"بلاد السِّنْد".. بنغلاديش التي "انفلشت" بالفنّ والأيدي العاملة

بنغلاديش دولة العرقية الثالثة في العالم بعد شعب هان الصيني والشعب العربي. دخلها الإسلام منذ القرن الأول الهجري، عبر التجار المسلمين. واستطاع شعبها خلق تعايش متحضر في ظل مساحة محدودة وطبيعة متقلبة.

  • أرض البنغال المسلمين.. بنغلاديش التي
    أرض البنغال المسلمين.. بنغلاديش التي "انفلشت" بالفنّ والأيدي العاملة

جمهورية بنغلاديش الشعبية أو أرض البنغال. تقع جنوبي شرقي آسيا (جنوبي شبه الجزيرة الهندية)، وتشكل مع الولاية الهندية في غربي البنغال منطقة البنغال العرقية الكبرى. والبنغاليون يمثلون الأغلبية فيها، إلى جانب عرقيات أخرى أقل عدداً، بمن فيها العرب الوافدون منذ القِدَم. 

كانت حضارة وادي السند، التي انتشرت وازدهرت في الجزء الشمالي الغربي في الفترة بين عامَي 3300 و1300 قبل الميلاد، في شمالي الهند وباكستان وأفغانستان، أول حضارة كبرى في جنوب آسيا. ثم نشأت ثقافة حضرية متطورة ومتقدمة لاحقاً، وفقاً لعالم الأنثروبولوجيا غريغوري بوسيل. وتُعَدّ حضارة وادي السند منطلق الثقافات والديانات المتعددة لجنوبي آسيا، التي تتكوّن من أفغانستان، وبنغلاديش، وبوتان، والهند، وجزر المالديف، ونيبال، وباكستان، وسريلانكا. 

توصف بنغلاديش كونها أكثر البقاع اكتظاظاً بالسكّان، ويبلغ تعداد سكانها نحو 175 مليوناً، بحسب إحصاءات العام الحالي، في حين تُقدَّر مساحة البلاد بـ148,460 كيلومتراً مربعاً، وهي مساحة صغيرة لا تتوافق مع عدد السكان الكبير، مقارنة بعدد من الدول الأخرى في العالم٠ وتُعَدّ بنغلاديش الدولة السابعة في العالم من حيث عدد السكان، وتدخل في مقدمة الدول ذات الكثافة السُكّانية الكبيرة.

الإسلام والتجّار

دخل الإسلام بنغلاديش منذ القرن الأول الهجري، عبر التجّار المسلمين. وهناك من المؤرخين مَن يشير إلى القرن السادس الهجري. ويُشكّل المسلمون حالياً الأغلبية، ونحو 90 في المئة من السكان، إلى جانب أتباع ديانات أخرى، في مقدمتها الهندوسية، بحكم الجوار مع الهند.

وتشير جغرافية البلاد إلى وعورة جعلتها معزولة ومحافظة على موروثاتها العرقية والثقافية٠ وعلى رغم حدودها مع الهند في كل الجهات (ما عدا جهة الجنوب الشرقي)، فإن شعبها ظلّ محافظاً على ديانته الإسلامية، كما صعب على الاستعمار الحديث، خلال الحقب الماضية، التأثير سلباً في واقعها الإسلامي ومجتمعها المحافظ، على رغم جهوده وتأثيره في جوانب أخرى. ويشار في هذه الحيثية إلى ارتباط بنغلاديش، سياسياً واجتماعياً، بباكستان، إلى أن أدت متغيرات سياسية إلى انفصالها عن باكستان عام 1972، بدعم هندي، بسبب ما  بين الدولتين (الهند وباكستان) من خصومات وتنافس إقليمي.

مقاومة الطبيعة

  • زلزال سابق بدرجة 5,5 في بنغلاديش
    زلزال سابق بدرجة 5,5 في بنغلاديش

تُعَدّ الزراعة مورداً حيوياً في الاقتصاد  البنغالي، ويعمل في قطاعاتها أكثر من ثلث قوة العمل في البلاد، وتُساهم في 12 في المئة من الناتج المحلّي الإجمالي لبنغلاديش. 

