أرباح بآلاف الدولارات.. اليمنيون يقاومون الحصار بإنعاش أراضيهم
عاد آلاف اليمنيّين إلى قراهم من أجل استصلاح الأراضي الزراعية أو استئجار أراضٍ من الغير وزراعتها، وساعدهم في ذلك التوجّه العامّ لحكومة صنعاء الذي ركّز على تشجيع الزراعة وتوفير متطلّبات إنعاش هذا القطاع.
بعد أربعة أعوام من التخبّط بين مشاريع صغيرة تقليدية لم تُحقّق له أدنى مستوى من الاستقرار المعيشي، قرّر الأربعيني حمود المسلماني مغادرة العاصمة صنعاء والعودة إلى قريته في منطقة قاع الحقل في محافظة إب، وسط اليمن، لاستصلاح أرضه المهجورة منذ ما يقارب 20 عاماً.
يقول المسلماني لـلميادين نت: "كانت السنوات الأصعب في حياتي، لقد وصلت إلى مرحلة لم أستطع دفع إيجار منزلي في صنعاء، وهذا ما قادني للتفكير بالعودة إلى القرية وزراعة أرضي المهملة منذ سنوات"، في الموسم الأول عام 2019 استلف المسلماني ثمن بذور البطاطس من أحد أقاربه، لأنه لم يكن يمتلك قيمتها، وزرع ما يقارب 30% فقط من الأراضي التي يمتلكها.
حصل بعد ذلك على بعض النصائح والإرشادات من مكتب الزراعة في مدينة يريم القريبة من قريته، بالإضافة إلى تعاون بعض المزارعين ليكون موسمه الأول مبشّراً، عندما باع المنتج بما يقارب أربعة ملايين ريال (2000$)، وعلّق على ذلك قائلاً إن "إيراد الموسم الأول شجّعني على استصلاح باقي الأرض التي أمتلكها، والآن أقوم باستئجار بعض الأراضي لزراعتها".
وبحسب المسلماني أصبح إيراده السنوي يتجاوز - في بعض المواسم - 50000$ بعد أن تعدّد نشاطه الزراعي ليشمل الخضروات والبقوليات والأعلاف وبعض الحبوب، كما أصبحت قصته ملهمة للكثيرين من أبناء منطقته، "عاد العشرات منهم لزراعة أراضيهم وحقّقوا مكاسب مرضية جداً في وقت قصير".
المسلماني واحد ضمن ملايين المواطنين ممن ساهم العدوان والحصار على اليمن في تدهور مستوى معيشتهم وإيقاف مصادر أرزاقهم، خاصة أولئك المقيمين في المدن مثل العمال والموظفين وأصحاب المشاريع الصغيرة كالبقّاليّات والمقاهي وسيارات الأجرة وغيرها.
الأمر الذي دفع الكثيرين للعودة إلى الأرياف واستصلاح الأراضي الزراعية أو استئجار أراضٍ من الغير وزراعتها، ساعدهم في ذلك التوجّه العامّ لحكومة صنعاء الذي ركّز على تشجيع الزراعة وتوفير متطلّبات إنعاش هذا القطاع الذي تعرّض للإهمال على مدى عقود ما تسبّب في هجرة الكثير من المزارعين إلى المدن وبالتالي تراجع الإنتاج الزراعي والحيواني.
وترجمة لهذا التوجّه، تمّ إنشاء عدد من المؤسسات التنموية العامّة والخاصة المعنية بتشجيع ودعم الاستثمار في المجال الزراعي، وعلى رأسها تشكيل اللجنة الزراعية والسمكية العليا التي تعمل على عدة محاور، ابتداء بإجراء الدراسات الميدانية وتشجيع المبادرات المجتمعية الزراعية والحيوانية وعقد الشراكات مع القطاع الخاص وتوفير الاحتياجات والمساهمة في الإرشاد الزراعي.
