"حلاوة الصمود وقلاية بندورة النصر".. هكذا تزكّي النساء الإفطار المرّ شمالي غزة
في شمال غزة، وقد حصرت حرب التجويع المستمرة منذ أكثر من 3 شهور خيارات الأطباق المنزلية باثنين، هما الخبيزة والحميض، تعيش الأمهات وربات البيوت في الخيام والمنازل المتبقة أو في مراكز الإيواء حيرة يومية في تجهيز ما يمكن طهوه.
تحوّل الطعام خلال السنوات العشر التي سبقت الحرب الجارية إلى واحد من أهم عناصر الرفاهية التي تتمايز بها طبقات المجتمع الفلسطيني في غزة، حيث السفر عزيز وشاق، والسياحة الداخلية مقننة في إطار عدد محدود جداً من المرافق. لذا، كانت المطاعم هي البديل المقنع الذي لا هدر فيه لصناعة الترفيه.
في البيوت العامرة بالدفء، شكّل التباهي في إعداد السفر العامرة بما لذ وطاب المساحة الأكبر للتعبير عن الهناء والاستقرار. وقد زادت مواقع التواصل الاجتماعي من حضور الأطباق الرمضانية. يكفي القول إن معركة ودودة كانت تشتعل بين الأب النهم والأم المفتونة جداً باستعراض إبداعها عقب لحظات من أذان المغرب إن طلبت أن ينتظر الجميع لحظة ريثما تفرغ من التقاط صور للمائدة البديعة. صاحب السطور كان يعطي فرصة لفقرة التصوير بالعد من 1 إلى 3 فقط، ثم يبدأ حربه الثأرية مع الأطباق، ويبدأ معها عتاب الزوجة الذي لا تنصت له سوى الجدران.
في شمال غزة، وقد حصرت حرب التجويع المستمرة منذ أكثر من 3 شهور خيارات الأطباق المنزلية باثنين، هما الخبيزة والحميض، تعيش الأمهات وربات البيوت في الخيام والمنازل المتبقة أو في مراكز الإيواء حيرة يومية في تجهيز ما يمكن طهوه.
الأزمة، كما تقول أم عبد الله، تتمثل في أن كل المواد الأساسية التي تعطي مساحة من خيارات الطهو، مثل الدجاج والأرز والبقوليات كافة، واللحوم والخضار، كلها مفقودة. تتابع حديثها إلى الميادين نت: "ما في قدامنا إلا الخبيزة العزيزة ههه، وقفت معنا وقفة رجال والله، كنت في أول المجاعة أطبخها بالطريقة المعتادة. في ثاني أيام رمضان، قررت أبدع أكثر، وجدت عندي كيلو أرز، لفيت الورق الكبير منها مثل ورق العنب، أكلوا النشامي وأشادوا بإبداعي. ثالث يوم، اشتريت شوية طحين، وقلت أذكرهم، ولو شعورياً، بفطائر السبانخ والسمبوسك، وفعلاً قطعت شوية خبيزة مع حشائش ثانية، وتبلتها مع فلفل أحمر.. والله أبو عبد الله لو بيعرف يكتب شعر، كان أهداني قصيدة".
في أسواق شمال القطاع، تعكس البضائع النادرة التي ارتفع سعرها إلى 100 ضعف ما كانت عليه حدة المجاعة. مثلاً، وصل سعر كيلو العظم المجروم من اللحم الذي كان يلقى في القمامة ولا يباع أساساً إلى 30$، وارتفع سعر العلبة الصغيرة من اللحم المصنع من نصف دولار إلى 16$، وكيلو البندورة من 0.2$ إلى 90$، وطبق البيض من 3$ إلى 80$، وكيلو البطاطا المتعفنة التي لم تكن تدخل الأسواق إلى 20$. أما العدس والحمص والفول والمربى والحلاوة والأجبان، فقد اختفت من الأسواق منذ أسابيع. وبحسب هذه الأسعار، فإن راتب الموظف الحكومي لا يكفي لإعداد وجبة فطور واحدة.
أمام تلك الأسعار الجنونية، صارت الحاجة إلى الإبداع في وجبة السحور ملحة أيضاً. تقول السيدة أم صالح التي تعيل عدة أسر نازحة في منزلها يتجاوز عددها 20 فرداً، إنها لجأت إلى إعداد حلاوة السمسم، من خلال وضع الفانيلا وسكر الجلوكوز على الطحينة البيضاء، وصنعت من صلصة الطماطم، من خلال طهوه مع الثوم المجفف وفلفل الشطة، "قلاية بندورة".
وتضيف للميادين نت: "غير الزعتر ما في شيء جاهز للأكل. صحيتهم على السحور، وقلتلهم يلا جهزت إلكم حلاوة الصمود وقلاية بندورة النصر المؤزر إن شاء الله. تفاجأوا من الطعم، كل لقمة بياكلوها، بيحكوا والله عظيم، والله لذيذ، هما بيمدحوا وأنا بتشمخ معي أكثر ها ها".
من وجهة نظر أبو أحمد، وهو والد لعائلة مكونة من 7 أفراد، فإن أجواء اكتشاف الوجبات المصنوعة من العدم وما يرافقها من طرافة وبهجة تغطي على الواقع السيئ جيداً: "في حقيقة الأمر، نحن نتحايل على الجوع والنقص الشديد في الخيارات. ليس أمامنا سوى الصبر. ومن خلال الفكاهة، نتجاوز المحنة، أولاً وأخيراً، هذا وقت وسيمضي" .