أخطر من التجريف والتهجير.. يهود صهاينة يشترون العقارات في السعودية؟
أمانة المنطقة الشرقية في السعودية تباشر عمليات تجريف ما يزيد على 521 عقاراً في القطيف، بذريعة تطوير مشروع طريق الملك عبد العزيز، المعروف شعبياً بـ"شارع الثورة"، فيما الكثير من العقارات التي تم مسحها من جدة إلى تبوك اشتراها عدد من اليهود الصهاينة.
"الله ينتقم منهم.. راحت بيوتنا لي ربّتنا وربّت عيالنا"، تقول الحاجة أم محمد (اسم مستعار) في حديثها إلى الميادين نت. على الرغم من محدودية الكلمات في هذه الجملة، فإنها تحمل في تفاصيلها الألم الكبير الذي تختزنه.
هي واحدة من أفراد أسُر سعودية كثيرة فقدت منزلها قسراً بذريعة "التطوّر العمراني" الذي يسوّق له النظام، وهو تطوّرٌ قائم على ظاهرة "التهجير القسري"، التي تعدّ مخالفة واضحة للقانون الدولي، وتندرج ضمن جرائم الحرب وجرائم الإبادة الجماعية والجرائم ضد الإنسانية.
28 معلماً أثرياً رهن التجريف
في 19 تشرين الأول/أكتوبر الماضي، بدأت أمانة المنطقة الشرقية في السعودية بعمليات تجريف ما يزيد على 521 عقاراً في القطيف، بذريعة تطوير مشروع طريق الملك عبد العزيز، المعروف شعبياً بـ"شارع الثورة"، رغم أن هذه المساحات تحتضن 28 معلماً أثرياً وعدداً من المساجد والحسينيات.
مصدر سعودي معارض أكّد في حديثه إلى الميادين نت أنَّ آلة التجريف الرسمية استهدفت 14 حيّاً من أحياء هذا الشارع، هي حي المسعودية، والشويكة، والدبابية، والكويكب، ومياس، والشريعة، والجراري، والقلعة، وباب الشمال، والشماسية، والبستان، والوسادة، والبحر، وباب الساب.
وبموجب ذلك، ستهدم 6 مساجد، هي مسجد المسألة، والقائم، والفتح، والشيخ آمان، والشيخ عبد الحميد الخطي (مسجد شيخ أول - مسجد الشبيبه 216هـ)، ومسجد الشيخ علي المرهون في المسعودية، إضافةً إلى 5 حسينيات، هي حسينية ابن جمعة، والمعبر بالكويكب، والفردان، والشماسي، وحسينية العوامي في حي البحر.
وستقضي حملات التجريف على عدد من الأسواق الشعبية والمتاجر التي يتردد إليها أبناء القطيف، وعددٍ من المطاعم، وعلى نقطة انطلاق التظاهرات السلمية وسط القطيف، ما يضفي صبغةً سياسيةً على كلّ ما يجري.
وبحسب المصدر، فإنَّ هذه العمليات تعدّ جريمة بحقّ التاريخ. ومن بين المعالم الأثرية والتراثية الـ28 التي تستهدفها، منزل الشيخ منصور البيات، ومنزل السيد جعفر الدعلوج، ومجسم السفينة، والجزء المتبقي لقلعة القطيف، وقهوة الغراب الشعبية التراثية، ومجسم دوار اللؤلؤة في القطيف، ومقبرة الدبابية.
معاناة شعبية كبرى خارج حدود شعارات التنمية
معاناة كبرى تواجهها الأسر التي تعدّ ضحايا لعمليات الهدم والإخلاء القسري، الممتدّة بطول 5 كيلومترات وبعرض 60 متراً. وفي هذا الصدد، يؤكد المعارض كميل محمد للميادين نت أنّ "أصحاب المنازل والعقارات المنتزعة ملكيتها يواجهون صعوبة كبيرة جداً في امتلاك منازل أخرى بعد التهجير القسري المحتم عليهم بالإجبار والإكراه، علماً أن بعضهم يعاني الفقر وضيق الحال".
ويتحدّث عن وجود جانب مظلم آخر، يتمثّل بوجود "نسبة غير قليلة من الأسر التي تقطن معاً في المنزل نفسه المكون من عدة طوابق، ولكن بمساحة ضيقة. هذه الأسر الفقيرة أو ذات الإمكانيات البسيطة ليس باستطاعتها أن تشتري منزلاً كبيراً لتعيش فيه، ولا يستطيع كل فرد منها أيضاً أن يشتري منزلاً خاصاً، ولو بمساحة صغيرة".
من جهته، يرى مدير معهد الخليج للديمقراطية وحقوق الإنسان يحيى الحديد، في تصريح إلى الميادين نت، أن أعمال التجريف التي تجري في المنطقة الشرقية هي "حلقة من سلسلة التضييق على سكان هذه المنطقة والانتقام منهم عبر استهدافهم وتهجيرهم قسراً بغية تغيير التركيبة السكانية، إضافةً إلى محاولات طمس هوية هذه المنطقة ومعالمها وتاريخها وتشويهها".
ويوضح أن ذلك يأتي "عكس مزاعم السلطات السعودية، التي قالت إنها أعمال تنموية لتحسين المنطقة وتطويرها. واللافت أن أعمال التجريف استهدفت شارعاً يحمل رمزية وخصوصية، لأنه كان مهداً للحراك والتظاهرات التي شهدتها السعودية بين عامي 2011 و2012".