نشاط مجتمعيّ
فقد الثلاثيني رياض الحسام وظيفته كسائق في إحدى الشركات التي اضطرّت في عام 2019 إلى تقليص الموظفين في العاصمة اليمنية صنعاء بعد تراجع نشاطها نتيجة استمرار العدوان والحصار على اليمن.
وعلى مدى عام ونصف العام بحث الحسام عن وظيفة أُخرى من دون جدوى، واضطرّ خلالها لبيع سيارته الشخصية وجزء من أثاث منزله من أجل توفير لقمة العيش لعائلته المكوّنة من زوجة وأربعة أطفال، حتى أدّت المصادفة دورها معه عندما عاد إلى قريته في منطقة الحيمة التابعة لمحافظة صنعاء بغرض بيع جزء من الأرض التي ورثها عن والده من أجل إعالة أسرته في صنعاء.
يقول الحسام لـلميادين نت: "صادف وجودي في القرية مع إقامة دورة تدريبية للمزارعين حول رعاية شجرة اللوز وتجويد منتجها، تنظّمها مبادرة مجتمعية تحت رعاية السلطة المحلية، واقترح عليّ أحد أبناء القرية حضور الدورة التدريبية".
غادر الحسام الدورة وقد تغيّر موقفه وقرّر العودة إلى القرية والاهتمام بما تركه له والده من مدرّجات مزروعة بشجر اللوز اليمني، شجّعته على ذلك روح العمل الجماعي التي لمسها في تعامل المزارعين عندما وعدوه بتقديم المساعدة على مختلف المستويات، على حد وصفه.
مرت خمسة أعوام وأصبح الحسام يقدّم خدماته للعائدين الجدد من أبناء منطقته، بعد أن أصبح خبيراً في رعاية شجرة اللوز وتسويق منتجها. ويختتم حديثه بقوله: "لقد فقدنا الكثير عندما تركنا أرضنا للإهمال، وجاء الوقت الذي يجب أن نعيد لها قيمتها ونجني ثمارها فالأرض تعطي من يعطيها".
في هذا السياق، يشير الإعلامي والباحث في الإنتاج الزراعي يحيى الربيعي إلى أن الجهات الرسمية والمبادرات المجتمعية ركّزت على تحفيز المزارعين وتشجيعهم من أجل التوسّع في زراعة مختلف المنتجات والمحاصيل الزراعية خاصة الحبوب الغذائية المختلفة والمحصولات النقدية، موضحاً أن شركاء التنمية والسلطات المحلية في المحافظات تعمل على تنمية روح العمل الجماعي والطوعي لدى الشباب، وتعميق مبدأ العمل بروح الفريق الواحد.
وقال الربيعي في تصريح لـلميادين نت: "تمّ تنفيذ برامج تدريب وتأهيل متطوّعين من المجتمعات المحلية على أسس التنظيم وترتيب الأولويات، واختيار الكفاءات المؤهّلة بالخبرة، وتعزيز روح الانتماء والانضباط الواعي للعمل الطوعي والمشاركة المجتمعيّة"، موضحاً أنه خلال الفترة من كانون الثاني/يناير إلى كانون الأول/ديسمبر من عام 2021 نفّذ المجتمع 601 مبادرة في مجال التنمية الزراعية.
ومع استمرار الهجرة العكسية في اليمن نتيجة العدوان والحصار وإقبال الشباب على الاستثمار في مجال الزراعة، تعمل الحكومة اليمنية في صنعاء بالشراكة مع بعض المنظّمات المحلية على تنظيم هذا النشاط وتوفير الاحتياجات العينيّة والقروض البيضاء والإرشاد، وقد تمّ إنشاء وتفعيل 104 جمعيات تعاونية زراعية وسمكية خلال الفترة من 2021- 2023، وفقاً لتقرير صادر عن مؤسسة بنيان التنموية.
