أسر مصرية تعيش بـ40 سنتاً يومياً.. هل يحسّن "تكافل وكرامة" مستوى المعيشة؟

تنفق الحكومة المصرية حوالى 3 مليار و140 مليون جنيهاً مصرياً (نحو 62 مليون دولار أميركي) على برنامج "تكافل وكرامة"، الذي أطلق قبل حوالى 9 سنوات بدعم صندوق النقد الدولي، وأُقرّ مؤخراً بقانون، ويستفيد منه ما يزيد عن 5 ملايين أسرة.

  • أسر مصرية تعيش بـ40 سنتاً يومياً.. هل يحسّن
    أسر مصرية تعيش بـ40 سنتاً يومياً.. هل يحسّن "تكافل وكرامة" مستوى المعيشة؟

"برنامج "تكافل وكرامة" لا يكفي لشراء كيلو واحد من اللحوم، الذي يبلغ ثمنه حوالي 470 جنيهاً أي أكثر من 9 دولارات، لكن وجوده أفضل من عدمه"، هكذا بدأت غادة جابر حديثها للميادين نت، بلهجتها العامية ذات اللُكْنَة الصعيدية، لحظة سؤالها عن البرنامج الذي أطلقه الرئيس المصري عبد الفتاح السيسي في آذار/مارس 2015، ووافق البرلمان مؤخراً على إنشاء صندوق حكومي له بقانون خاص، وذلك كأول برنامج دعم نقدي لدعم الأسر الفقيرة بالبلاد.

تسكن جابر، في قرية صغيرة تدعى "بني أحمد"، تتبع محافظة أسيوط، صعيد مصر، وتعمل في صناعة الصابون ومنتجات النظافة، لإعالة أسرتها المكونة من 5 أفراد بالإضافة إلى زوجها محمد الدريني، من ذوي الإعاقة، إذ فقد إحدى ساقيه في حادثة كادت تودي بحياته.

دخلها المحدود وعدم امتلاك أسرتها أرض أو عقار، ومع إعالتها 3 أطفال بمراحل تعليمية مختلفة، أهّلها لتكون ضمن المستفيدات كإمرأة معيلة، لكنها تقول إن "قيمة ما تتقاضاه يتآكل حاليا كلماً ارتفع التضخم وزادت أسعار السلع بشكل جنوني".

وتنفق الحكومة المصرية حوالى 3 مليار و140 مليون جنيهاً مصرياً (نحو 62 مليون دولار أميركي) على البرنامج الذي أطلق قبل حوالى 9 سنوات بدعم صندوق النقد الدولي ويستفيد منه ما يزيد عن 5 ملايين أسرة، إذ تقدم الحكومة من خلاله مساعدات نقدية مشروطة لمساعدة الأسر الفقيرة والأكثر احتياجاً، وفق وزارة التضامن الاجتماعي المصرية. وتستفيد حوالى 2.5 مليون سيدة من برنامج "تكافل وكرامة"، وفق إحصائية في شباط/فبراير 2021، منهن 18 بالمائة من السيدات المُعيلات وإن كان معاش كل سيدة مُعيلة حوالى 17 دولاراً شهرياً (845 جنيهاً).

من جهتها، تتقاضى منى حسن، الأربعينية التي تعول أربعة أبناء في مراحل التعليم الأساسية، حوالى 650 جنيهاً (حوالى 13 دولار) بعد أن ظلت حوالى 4 سنوات على قوائم الانتظار لدى وزارة التضامن الاجتماعي لضمها للبرنامج، برغم إدراكها أن قيمة المبلغ لا تناسب حجم نفقاتها، لكنها اعتبرته من المداخيل المهمة لأسرتها التي  تساهم ولو بقدر ضئيل في دفع الإيجار أو فواتير الكهرباء والمياه".