ويؤكد الحديد أنَّ هذه التجاوزات تأتي في سياق "سياسات ممنهجة تعتمدها الدولة والسلطات الأمنية والهيئات الحكومية"، محمّلاً المجتمع الدولي جزءاً من المسؤولية، خصوصاً الدول الحليفة للسلطات السعودية، بسبب الصمت عن الانتهاكات والسماح للمسؤولين عن هذه الجرائم وغيرها بالإفلات من الملاحقة والمساءلة والعقاب".
أما المنظّمات الحقوقية، فيقول مدير معهد الخليج إنها "مطالبة بتسليط الضوء على ما يجري في الداخل السعودي وتوثيقه، والتعاون مع المنظمات الدولية لرفع الوعي في المنطقة والعالم بشأن ما يحدث داخل الأسوار السعودية، وتشكيل رأي عام دولي مناهض لهذه السياسات التعسفية، إضافةً إلى مطالبة الحكومات الغربية وصناع القرار بالضغط على السلطات السعودية بكل الوسائل لوضع حد لهذه الانتهاكات والممارسات".
معاناة أهالي "حي المسوّرة" تحضر من جديد
ما تشهده القطيف اليوم سبق أن شهدته المنطقة الشرقية عام 2017، في عملية وُصفت حينها بعملية "التطهير غير المسبوقة" لحي المسوّرة وسط بلدة العوامية. يقول أحد المواطنين القطيفيين للميادين نت إنَّ معاناة الأسر هناك "لا تشبه شيئاً من حيث حجم التهجير والدمار والقتل والحرب التي شنها آل سعود على مدى 100 يوم من الحصار المطبق باستخدام جميع الأسلحة الحربية والقذائف الصاروخية التي أودت بحياة 28 شخصاً من أهالي البلدة والمقيمين فيها من الأجانب، وبينهم طفلان".
ويضيف أن "كل هذا القتل والدمار نُفذ تحت عنوان التطوير، ولكن الواقع يقول إنه حرب ديموغرافية وحرب على الحراك الشعبي والناشطين في القطيف، نظراً إلى أنَّ حي المسورة كان منطلقاً للتظاهرات السلمية التي أزعجت النظام، وما يجري اليوم في شارع الثورة يحمل الأهداف نفسها".
أما الناشط السعودي علي عبد الرحمن (اسم مستعار)، فيرى في تصريح إلى الميادين نت أنّ "رقعة التهجير في القطيف تتوسع يوماً بعد يوم. وقد شملت أغلب مناطق البلدة من دون استثناء، وكلّها تحمل العنوان نفسه من توسعة الطرق وإيجاد حل للازدحامات المرورية وإزالة الأحياء القديمة، من دون الاهتمام بأيّ تراث يخص القطيف، والذي يتجاوز عمره عمر آل سعود بمئات السنين"، معتبراً أن "لا وجود لأيّ منظمات حقوقية أو دولية تقف في وجه النظام السعودي الذي عمد على شرائها بالمال، ولم تقف أي منظمة في وجه هدم تراث القطيف وتدميره وجرفه".
أخطر من التجريف.. يهود صهاينة يشترون العقارات؟
يبدو أن النظام السعودي لا يمضي بعمليات التجريف والهدم والتهجير القسري، سواء في القطيف أو جدة أو غيرهما، بصورة اعتباطية، مع كشف المتحدث الرسمي لحركة "أحرار التغيير الوطنية للإنقاذ" عبد الرحمن السحيمي للميادين نت أنَّ الكثير من العقارات الَّتي تم مسحها، من جدة إلى تبوك، اشتراه عدد من اليهود الصهاينة الحائزين جنسيات أجنبية.
وأوضح أن مدينة نيوم، على سبيل المثال لا الحصر، "جزء لا يتجزأ من صفقة القرن، وكان مخططاً لها منذ عام 1998، ولكن لم يكن هناك حاكم في السعودية ينفّذ الأجندة الإسرائيلية الكاملة. ولهذه الأسباب، تم إيصال محمد بن سلمان إلى الحكم، ما أدى إلى امتداد حدود مدينة نيوم إلى جبل الطير وخيبر والعُلا".
وقال إن الشركة القائمة على تسويق هذا المشروع هي شركة عقارية تمتلكها عائلة جاريد كوشنر، صهر الرئيس الأميركي السابق، لمدة 99 سنة"، مؤكداً أنَّ "مساحة مشروع "ذا لاين"، التي تبلغ 270 كلم، هي استثمارات يهودية بجنسيات أميركية أو بريطانية. وهناك جنسيات إسرائيلية أيضاً".
وفي السياق نفسه، يقول السحيمي: "بذريعة تمرير مشروع تطوير وسط مدينة جدة، شهدت المدينة عمليات تهجير قسري ممنهج، ليتّضح لاحقاً أنَّ 40% من المشروع للاستثمارات الخارجية. وتم التعاقد بين محمد بن سلمان وشركة كوشنر في هذا الصدد، علماً أنَّ جدة هي بوابة مقدسات الأمة الإسلامية في الحجاز، ما يمكّن الصهاينة من دخولها من بوّابة الاستثمار".