ونتيجة للزحف المعماري، والمتغيرات الاقتصادية والاجتماعية، تتقلص مساحة الأرض المتاحة للزراعة تباعاً، الأمر الذي ينعكس سلباً على معظم الأسر الريفية التي تعاني أصلاً نقصاً في الأراضي الصالحة، نتيجة العامل الطبيعي في البلاد٠

ويمثّل الأرز والقمح والبقوليات والفواكه والخضروات أهم المحاصيل، بينما يفتقر قطاع الزراعة إلى المعدات الحديثة، إلى جانب الحاجة المُلحّة إلى الحلول التي تُتيح مقاومة المناخ والظروف الطبيعية.

يشكّل التغير المناخي في بنغلاديش تهديداً كبيراً للسكان، إذ يؤدي إلى تفاقم كوارث، مثل الفيضانات، والأعاصير، والانهيارات الأرضية. وشهدت البلاد فيضانات كثيرة خلال العقود السابقة، وتضرّر من الأعاصير والفيضانات أكثر من 40 مليون شخص في بنغلاديش خلال الأعوام الخمسين الماضية، الأمر الذي كان له أثر سلبي في الإنتاج الزراعي والنمو الاقتصادي، إلى جانب تداعيات انعكست على الطبقة الفقيرة.

العِرق البنغالي الآري

  • يُعدّ العرق البنغالي المرتبة الثالثة كأكبر مجموعة عرقية في العالم
    يُعدّ العِرق البنغالي في المرتبة الثالثة كأكبر مجموعة عرقية في العالم

يُشكّل البنغاليون أكبر مجموعة إثنية في بنغلاديش، تُقدّر بـ99% من سكان البلاد، كما أن هناك 100 مليون بنغالي في الهند يشكلون 7% من إجمالي سكانها، بالإضافة إلى ولاية البنغال الغربية. 

ينتمي الشعب البنغالي إلى العِرق الآري الهندي، الذي يسكن منطقة البنغال في جنوبي قارة آسيا، وتحديداً في الجزء الشرقي من شبه القارة الهندية. وانقسمت هذه المنطقة حالياً إلى منطقة بنغلاديش والولايات الهندية التي تشمل البنغال الغربية، والتي يُشكّل فيها البنغاليون الأغلبية في وادي براك وأسام السفلى، وتِرِبُورة وبعض الأماكن في  مَنِبور.

ويُعَدّ العِرق البنغالي في المرتبة الثالثة كأكبر مجموعة عرقية في العالم، بعد شعب هان الصيني والشعب العربي. كما ينقسم البنغاليون إلى أربعة شعوب، وفقاً لأربع ديانات فرعية رئيسة. وهذه المجتمعات هي البنغاليون المسلمون، والبنغاليون الهندوس، والبنغاليون المسيحيون، والبنغاليون البوذيون.

تُعَدّ اللغة البنغالية، أو كما يطلقون عليها "اللغة البنجالية"، سابعة أكثر اللغات انتشاراً في العالم، وهي لغة من اللغات الهندية الآرية. كما يُعَدّ الأدب البنغالي، عبر تاريخه الممتد إلى أكثر من ألف عام وتراثه الشعبي، أحد أبرز التقاليد الأدبية وأكثرها تنوعاً في القارّة  الآسيوية.

زهور الزنبق والهملايا  

  • يعتبر نشاط تربية الزهور وتسويقها من المهن التقليدية المشهور بها أهالي بنغلاديش
    تُعَدّ زراعة الزهور وتسويقها من المهن التقليدية المشهورة في بنغلاديش

يوصف الشعب البنغالي بالودّ والمعايشة مع الزوّار الأجانب، كما يُعرف عنه حبّه للفنون والآداب والموسيقى. وتتمتع البلاد بتراث غني من الأطعمة والمشروبات الشعبية، ويمثّل الأرز والأسماك أغذية رئيسة في المائده البنغالية٠

وزراعة الزهور وتسويقها من المهن التقليدية، والتي يشتهر بها أهالي بنغلاديش. وجاء ذلك نتيجة للظروف الطبيعية الصعبة وقلة الموارد، والمنافسة في سوق العمل، وخصوصاً النساء، بحيث اتجهت قطاعات من النساء إلى امتهان بيع زهور الزنبق، التي تُزرع في قمم جبال الهملايا.

