحمام مرات قليلة للغاية، أكثرها كان يعتمد على مياه البحر المالحة، وهو الأمر الذي تسبّب له ولجميع أفراد عائلته بأمراض جلدية، لم يجدوا لها علاجاً بسبب نقص الأدوية.
تفتقر "المواصي" لأدنى مقوّمات وأساسيات الحياة الإنسانية، وبالرغم من أنها وجهة النازحين؛ إلا أن مساحتها البالغة 12 ألف دونم، لا تكفي لهم، خاصة وأنها عبارة عن كثبان رملية صحراوية، ومنطقة مفتوحة وليست سكنية، وبعمق كيلو متر واحد فقط.
خيام بين أكوم القمامة
وفي جانب آخر من جوانب المعاناة الإنسانية للنازحين في المواصي، تعيش عائلة صالحة بين أكوام القمامة المكدّسة على جانبي خيمتهم، التي نزحوا إليها حديثاً عقب العملية في رفح.
وتتكدّس القمامة كجبال شاهقة بين خيام النازحين في المواصي، وتؤدي أشعة الشمس الحارقة ودرجات الحرارة العالية لتحلّلها بشكل أسرع، وانتشار الذباب والحشرات الضارة بكثافة داخل الخيام، علاوة على الرائحة الكريهة.
النازح محمد صالحة، يفيد الميادين نت، بأن "أكوام القمامة المكدّسة بين خيام النازحين تسبّبت بأمراض خطيرة للنازحين، خاصة الأطفال، الذين أصبحوا زوّاراً دائمين للنقاط الطبية، علاوة على تفشي الأمراض الجلدية".
يعاني الآلاف من النازحين في مخيمات المواصي من مخاطر صحية بسبب تراكم القمامة، والتي يتعذّر التخلّص منها بسبب استمرار العدوان الإسرائيلي على قطاع غزة، وهو الأمر الذي ينذر بكارثة كبرى، وفق صالحة.
تزداد حياة النازحين صعوبة بسبب القمامة، وفق ما يؤكد النازحون، فهم فقدوا القدرة على النوم أو الحياة بحدودها الدنيا بسبب الرائحة الكريهة والحشرات والبعوض، علاوة على فقدان أدنى مقوّمات النظافة الشخصية، وهو ما يزيد من مآسيهم في حرب تقترب من شهرها الثامن على التوالي.
تدفّق أعداد هائلة
وتشير تقديرات الأمم المتحدة، إلى أن منطقة المواصي كانت تؤوي نحو 450 ألفاً من النازحين، في حين تضاعف أعدادهم على أثر النزوح الأخير، والتي كانت تؤوي مليوناً ونصف مليون نازح.
ومنطقة المواصي غير مؤهّلة من الناحية العمرانية والمدنية لاستقبال 10% من أعداد السكان النازحين الذين لجأوا إليها على أثر الحرب وتضاعفت أعدادهم مؤخراً، ولا يوجد فيها أدنى الاحتياجات الإنسانية، وفق ما يؤكد مدير الإعلام في لجنة طوارئ خان يونس، صائب اللقان.
ويقول اللقان للميادين نت إنّ "الطواقم الإغاثية والمدنية العاملة في مختلف المناطق لا يمكن لها التعامل مع الأزمة الإنسانية في المواصي، خاصة وأنه لا توجد شبكات مياه أو صرف صحي، ولا مكان ملائماً لنقل النفايات إليه، خاصة وأن مكبات النفايات موجودة في المناطق الشرقية للقطاع.
ويشير إلى أن طبيعة المنطقة الزراعية لم يجرِ أي تطوير مدني عليها منذ انسحاب "جيش" الاحتلال الإسرائيلي من القطاع عام 2005، كما أن عدد سكانها قليل وجميعهم من أصحاب الأراضي الزراعية.
وأوضح اللقان أن "هذه المنطقة قبل الحرب، لم يكن فيها سوى فئتين: المزارعين والصيادين، لكنها اليوم تعجّ بمئات آلاف النازحين"، مشيراً إلى أن ذلك ستكون له نتائج كارثية على البيئة والتربة، وعلى السكان، كما أن استخدام الحفر الامتصاصية بدلاً عن شبكات الصرف الصحي سيكون سبباً في تدمير المياه الجوفية في المواصي.