"إسرائيل" تلاحق كلّ فرص النجاة: المسعفون في لبنان في دائرة النار

ضمن بنك الأهداف الإسرائيلي في لبنان، قرر الاحتلال إدراج الإسعاف في دائرة الاستهداف، بزعم أن سيارات الإسعاف التابعة للهيئة الصحية الإسلامية تُخبّئ وتُطبّب مقاومين، لكن المسعفين يؤكدون أنهم لن يتركوا أهلهم وسيواصلون عملهم مهما بلغت التضحيات.

0:00
  • "إسرائيل" تلاحق كلّ فرص النجاة: المسعفون في لبنان في دائرة النار

بين غزة ولبنان ثمّة مشاهد كثيرة تتشابه في مضامينها، من خلال استهداف الأطقم الصحيّة وفرق الإسعاف في كلا البقعتين الجغرافيتين، بزعم أنها تُستخدم لحماية المقاومين، فتحولت إلى هدف للاحتلال في حرب الإبادة التي يشنها في كلا البلدين. 

لم يترك حيدر، المسعف في الهيئة الصحية الإسلامية عمله في قرى الجنوب الأمامية منذ بداية الحرب في العام الماضي، وتحديداً قرى القطاع الغربي والأوسط. المسعف الذي انتشل جثمان شهيد من أفراد عائلته وأوصله إلى إحدى المستشفيات، غادر أياماً معدودة للاطمئنان على أسرته في أحد مراكز الإيواء في مدينة بيروت، ليعود بعدها ويلتحق بالعمل مجدداً.

يتحدث حيدر للميادين نت عن الاستهدافات الإسرائيلية التي طالت فريق العمل معه في أكثر من موقع وحادثة كان موجوداً فيها، أحدها استهداف الاحتلال المباشر لهم ولآليتهم في بلدة مروحين الحدودية أثناء محاولتهم سحب عدد من الشهداء والجرحى من تحت أنقاض أحد المنازل. ويقول: "لم نغادر المكان، عاودنا المحاولة برغم استمرار القصف المباشر"، مبيّناً موقف زملائه الثابت حتى تمكنوا أخيراً من سحب المصابين. وأكد أنه في الأيام الأخيرة الماضية كانت عملية الإنقاذ تتم يدوياً، مع تهديد الاحتلال باستهداف آليات رفع الأنقاض، وبرغم كل التهويل والقصف "كنا نرى لطف الله وتدبيره في كل تفاصيل عملنا"، يضيف حيدر.

أما المسعف أحمد فيروى حادثة أثناء وجودهم في إحدى نقاط عملهم في مدينة صور، حين أغار الطيران الإسرائيلي مستهدفاً مبنى يبعد عنه وزملائه أمتاراً قليلة، ثلاثة صواريخ كانت كفيلة بتسوية المبنى أرضاً، وإصابة اثنان من رفاقه بجروحٍ متوسطة. لا يتذكر أحمد من المشهد سوى أصوات الانفجارات التي هزّت المنطقة، وتطاير الحجارة والزجاج حول المكان، مؤكداً أن النقطة التي كانوا موجودون فيها تُرفع عليها أعلام ويافطات تحمل شعار الهيئة الصحية، وبإمكان طائرات الاستطلاع الاسرائيلية أن تميّزها بكل سهولة، "لكن واضح أن الاستهداف متعمداً". ترك أحمد عمله في هذه النقطة، وانتقل للالتحاق بفريق آخر، من دون أن يتغيب لساعة واحدة عن تأدية واجبه في خدمة الناس.

المسعفون المقاومون

قدمت الهيئة الصحية الإسلامية ولا زالت، نموذجاً من العمل الإنساني المقاوم في أرض المعركة، واليوم وعلى امتداد عامٍ وأكثر، ها هي تجسّد من جديد مشهداً آخرَ من مشاهد التكافل والخدمة والتضحية. وهو ما يؤكده أبو حيدر، مسؤول الدفاع المدني في الهيئة الصحية الإسلامية في منطقة جبل عامل الثانية للميادين نت، قائلاً: "لنا الشرف بأن نكون إلى جانب أهلنا ونشاركهم التضحيات".