ونجح هذا النشاط الزراعي في استيعاب قطاعات كبيرة من النساء، ليمثل فرص عمل حقيقية للفقراء. وعلى مستوى آخر، أدى اكتشاف السياح الأجانب مواقع تلك الزهور في قمم الجبال إلى إضافة مَعلَم سياحي، ضاعف ازدهار الاقتصاد المحلي، وانعكس على الواقع الاجتماعي.

تحوّل منتظَر

  • أدت الاحتجاجات في بنغلاديش إلى موت 300 شخص، وجرح الآلاف
    أدت الاحتجاجات في بنغلاديش إلى موت 300 شخص وجرح الآلاف

وشهدت بنغلاديش، خلال الأسابيع الأخيرة، احتجاجات طالبية بسبب نظام الحصص في الوظائف الحكومية والمحسوبية السياسية. وما لبثت الاحتجاجات أن تحولت إلى مواجهات دامية بين الشرطة والمحتجين، الذين طالبوا باستقالة رئيسة الوزراء الشيخة حسينة واجد، التي تولت رئاسة الوزراء مدة 20 عاماً، بينها 15 عاماً على التوالي.

إزاء هذه الأوضاع الملتهبة، والتي أدت إلى موت 300 شخص، وجرح الآلاف، وحملات اعتقال واسعة، وتحرك حشد كبير من المحتجين نحو مكان إقامة الشيخة حسينة في العاصمة داكا، اضطرت الشيخة حسينة إلى الاستقالة والفرار نحو الهند إلى حين حصولها على اللجوء في بريطانيا بعد موافقة لندن، تاركة البلاد في أيدي الجيش والحكومة الموقتة، التي يَرئِسها الاقتصادي محمد يونس، الحاصل على جائزة نوبل للسلام، والمقرب إلى الحزب الديمقراطي الأميركي.

شهدت البلاد مع ولاية الشيخة حسينة نوعاً من الاستقرار السياسي، ونمواً اقتصادياً، إذ يُعَدّ الاقتصاد البنغلاديشي أحد أسرع اقتصادات المنطقة نمواً، لكنها اتخذت إجراءات صارمة ضد المعارضة والإعلام والمجتمع المدني. وهو كان سبباً في ازدياد النقمة عليها، وعزوف قوى المعارضة عن المشاركة في الانتخابات، التي جرت بداية العام الحالي.

خلال فترة وجيزة لا تتعدى 50 عاماً، تمكن سكان بنغلاديش من أن يتغلبوا على عوامل الطبيعة، من فيضانات وانحسار في الأراضي الزراعية، مستفيدين من جوار بلدهم للدول الناهضة في آسيا (الهند، وباكستان، وسنغافورة)، ومن الكثافة السكانية، وتوافر الأيدي العاملة. ووضعت المؤسسات الاقتصادية العالمية بنغلاديش في قائمة الدول الإحدى عشرة المتوقع نموّها اقتصادياً في المستقبل.

وفي سياق موازٍ، يشكِّل المغتربون البنغاليون (المغتربون البنغلاديشيون والبنغاليون الهنود) مجتمعات راسخة في باكستان والولايات المتحدة الأميركية والمملكة المتحدة وكندا والشرق الأوسط واليابان وكوريا الجنوبية وماليزيا وسنغافورة وإيطاليا. وانعكس دورهم إيجابا على بلدهم، الذي يشكّلون أحد أسباب نموّ اقتصاده، إلى جانب اقتصادات آسيوية جبارة.