"ضيوف لا مهجّرون".. أكثر من 13 ألف لبناني في العراق بسبب الحرب

بعد اشتداد القصف الإسرائيلي على عدد من البلدات اللبنانية، قرّر الآلاف اللجوء إلى العراق بعد إعلان المرجعية هناك استضافة اللبنانيين،  فوصلوا إلى بغداد وكربلاء والنجف، وقد تجاوز عدد اللاجئين في العراق الـ13 ألف شخص.

0:00
  • عائلة لبنانية في مجمع سكني بكربلاء (مرتضى السوداني/ الأناضول)
    عائلة لبنانية في مجمّع سكني بكربلاء (مرتضى السوداني/الأناضول)

بين الحطام وهول القصف الإسرائيلي جنوب لبنان، قرّر محمد الخروج مع عائلته المؤلفة من 6 أفراد من مدينته صور باتجاه العراق عن طريق البر، في رحلة جمعت في ثناياها الكثير من المحطات التي حاكت معاناة اللبنانيين من جهة، وصمودهم وإيمانهم بالنصر الحتمي من جهة ثانية. 

يحكي محمد للميادين نت بصوت حزين ممزوج بنبرة العنفوان، قائلاً: "الوضع كان مأساوياً، لقد دمّر العدو الصهيوني كل شيء، ظناً منه أنه بذلك يستطيع إخافتنا وإبعادنا عن مقاومتنا وأرضنا وقضيتنا الأولى فلسطين. يبدو أنه لا يذكر ما قاله السيد نصر الله: لن نترك غزة.. لن نتركها".

ويتابع في سرديته لرحلته: "كانت أعمدة الدخان تتصاعد حينما قرّرت أخذ عائلتي والخروج بها من مدينتي صور نحو بيروت. القصف كان في كل مكان، بقيت أنا وعائلتي عالقين في زحمة الطريق لنحو 7 ساعات، إلى أن وصلنا إلى العاصمة".

شارات نصر تخرق الظلام

يتحدّث محمد أنه برغم صعوبة الموقف وكلّ الصور المؤلمة بسبب الحرب، "لكنني شاهدت تكاتف أبناء الوطن في الطريق نحو بيروت، فعندما نفد وقود بعض السيارات كان هنالك من يقدّم المساعدة، حتى الطعام تبادله الأهالي من نوافذ السيارات. وما لفت نظري هو رؤية الأطفال وهم يصنعون بأيديهم الصغيرة علامات النصر". وأضاف أنه "بعد وصولنا إلى بيروت توجّهنا إلى طريق المصنع الفاصل بين لبنان وسوريا، لكن الطريق الذي يستغرق ساعتين في الحالة الطبيعية، استغرق معنا 4 ساعات".

وبعد وصولهم إلى المصنع ظلّوا هناك 12 ساعة برغم التسهيلات، بسبب العدد الكبير للعائلات اللبنانية الخارجة لطلب اللجوء. "لكنّ القصف الإسرائيلي لاحقنا حيثما تحرّكنا، ففي ذلك اليوم تمّ قصف طريق المصنع الرابط بين لبنان وسوريا".

وعند وصوله إلى العراق، أكد أنه شعر بالارتياح قليلاً، وزاد ذلك عندما وصل بعد ساعات إلى كربلاء حيث أماكن الإيواء. ولكن أكثر ما أفرح قلبه هو مشاعر العراقيين تجاه لبنان، والمبادرات الرسمية من أجل جمع التبرّعات. وبتنهيدة قال: "شعرنا حينها أننا في بلدنا الثاني".

أكثر من 13 ألف لبناني في العراق.. وتسهيلات استثنائية

  • العتبة الحسينية في كربلاء شكلت لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني وتقديم المساعدات
    العتبة الحسينية في كربلاء شكّلت لجنة عليا لإغاثة الشعب اللبناني وتقديم المساعدات

بعد اشتداد القصف الإسرائيلي على عدد من البلدات اللبنانية، قرّر الآلاف اللجوء إلى العراق بعد إعلان المرجعية هناك استضافة اللبنانيين، فوصلوا إلى بغداد وكربلاء والنجف، وفق ما يفيد الناطق الرسمي باسم وزارة الهجرة علي عباس جهانكير للميادين نت، لافتاً إلى أنّ عدد اللاجئين في العراق تجاوز الـ13 ألف شخص.

على الحدود العراقية، يعمل صفاء شعلة، الذي يملك شركة للسياحة والسفر مع زملائه، لنقل العائلات اللبنانية من منفذ البو كمال الحدودي مع سوريا إلى المحافظات العراقية.

شعلة تحدّث للميادين نت عن مشاهد محزنة لحال الأطفال والنساء الذين لم يسعفهم الوقت لأخذ حاجياتهم الأساسية، قائلاً: "كان بعضهم لا يملك أجور النقل بسبب الحرب، ولذلك قطعنا عهداً على أنفسنا مساعدة ضيوفنا ونقلهم مجاناً إلى بغداد أو كربلاء أو النجف".

وأضاف أن "عدداً كبيراً من العراقيين تطوّعوا لتقديم المساعدة في إيواء بعض العوائل وتأمين الخدمات اللازمة لها، ولذلك لم نواجه عقبات، وسهّلت القوات الأمنية أمر دخولهم إلى العراق، حتى لمن لا يحمل جواز سفر، مكتفين بالوثائق الثبوتية لدخولهم".

لكنه يلفت إلى أن "الجزء الأصعب كان في إعادة تأهيلهم نفسياً برغم رؤية روح المقاومة والصلابة والعزم في عيون الكثير منهم،فقد عبّر عدد منهم عن نيّته العودة إلى بلده لمواصلة المقاومة ضدّ المحتل".

وبعد صمت وجيز، أخذ شعلة نفساً عميقاً متحدّثاً عن مشهد شابة لبنانية مشلولة تحاول والدتها وأشقاؤها الصغار حملها وإيصالها إلى بر الأمان، في مشهد أثار عاطفة من كان موجوداً في المكان، مما دفعه لإيجاد مأوى لهم في بغداد في منطقة الرحمانية بقرب الكرخ، مع توفير الدعم والمساعدات لهم.

"ليسوا مهجّرين.. إنهم أهلنا وضيوف العراق"

  • نازحة لبنانية تضع مولودها في العراق: استقبلونا كأهل وضيوف

استقبال العراق للمهجّرين اللبنانيين، جاء أيضاً بفعل قرارات حكومية صدرت من رئيس الحكومة العراقية محمد شياع السوداني الذي وجّه وزارة الداخلية العراقية بمنح المواطنين اللبنانيين الذين لا يملكون جوازات سفر ويرغبون في المجيء إلى العراق وثائق سفر سريعة، بالتنسيق مع السفارة اللبنانية مع اعتماد وصفهم بضيوف العراق وليس مُهجّرين.

المتحدّث باسم وزارة الداخلية العراقية العميد مقداد ميري تحدّث في تصريح خاص للميادين نت أنّ استقبال ودخول اللبنانيين تمّ بحسب تسهيلات وزارة الداخلية، مبيّناً أن "من لا يحملون وثائق أو مستمسكات أو جوازات سفر يتمّ التنسيق مع السفارة اللبنانية في دمشق وبغداد من أجل إصدار وثائق لهم ليتسنى لهم دخول العراق، ومن يحملون الجوازات يكون دخولهم سريعاً جداً، وقد أعفيناهم من المخالفات والرسوم".