ملامح منى حسن، السمراء كبنات النيل الذي يفوح من جوفه عبق التاريخ يماثل روائح حي السيدة زينب الشهير بالقاهرة، والذي تسكنه داخل شقة سكنية مكونة من صالة وغرفة وحمام ومطبخ صغيرين، لا تزيد مساحتها عن 40 متراً، وتقول للميادين نت، إن "المبلغ كان له جدوى قبل عامين لشراء حاجيات البيت من لحوم وسلع، لكن حالياً بالكاد يكفي لشراء كيلو وربع من اللحوم أو ما يزيد عن فرخة واحدة".

تحاول منى حسن، التي تعمل ربة منزل، وتتولى مسؤولية الإنفاق على أسرتها بعد انفصالها عن زوجها قبل أربعة أعوام، التأقلم مع ارتفاع أسعار السلع والمعيشة، وبينما تشعر أن قيمة المعاش لم ترتفع بالنحو الذي يواكب تفاقم الأعباء الأسرية، وتقتصد في النمط الغذائي للأسرة حيث باتت البقوليات الوجبة الرئيسية بعيداً من اللحوم والدواجن والأسماك، التي بالكاد تتحصل الأسرة عليها إما من منافذ بيع اللحوم الحكومية رخيصة الثمن كل شهرين، أو بمساعدات الغير، مُعقّبة: "ربنا بيرزقها من الأسر الميسورة وولاد الحلال في الأعياد والمناسبات".

ولم تتحسن أحوال المرأة المصرية في ظل الأزمة الاقتصادية التي تمر بها البلاد، خصوصاً العاملات في البيوت والبائعات بالأسواق وصاحبات المشاريع الصغيرة اللاتي لا يشملهن التأمين الاجتماعي، الذي يغطي تحت مظلته 880 ألف سيدة مُعيلة فقط من أصل 3.3 ملايين أخريات.

مساعدات مشروطة

اللغة المفعمة بالمرارة و خريطة الفقر التي ترسم وجه والتجاعيد التي تكسوه، تدفعك للتساؤل عن مدى قدرة تحمل العامل البسيط محمود خليل، ضخامة مسؤولية أسرة مكونة من 7 أفراد بينها 3 فتيات في مراحل تعليمية مختلفة، وفتى من ذوي الإعاقة يحتاج إلى عناية خاصة.

لم تشمل الرجل ذو الجسد النحيل والستيني، العامل بإحدى ورش الخراطة بمنطقة المنيرة بالقاهرة، أي مظلة تأمين اجتماعي لعمله في مهن غير منتظمة، ما حرمه من الحصول على معاش حكومي، ومع تفاقم معاناته يجد صعوبة في توفير دواء زوجته المريضة بداء السكري، في ظل التضخم وزيادة أسعار الأدوية بحوالى 400 بالمائة، لكن حصوله على بعض الإعانات من جمعيات خيرية توفر له هذا الدواء وتمنحه بعض السلع الغذائية، جعلته يقاوم حتى الآن أمام تلك المأساة الطاحنة، ويضيف:" لولا ستر الله لا أقدر على العيش ولا أعلم إلى متى سأظل صامداً".

تقدم محمود خليل، وهو لا يستطيع توفير حد الكفاف لأسرته، بأوراقه لبرنامج "تكافل وكرامة" ليحصل نجله أحمد، وهو يعاني من إعاقة ذهنية، على المعاش، لكن وبعد مرور عامين كاملين لم يحصل على تلك الجنيهات حتى الآن. ويضيف للـميادين نت: "قدمت شكاوى عدة وحتى الآن لم نتلق أي رد بحجة أن الحالة يتم دراستها، برغم تطابق الشروط كافة على ابني، وبرغم زيارات ممثلي وزارة التضامن إلى بيتي".

وانتقد البنك الدولي عام 2022، الذي يقدم دعمًا ماليًا لمصر لإطلاق هذه المعاشات، ضعف التغطية الحالية للفئات الهشة، حيث يُقدر أن نحو نصف الفقراء خارج تغطية "تكافل وكرامة" لوجود أخطاء واستبعاد بعض المستحقين.

