"الشيخ الفدائي" يستنهض مجتمع المقاومة: بايعناك
وحده يتقدّم الآن، "الشيخ الفدائي" كما وصفه عدد من الناس في مواقع التواصل، وخلفه رفاق المسيرة قد مضوا. وحده يتقدّم في معركة الأمة والمصير والوجود. وحده إلى جانب رفاق ملأوا شواغر الشهداء القادة، وخلفه أمة تتحرق دماؤها للثأر.
"زمان كنّا نهتف: يا الله يا كريم احفظ لنا الشيخ نعيم، كان الهتاف عفوياً وعلى القافية مش أكثر. اليوم هذا النداء بحرفيّته كأن انعمل من أجل هاللحظة تماماً"، تكتب الإعلامية ملاك عواد في فيسبوك. ساعات قليلة على إعلان انتخاب الشيخ نعيم قاسم أميناً عاماً لحزب الله حتى ضجّت مواقع التواصل بهذا الهتاف، بعد أن كان الناس قد اعتادوا على هتافات ردّدوها للسيد الشهيد، من "لبيك يا نصر الله" إلى "يا الله يا الله احفظ لنا نصر الله". كان لهذا الدّفق العاطفي في انتشار هتاف خاص للشيخ قاسم معنى بارزاً في مشهد يتوسّط المعركة والدماء المستباحة، هو التعطّش للقيادة، ولترتيب المشهد كما عهده الناس في مسيرة حزب الله.
ولعلّ رمزيّة الهتاف الخاص بالشيخ قاسم، الذي لم يولد في ساعته، إنما استُحضر من الماضي، هو لفعل الاستنهاض. فرحيل السيد نصر الله كان له أثر بالغ وحزين في بيئة تحمل بالتزامن ثقل الحرب والنزوح والفقد، الأمر الذي تطلّب إشعال شرارة من شرارات تألفها القلوب والأفئدة ولا تزال فتيّة في الذاكرة، كنوع من نوستالجيا الفكرة والزخم والمكان ولهفة لقاء لا تشيخ، بما أنّ المعركة لا تزال في أوجها، وتحتاج إلى شحذ الهمم من فئات المجتمع كافة.
وحده يتقدّم الآن، "الشيخ الفدائي" كما وصفه عدد من الناس في مواقع التواصل، وخلفه رفاق المسيرة قد مضوا. وحده يتقدّم في معركة الأمة والمصير والوجود. عالم الدين والواعظ والباحث والأكاديمي والسياسي المحنّك الذي توعّد عدوه بإعادته إلى الحظيرة. وحده إلى جانب رفاق ملأوا شواغر الشهداء القادة، وخلفه أمة تتحرق دماؤها للثأر، بعد أن عاهدت سيدها بأن تكون ظهراً للمقاومة. و"من نِعم هذه المقاومة هو التسليم. تسليم بمشيئة الخالق أنه كتب على هذه المقاومة أن تحمل السيف جيلاً بعد جيل، وتقاوم لتضع الرسن على رقبة إسرائيل وأعوانها وتقودهم نحو حتفهم المبين. الشيخ نعيم قاسم هو من يحمل بقية السيف ويكمل هذه المسيرة مع المجاهدين، كما خطط لها سيد المقاومة ورفاقه القادة الشهداء. وهو يحمله بثبات ووضوح ودقة وهدف واحد: كسر هيمنة العدو وتحقيق النصر بإذن الله.. بايعناك بالروح واليدين"، تقول منى بتدوينة في فيسبوك.
تحاكي عمليات المقاومة في معركة طوفان الأقصى منذ تشرين الأول/أكتوبر 2023 حتى يومنا هذا تجربة جديدة أمام جيل كامل حمل معه نشوة انتصار تموز 2006، وزمناً ممتلئاً بخطابات السيد نصر الله، يشرح ويفنّد ويبرهن ويقدّم المواقف ويستنهض الناس. هذه التجربة لم تكن يوماً خلّاقة لفتحٍ لا يقوده شخص اسمه السيد حسن نصر الله، ولا لخيال غائب عنه ولا حلم لا يكون له المشورة واليد في جعله واقعاً. لكن السيد نصر الله رحل، وهو حال القادة المجاهدين الذي ساروا على هذا الطريق، مقدّمين أرواحهم ثمناً غالياً للحق والحرية. أمام هذا المشهد، كان لا بدّ من حدوث هوّة بين هذا الجيل الفتيّ وبين مجريات الميدان، التي عهدوا السيد نصر الله أن يقدّمها لهم "على طبق من فضة". لكن المقاومة ملأت مباشرة فراغ المعلومة، فعزّزت عملياتها وخلفيّات المعركة ببيانات يومية ورسائل طمأنة إلى الناس.
بعد شهر على ارتقاء السيد نصر الله، وفيما المعركة لا تزال مستمرة، انتُخب الشيخ نعيم قاسم خلفاً له، هذا المشهد لم يتلقّفه الناس بما هو عليه من ترتيب وملء مناصب فقط، بل عاينه كل واحد منهم على نحو فردي، لأنّ الشيخ قاسم حظي من خلال منصبه نائباً للأمين العام بأن يكون بين الناس على نحو أكبر. "الشيخ كان أستاذي في مادة الكيمياء في المدرسة"، "تكفّل بإعطائنا محاضرات تربوية ودينية في المدرسة"، "كانت لي لقاءات إعلامية كثيرة معه"، "قرأت كتبه وناقشته"، "كان جارنا"... كل هذه التقاطعات التي تحدّث عنها الناس، يعبّرون عنها اليوم بأنها "باتت مسؤولية علينا أكثر من أي وقت مضى.. لقد حظينا بلقاءات مكثّقة مع الشيخ قاسم، وهو ما قد حُرمنا منه قسراً مع السيد نصر الله. فكيف علينا توظيف الاستفادة من القادة وكيف نُفيدهم اليوم؟"، تتساءل مريم.
وترى أنّ "مرحلة المقاومة اليوم حسّاسة وتحتاجنا أكثر من أيّ وقت مضى، فالمقاومون لا يخاطبوننا اليوم مباشرة بسبب غياب السيد نصر الله وحسب، إنما لتحريك الراكد فينا، أو لاستفزاز ما لا نعرفه في ذواتنا من طاقات يمكن للمقاومة نفسها أن تستلهم منها. حين يحنّ علينا رجل في بقاع بعيدة، يحمل همّ طمأنتنا، بينما يحدق به الموت في كل دقيقة، كيف لي أن أكتفي بالدعاء له ولا أبحث عن شيء أساهم فيه حتى أتمّ مسؤوليتي الشخصية في المقاومة؟".