كما تمكّنت اللجنة الزراعية والسمكية العليا بالشراكة مع مؤسسة بنيان وشركاء التنمية من تفعيل 184 من الأنشطة التوعوية ومشاريع دعم إنتاج وتسويق المحاصيل، وتشكيل 846 مدرسة حقلية إرشادية، وتوزيع قروض مختلفة من البذور والمدخلات الزراعية ومنظومات الطاقات الشمسية على 29 ألف مستفيد، فيما تمّ تفعيل الزراعة التعاقدية مع 5522 مزارعاً.
الاستصلاح الزراعي وارتفاع المنتجات
كشف العدوان والحصار الذي يعيشه اليمن منذ 2015 أهمية تحقيق الأمن الغذائي خاصة في زمن الحرب، حتى يفوّت على التحالف استخدام الغذاء كأداة ضغط لإخضاع البلاد، وبما أنه لن يتمّ تحقيق هذا الهدف إلا من خلال الإنتاج الزراعي والوصول إلى الاكتفاء الذاتي من المواد الغذائية الأساسية، وجّهت الحكومة في صنعاء جهودها إلى التنمية الزراعية وتشجيع المبادرات وتقديم التسهيلات واستصلاح الأراضي.
وقد أظهرت المسوحات السنوية زيادة مستمرة في مساحة الأراضي الزراعية بين عام وآخر، وبحسب تقرير الإحصاء الزراعي السنوي لعام 2021، بلغت مساحة الأراضي الزراعية مليوناً و195 ألفاً و457 هكتاراً، بينما كانت مساحة الأراضي الزراعية عام 2017 نحو مليون و84 ألف هكتار فقط.
وتشمل المنتجات الزراعية أنواعاً مختلفة من المحاصيل مثل الحبوب والبقوليات والفواكه والخضروات، بالإضافة إلى المحاصيل النقدية مثل البن والقطن والفول السوداني، وقد سجّل مؤشّر الإنتاج ارتفاعاً متفاوتاً بين محصول وآخر خلال الفترة بين 2017 إلى 2021 جاءت الحبوب في المقدّمة بزيادة تجاوزت الـ 110%، تليها الفواكه والأعلاف والبقوليات بنسب متفاوتة.
رواج وتسويق
عادة ما كانت ترتفع أسعار الخضار والفواكه في الأسواق اليمنية بشكل كبير وتستمرّ لعدة شهور، لكن هذا الأمر لم يعد يحدث في المحافظات الخاضعة لسلطة الحكومة في صنعاء منذ ثلاثة أعوام تقريباً، وفقاً لصالح الحقلي وهو أحد تجار الخضروات في السوق المركزي بالعاصمة صنعاء.
وأفاد الحقلي في حديثه لـلميادين نت بأنّ الإنتاج الزراعي خلال السنوات الأخيرة شهد ارتفاعاً ملموساً طوال أشهر العام مما أدى إلى استقرار أسعارها عند الحد الأدنى.
وضرب الحقلي مثلاً بمنتج الطماطم قائلاً: "كان سعر كيلو الطماطم يرتفع في بعض الأشهر ليصل إلى 1200 ريال 2,3$ للكيلو، لكنه خلال السنوات الأخيرة يتراوح بين 250 ريالاً إلى 500 ريال"، وكذلك باقي الخضروات مثل البطاطا والباميا وغيرها، مشيراً إلى أن عودة الكثير من المزارعين إلى مناطقهم والاهتمام بالزراعة ساهم بشكل كبير في ارتفاع حجم المنتجات الزراعية بمختلف أنواعها.
ارتفاع حجم المنتجات الزراعية وانخفاض أسعارها دفع السلطات المحلية إلى فتح أسواق جديدة لتسويق هذه المنتجات كما نظّمت المبادرات المجتمعية والناشطون عدداً من المعارض في صنعاء وغيرها من المدن، للترويج وتسويق المنتجات، كان آخرها المعرض الأول للمنغا اليمنية مطلع شهر نيسان/أبريل الماضي.