"أزيز الطائرات فوقنا وفي آذاننا الأناشيد".. مزارعو البقاع يحصدون محاصيلهم

هي زراعة وأرزاق مجبولة بالدّم والخوف والكلفة التي تضاعفت 3 مرّات مقابل تراجع في الأسعار في ظل العدوان الإسرائيلي على لبنان، ولكن "لن نترك رزقنا يبور" هو لسان حال مزارعي البقاع الصامدين.

0:00
  • "أزيز الطائرات فوقنا وفي آذاننا الأناشيد".. مزارعو البقاع يحصدون محاصيلهم

"لن نترك رزقنا يتعفّن" يقول المزارع علي شومان الذي يشارك وعائلته وأقاربه في قلع حقل بطاطا في منطقة الرّملية ضمن النّطاق العقاريّ لبلدة سرعين في البقاع اللبناني. في جوار الحقول الزّراعيّة في سهل البقاع اعتداءات إسرائيليّة شبه يوميّة، إلا أنّها لم تحُلْ دون إكمال المزارعين لأعمالهم الزّراعيّة وإن تراجعت بشكل كبير. ولكنّ حاجة البقاعيّين للسّيولة واعتمادهم بشكل أساسيّ على القطاع الزّراعيّ دفعهم -رغم كلّ المخاطر- إلى المضيّ في الزراعة.

وأتى العدوان الإسرائيلي على المنطقة في عزّ مواسم القلع والحصاد في البقاع، من البطاطا والعنب والفاكهة والخضار، وقد عانى مزارعو البقاع من الاستهداف المتواصل لقرى البقاع، التي تجاور حقولهم الزّراعيّة و لا تزال شظايا الغارات وركام المنازل الباطونيّة والحديديّة في هذه السّهول الزراعيّة. 

"هي مخاطرة بأرواحنا"، يقول شومان، "ولكن هل نترك تعب الأشهر الماضية يدفن في الأرض ونحن بأمسّ الحاجة إليه ونترك أهلنا يجوعون؟". في سهل الخير، كما يطلق على منطقة البقاع، "مغاوير" يقصدون حقولهم الزّراعيّة وكرومهم وترافقهم الطّائرات المسيّرة بأصواتها والطّائرات الحربيّة الّتي تغير وتعتدي على منازل لا تبعد عشرات الأمتار عن الحقول.

يتوجّه، صبيحة كلّ يوم، عشرات المزارعين من أبناء بعلبك - الهرمل إلى حقولهم الزّراعية برفقة أبنائهم بعد أن ترك مئات العمّال الزّراعيّين من التابعيّة السوريّة المنطقة وعادوا إلى بلادهم. لا يجد أحمد الزّين من كفردان مفرّاً أو بديلاً عن قلع الموسم الحالي، وإلا سيكون مصيره الدّيون والجوع، وفق تعبيره. ويمتدّ دوام العمل من السّاعة الخامسة فجراً إلى السّاعة الثّالثة من بعد الظّهر في الحقل الزّراعيّ.

ويحتاج أبناء بعلبك  - الهرمل إلى شهر لقلع موسم البطاطا الّذي يمتدّ على مساحة 10 آلاف دونم ويتراوح إنتاجه ما بين 30 ألف طن إلى 40 ألف طن. أما في سهل السّعيدة غرب بعلبك، فلا تزال هناك ورش متنقّلة لقلع البطاطا فيما أزيز الطّائرات يتفوّق على صوت العمّال والجرّارّات الزّراعيّة، فلم يجد أحمد زعيتر سوى وضع سمّاعات على أذنيه كي لا يسمع صوت الطّائرات ويُكمل يومه في حقل البطاطا بكثيرٍ من الهدوء. أما أصحاب كروم العنب في تلال تمنين الفوقا وقصرنبا وبدنايل فتعايشوا مع أصوات طائرات الاستطلاع التي كانت ترافقهم منذ اللّحظة الأولى للقطاف، كما يقول علي عقيل.

ويُضاف إلى الورش الزّراعيّة لقلع البطاطا والعنب والفاكهة إسراع المزارع صادق إسماعيل في تنقيب وتحضير أرضه لزراعة القمح في سهل مجدلون في بعلبك. يتسابق إسماعيل مع الطّائرات ولا يجد سوى ابنه لحراثة الحقل وزراعة البذور. "الرّوح غالية والرّزق أيضاً، ولا يمكن الهروب وترك حقولنا بور"، يقول إسماعيل، الذي أنهى تحضير وزراعة 50 دونماً من القمح وحلَّت بعدها الأمطار لتكون دواءً للأرض.

وعن المردود المادي للعمال، كان أجر العامل في اليوم، قبل الحرب، 8 دولارات، وكان وزن القطاف يصل إلى 5 أطنان، لكن في ظل الحرب والمخاطر، وصلت أُجرة العامل إلى حدود 15 دولاراً، فيما لا يصل القطاف إلى ثلاثة أطنان، وفق علي عقيل. 

وبالانتقال من غربي بعلبك وصولاً إلى منطقة القاع ومشاريعها حيث تنتشر مئات الدّونمات الزّراعية من أجود أصناف العنب والفاكهة، حمل العشرات من المزارعين دماءهم على أكفّهم بحسب تعبير المزارع أحمد التّرشيشي، الذي يواجه الموت يومياً في طريق انتقاله من تعلبايا (قضاء زحلة) إلى أقصى البقاع الشمالي في القاع.

لم يترك التّرشيشي بساتين الدّراق والزّيتون والرّمان، ويجتاز يومياً 95 كيلومتراً للوصول إلى بساتينه. ومن ثمّ عليه أن ينقل إنتاجه بنفسه إلى الأسواق الزّراعيّة في قضاء زحلة، بعد أن أحجم العديد من أصحاب الشّاحنات عن القيام بهذه المخاطرة. 

هي زراعة وأرزاق مجبولة بالدّم والخوف والكلفة التي تضاعفت 3 مرّات مقابل تراجع في الأسعار، ولكن "لن نترك رزقنا يبور" هو لسان حال مزارعي البقاع الصامدين.