40 سنتاً دعم للأسر المصرية

ومنذ أيام وافق البرلمان المصري، على إنشاء صندوق حكومي باسم "تكافل وكرامة"، تودع فيه موارده وتؤول إليه جميع أرصدة الصندوق المركزي لمساعدات الضمان الاجتماعي والمساعدات الاستثنائية سواء التبرعات والهبات والعطايا والمنح والوصايا التي يتلقاها من الهيئات والأفراد، ومنح مؤسسات التمويل الدولية وغيرها.

ووضع القانون شروطاً جديدة في "قانون التضامن الاجتماعي" للوصول إلى معاشات تكافل وكرامة، بينها: عدم حيازة أراض زراعية (نصف فدان أو أكثر)، أو ملكية عقارية أكثر من المسكن، أو تلقي مساعدات منتظمة من جمعيات أهلية بقيمة 400 جنيه فأكثر، وخلال السنوات الماضية تم حذف آلاف الأسر من البرنامج بذريعة تحسن مستواها المعيشي أو زيادة مداخيلها بعيداً من البرنامج، أو لوجود بعض حالات الفساد ومحسوبية منحت المعاش لغير مستحقين.

لكن وفي بلد يقبع نحو 30 مليون مصري تحت خط الفقر يستحقون تلك المنحة تعطيها الحكومة لـ20 مليونًا فقط، يرى الخبير الاقتصادي، إلهامي الميرغني، في حديثه للـميادين نت، أن "الحل الوحيد هو توفير الحد الأدنى لتكاليف المعيشة وإتاحة فرص عمل حقيقية والقضاء على البطالة والفقر"، مشيراً إلى أن" تكافل وكرامة وأي تدابير حكومية بخلاف القضاء على أسباب الفقر نفسها مجرد مسكنات لا تمنع سقوط الكثيرين في مجتمع الفقر".

ويرى البرلماني المعارض ضياء الدين داود، في حديث للميادين نت، أن المعاش "لم يعد يساوي سعر كيلو لحمة، فهو أقل من 10 دولارات شهرياً أي أقل من 40 سنتاً في اليوم الواحد"، متسائلاً: "كيف تعيش 5 ملايين أسرة بهذا المبلغ؟"، ولفت إلى أن "الكارثة الكبرى هي تحويل الدعم العيني إلى نقدي".

مساعدة 22 مليون مصري

خلال العام الجاري، تم استبعاد آلاف الأسر ورفض طلبات ملايين للحصول على هذا المعاش الذي يحصل بمقتضاه المواطن على دعم نقدي يُصرف شهريًا، ومجانية التعليم، فضلاً عن دعم غذائي.

ووفق وزيرة التضامن الاجتماعي السابقة نيفين القباج، في تصريحات سابقة، فإن "تكافل وكرامة ليس معاشًا إنما مساعدة، وتتجاوز قيمته 1000 جنيه (20 دولاراً)،  لأنه يشمل إجمالي ما يحصل عليه المواطن من مزايا، كدعم تمويني وخبز ومجانية التعليم".

ويقول النائب أحمد فتحي، وكيل لجنة التضامن بالبرلمان المصري، إن برنامج تكافل وكرامة حقق نجاحات كبيرة منذ عامه الأول، لذا قررت الحكومة تحويله من برنامج إلى قانون وإيجاد حوكمة للاستحقاق، لافتاً إلى أن "من ينطبق عليه تعريف واحد مما وضعه القانون لخريطة الفقر والمرأة غير المعيلة والمعيلة يستحق المعاش".

أما أحمد عبد الرحمن، رئيس إدارة الحماية الاجتماعية في وزارة التضامن الاجتماعي، فيقول إنه يجري العمل على ضم جميع حالات الضمان الاجتماعي إلى البرنامج مع بداية عام 2025، بهدف تمكين المواطنين من العيش الكريم وإعادة توزيع الموارد لمصلحة الفئات الأكثر فقراً.

وأشار عبد الرحمن في حديث للميادين نت، أن "تكافل وكرامة يستهدف عبر شروط فائقة الدقة المناطق الأشد فقراً والأكثر احتياجاً، كما تمت تنقية بياناته ومد مظلة الحماية الاجتماعية لتشمل أكبر قدر من الأسر الفقيرة".