"صلة وصلنا بالعرب".. الشهيد نصر الله رمزٌ للقيادة الفذّة في إيران
في الأوساط الشبابية في إيران، يتمّ تداول مقاطع للسيد حسن نصر الله كجزء من الثقافة الشعبية، حيث تُستخدم في النقاشات والمحادثات حول القضايا السياسية والاجتماعية والقضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية والقضايا المرتبطة بتحرير فلسطين.
الجمعة، السابع والعشرون من أيلول/سبتمبر 2024، يوم لن يُمحى من ذاكرة الإيرانيين، عندما اهتزت مشاعرهم حزناً بعد سماع خبر اغتيال الأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، ولاحقاً الإعلان عن شهادته. كان هذا اليوم يمكن أن يبدو كأي يوم آخر، لكن ما إن تم الإعلان عن الجريمة الإسرائيلية، حتى تحوّل المشهد في إيران إلى حالة من الصدمة والحزن العميق. تجمّع المواطنون بشكل عفوي في الشوارع، والعيون تغمرها الدموع، وعلت صرخات الغضب والاستنكار في الأفق، فيما تسمّر آخرون أمام شاشات التلفاز لمتابعة تداعيات الاغتيال على لسان الخبراء والمحللين والمسؤولين الإيرانيين.
في المدن الكبرى مثل طهران ومشهد وشيراز وأصفهان، شهدت الساحات تجمّعات شعبية غفيرة حيث حمل الناس صور السيد نصر الله كما انتشرت صوره في الساحات العامة، معبّرين عن حزنهم وخسارتهم لشخصية أثّرت بشكل عميق في مسيرة المقاومة في المنطقة.
رسمياً، توالت البيانات من المسؤولين بمختلف درجاتهم وكانت مطبوعة بمشاعر جياشة من الحب والاحترام الذي يكنّه الإيرانيون لهذه الشخصية القيادية، حيث استخدم بعض المسؤولين عبارات مثل "المحبوب" و"الشهيد" و"القائد الفذ"، للتعبير عن مدى التأثير العميق الذي تركه السيد نصر الله في الحياة السياسية والاجتماعية في إيران، وبعثوا رسائل إيجابية إلى الشارع الإيراني تفيد بأن إرث السيد نصر الله سيستمر مهما كانت التحديات.
يحظى السيد نصر الله في الأوساط الشعبية باحترام خاص، ويُنظر إليه كشخصية قيادية تجسّد المقاومة ضدّ الاحتلال والغطرسة الإسرائيلية والأميركية في المنطقة، ويُحتفى به في العديد من الفعاليات الثقافية والدينية على مدار العام، وخاصة في الأحداث ذات الصلة بالمقاومة، وتُرفع خلالها صور السيد نصر الله وأعلام حزب الله وأهم كلماته التي ارتبطت به مثل "إسرائيل أوهن من بيت العنكبوت" و"بدأ زمن الانتصارات وولّى زمن الهزائم" و"سنصلّي في القدس"، التي حوّلها الفنان الإيراني أبو ذر روحي إلى أنشودة يستمع إليها الإيرانيون في كل مناسبة وطنية ترتبط بالمقاومة وخاصة في مسيرات يوم القدس العالمي.
تقول نرجس علي زاده، وهي من عرب محافظة خوزستان، للميادين نت: "منذ حرب تموز عام 2006 ونحن نتابع خطابات السيد نصر الله، كنا نحافظ على عادة مميزة حيث تجتمع العائلة من أعمام وأخوال وإخوة، أي قرابة أربعين شخصاً، نجلس لنستمع إلى خطاب السيد، لكن للأسف من اليوم سنفتقده، غياب هذا الرجل العظيم آلمنا كثيراً".
وتشكّل العلاقة بين الشعب الإيراني والسيد نصر الله علاقة عميقة من الناحية النفسية والروحية، وتجذبهم طريقة كلامه برغم استماعهم إليه عن طريق الترجمة الفارسية. وقد كان حافزاً للآخرين لتقوية لغتهم العربية لفهمه والانسجام مع كلامه بشكل مباشر، يقول صادق جيلاني للميادين نت: "دفعني الشهيد نصر الله إلى تعلّم اللغة العربية لكي أستمع إلى خطاباته بشكل مباشر من دون الاستعانة بالترجمة أو الدبلجة اللتين تحدثان في بعض الأحيان خللاً في إيصال الفكرة. وعندما بلغت مستوى جيداً في اللغة، أدركت أن قليلاً من المسؤولين في العالم العربي يمتلكون الفصاحة وأسلوب الإلقاء والأناقة في طرح الأفكار كالتي يمتلكها الشهيد. لقد ترك بصمته لدى الشعب الإيراني وكان سبباً في تعلّمي اللغة العربية".