يشرح أبو حيدر آلية العمل على أرض الواقع والتي تتم عادةً على ثلاثة مراحل، الأولى تتضمن إطفاء الحرائق ورفع الأنقاض، يليها إسعاف الجرحى والمصابين ميدانياً ومن ثم نقلهم إلى المستشفيات، فضلاً عن إخلاء الأهالي من الأماكن المحتجزين فيها وتقديم العون والمساعدة لهم. ويوضح أنه قبل تاريخ الثالث والعشرين من أيلول/سبتمبر، كانت الفرق المعنية تنفذ ما لا يقل عن 200 مهمة بشكل يومي على مستوى الجنوب فقط. لكن عدد المهمات ارتفع مع اشتداد وتيرة العدوان الإسرائيلي واتساع بقعته الجغرافية.

وعن التحديات التي يواجهها الجسم الطبي والإسعافي، يقول أبو حيدر أن التحدي الأول يكمن في عدم احترام "الجيش" الإسرائيلي لكل المواثيق والقوانين الدولية التي تمنع التعرض للمسعفين في الحروب، أما التحدي الآخر فيكمن في تلبية خدمات الناس في ظل تهديد الاحتلال المستمر استهداف المسعفين، "فيترتب عن ذلك اتخاذ إجراءات وقائية خاصة ونشر الفرق الإسعافية بطريقة مناسبة".

وفي سياق الاستهدافات، أضاف أن ما لا يقل عن 40 مركزاً تعرض للاستهداف المباشر منها مركز برعشيت، اتحاد بلديات بنت جبيل، عيتيت، الباشورة، سحمر، يحمر الشقيف، حومين الطيبة، العديسة، وغيرها، وهي لم تقتصر فقط على المراكز بل طالت أيضاً سيارات الإسعاف. ويفيد بأن الاعتداءات أسفرت عن ارتقاء ما لا يقل عن 90 شهيداً من المسعفين ومئات الجرحى، فضلاً عن تدمير عددٍ كبيرٍ من الآليات وهي قيد الإحصاء. لكن وبرغم كل التحديات أكد أبو حيدر "الاستمرار في العمل حتى النفس الأخير لخدمة أهلنا".

مسعفو "جمعية الرسالة" تحت النار

لم تسلم الفرق الإسعافية والاطفائية التابعة لجمعية كشافة الرسالة الاسلامية من الاستهدافات الإسرائيلية، ويؤكد مفوض عام الدفاع المدني في الجمعية ربيع عيسى للميادين نت، أن الفرق الإسعافية لا تزال على أهبّة الاستعداد والجهوزية برغم كل الاعتداءات التي طالتها، مع تغيير في آلية الانتشار الجغرافي واستحداث نقاط متباعدة للتقليل من الخسائر البشرية والآليات، خاصة بعد تعرض مراكزها للقصف، والتشديد على الانطلاق في المهام الإغاثية عبر غرفة العمليات المركزية.

وأوضح أن أبرز التحديات التي تواجه الفرق الإسعافية والإطفائية هي تعرضها لاستهداف مباشر من قبل الاحتلال بهدف الترهيب ومنعها من سحب الإصابات وإطفاء الحرائق، إضافة إلى نقص التجهيزات والآليات التي تضررت بفعل هذه الاعتداءات، مشيداً بعمل جميع الفرق ضمن المفوضيات (الجنوب وجبل عامل والبقاع وبيروت وجبل لبنان)، كخلية واحدة تتقاسم وتنسّق في ما بينها المهام من إسعاف وإخلاء وإطفاء وتأمين سكن ومستلزمات وطعام للنازحين، بالإضافة إلى التعاون والتنسيق مع كل الأجهزة الصحية الميدانية الأخرى.

ووفقاً للمفوض العام، بلغ عدد شهداء الدفاع المدني في الجمعية 22 شهيداً منذ اندلاع الحرب، فضلاً عن تضرر العديد من سيارات الإسعاف والإطفاء التابعة لهم، وقد بلغ عدد المهمات التي استجاب لها المسعوفون 4896 مهمة فقط في الفترة الممتدة ما بين السابع عشر من أيلول/سبتمبر والسابع من الشهر الجاري.