في المدارس والجامعات الإيرانية، يتمّ تدريس إنجازات وأفكار الشهيد نصر الله كجزء من المناهج التعليمية في الحديث عن المقاومة اللبنانية والفلسطينية، كما تُعقد العديد من المؤتمرات وورش العمل التي تُسلّط الضوء على أفكاره وأثره في المقاومة، وهذا زاد من وعي المجتمع الإيراني لما يجري في المنطقة وخاصة في الصراع العربي الإسرائيلي. يقول مهرداد حشمتي، طالب دكتوراه في العلاقات الدولية للميادين نت: "قبل عام، ناقشت رسالة الماجستير التي بحثت فيها القضية الفلسطينية ومخاطر التطبيع مع الكيان الإسرائيلي، فكانت إحدى المصادر التي دعمتُ بها بحثي خطابات الشهيد نصر الله الذي أعدّه خبيراً إقليمياً محنّكاً، ولا أبالغ عندما أعدّه إحدى صلات الوصل المُهمة بين العالم العربي وإيران".
حضور السيد نصر الله في الأوساط الشعبية الإيرانية ملموس، فيُعدّ ظهوره في وسائل الإعلام، سواء من خلال الخطابات أو اللقاءات، حدثاً ينتظره الكثيرون بشغف، لكن لا ينحصر الاهتمام الشعبي في إيران بالجانب السياسي لمواقف الشهيد فقط، بل لمس الإيرانيون جوانب ثقافية واجتماعية تعنى بأهمية صناعة الإنسان، تقول ريحانة أفشار للميادين نت: "أنا لا أهتم بعالم السياسة مطلقاً، ولم أكن أعرف الشهيد نصر الله، وأحياناً كنت أراه على شاشة التلفاز عندما كان والدي يتابع خطاباته، لكن خلال تصفّحي مواقع التواصل الاجتماعي تابعت خطاباً يتحدّث فيه عن أساليب الحفاظ على العائلة وقد طرح وصايا اجتماعية وأخلاقية مهمة وبأسلوب لم أعتد على سماعه. هذا الرجل غيّر طريقة تفكيري وأسلوب حياتي، أعتقد أن لديه الكثير من المحاضرات غير السياسية وأتمنى من المعنيين أن يقوموا بترجمتها إلى الفارسية".
في الأوساط الشبابية، يتمّ تداول مقاطع فيديو للسيد نصر الله كجزء من الثقافة الشعبية، حيث تُستخدم في النقاشات والمحادثات حول القضايا السياسية والاجتماعية والقضايا المتعلقة بالسيادة الوطنية في مواجهة الضغوط الخارجية والقضايا المرتبطة بتحرير فلسطين والمسجد الأقصى، فتُناقش أفكاره في حقوق الإنسان كقائد يدافع عن حقوق الشعوب المضطهدة، ومعاناة الشعوب العربية تحت الاحتلال.
يقول وحيد عزيزي للميادين نت: "كلما أسمع كلمة مقاومة، أتذكّر السيد نصر الله. أعدّه روح المقاومة. نحن نحب فلسطين ونناصرها، لكن الشهيد نصر الله عزّز محبتنا لها أضعافاً. جعلني أفهم معنى كلمة جهاد، لا أقصد فقط الجهاد في الحرب، بل جهاد النفس وحب الله والإيمان به والصدق والإخلاص في تأدية الواجب. ما تركه هذا الرجل من إرث لا يزول برحيله".
تتعدّد الآراء حول شخصية السيد حسن نصر الله، وهذا يدل على أن الرجل ترك بصمته في المجتمع الإيراني. وقد ترك استشهاده أثراً عميقاً، لكن إرثه سيظل حياً في الذاكرة الجماعية الإيرانية، يعكس الاحترام والدعم الذي يحظى به، ويعزّز من قوة العلاقة بين إيران ولبنان من جهة، وإيران والعالم العربي من جهة ثانية.