"محطة العار".. سخط شعبي مصري لرسوّ السفينة "كاثرين" بميناء الإسكندرية
"سُفن العار، عبرت الموانئ المصرية لإبادة إخوتنا في غزة ولبنان، لا أعرف كيف تسمح مصر لتلك السفن المحمّلة بمواد عسكرية لكيان الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية"، هكذا عبّر مصريون عن موقفهم من تسهيل مصر عبور سفن محملة بالأسلحة إلى "إسرائيل".
في وضح النهار، مرت سفينة حربية إسرائيلية في مجرى قناة السويس المصرية، وتحت جنح الظلام، رست سفينة برتغالية ترفع العلم الألماني تحمل مواد شديدة الانفجار لتصنيع القنابل لصالح الكيان المحتل في ميناء الإسكندرية، شرقي القاهرة، ما أثار غضباً عارماً ورفضاً واسعاً في الشارع المصري بعد الفضيحة المدوية التي وثقتها مقاطع الفيديو والصور.
الضجة الكبيرة التي عاشتها مصر إثر مرور سفن تغذي آلة الحرب الإسرائيلية بقناة السويس وميناء الإسكندرية، وبعد رفض دول مثل مالطا وناميبيا وأنجولا استقبال السفينة كاثرين (Kathrin)، التي عبرت إلى ميناء أسدود في الأراضي المحتلة، بعد تفريغ حمولتها في سفينة أخرى، لم تقف عند الحدود المصرية بل سُمع صداها في الأراضي المحتلة ودول عربية وأجنبية عبر أصوات حقوقية وشعبية تطالب بوقف مساهمة مصر في دعم الكيان الإسرائيلي؛ قاتل النساء والأطفال ومُدمر الحجر والبشر.
هذا الصدى الشعبي الرافض للتطبيع مع "إسرائيل"، دوّى عالياً حيال جرائم الاحتلال في غزة ولبنان، ودفع "حملة مقاطعة إسرائيل" إلى تحذير القاهرة من طائلة المسؤولية القانونية المباشرة حسب اتفاقية منع الإبادة الجماعية، وقالت منظمة العفو الدولية، إن القانون الدولي الإنساني يحظر على الدول نقل الأسلحة إلى طرف في نزاع مسلح لمنع ارتكاب جرائم حرب، كما يلزم مصر بعدم تسهيل هذا النقل غير القانوني".
أما مصر الرسمية، وأمام تلك الضجة والتطورات، بررت عبر عدة بيانات متتالية موقفها، لكن قوبلت جميعها بانتقادات محلية ودولية وحقوقية.
سفن العار
"سُفن العار والخذلان العربي، عبرت الموانئ المصرية لإبادة إخوتنا في غزة ولبنان، لا أعرف كيف تسمح مصر لتلك السفن المحمّلة بمواد عسكرية لكيان الاحتلال باستخدام المياه والموانئ المصرية"، بلهجة غضب زادت وجهه الأبيض بالاحمرار، يقول محمود عمر الدين لـلميادين نت.
علم الدين، وهو موظف في إحدى الهيئات الخاصة، بدا مندهشاً، وغلبت علامات التعجب على لغة جسده حيال موقف السلطات المصرية، الذي يراه "لا يمثل كل المصريين المحبين والداعمين للقضية الفلسطينية ولبنان وأهله"، متسائلاً عن العلاقة التي تربط شركة المكتب المصري للاستشارات البحرية (EMCO) الذي استقبل سفينة "كاثرين" مع مشغّلي تلك السفينة وكيان الاحتلال الإسرائيلي.
يصف علم الدين، الرجل الستيني، مرور سفن للكيان الإسرائيلي، مُحمّلة بالسلاح والمتفجرات لقتل الأطفال والنساء بـ"الأمر المحزن"، وبأنها "سفن العار" بعد أن رفضت دول ناميبيا ومالطا وأنغولا استقبالها، مشيراً إلى أن هذا الأمر يضع الجميع أمام مسؤولية أخلاقية وتاريخية حيال القضية الفلسطينية.
الآن أدرك أحمد الرواي، أن الولايات المتحدة ودول غربية ليست المتورط الوحيد في دعم الكيان الإسرائيلي بالسلاح والعتاد، بل هناك "حكومات عربية متواطئة وتجلب العار لشعوبها"، مضيفاً: "الأمر يثير الغضب والسخرية والسخط"، معتبراً أن "دعم المجازر التي يرتكبها جيش الاحتلال ضد الشعبين الفلسطيني واللبناني وفي اليمن والعراق وسوريا أمر مخجل".
من وجهة نظر الطبيب الثلاثيني، فإن "أنظمة التطبيع العربية تتواطأ في مساندة العدوان الإسرائيلي ولم تكتف بالصمت على جرائم الإبادة في غزة والمجازر في لبنان، بل تنحاز لنظام صهيوني يقتل الجميع بدم بارد في مشاهد كارثية يراها العرب والعالم ليل نهار عبر شاشات التلفزة".
لكن موقف السلطات يناقض موقف الشعوب، وفق الراوي، الذي اعتبر أن "مرور السفن بالمياه المصرية إلى كيان الاحتلال أمر يتعارض مع القرارات والمواثيق الدولية مثل "ميثاق روما" الذي دعا جميع الدول إلى الامتناع عن توفير أي دعم للجرائم ضد الإنسانية وجرائم الإبادة الجماعية وهو ما يقوم به نتنياهو وجيشه النازي في غزة ولبنان".
من جهته، ذكر إعلام إسرائيلي أن السفينة العسكرية التي مرت بقناة السويس من طراز "ساعر 5" وتحمل صواريخ "بحر- أرض/ لورا" وصواريخ "بحر- بحر / غابرييل 5"، زاعماً أن "حركة العبور روتينية نسبياً، وعادة تنطلق سفن الصواريخ الإسرائيلية من حيفا إلى إيلات وبالعكس عبر المياه المصرية"، كما أن العبور جاء لأن "هناك في إسرائيل من يريد رؤية هذه القاذفات تعبر القناة المصرية لتوصيل رسالة لجهة ما"، بينما ردت هيئة قناة السويس المصرية، بقول إن عبور السفن الحربية يخضع لإجراءات خاصة.
مبررات تشعل الانتقادات
ثلاثة بيانات مصرية متفرقة، ساقتها السلطات المصرية لتبرير مرور السفن بقناة السويس والرسو في ميناء الإسكندرية، إذ نفى في البيان الأول المتحدث العسكري المصري العقيد غريب عبد الحافظ، وجود أي شكل من التعاون بين الجيش المصري و"إسرائيل"، والثاني بررت فيه هيئة قناة السويس مرور سفينة الكيان بأنه جاء طبقاً لاتفاقية القسطنطينية تكفل حرية الملاحة البحرية لجميع السفن العابرة للقناة من دون تمييز لجنسيتها، أما الثالث فكان عبر وزارة النقل قالت فيه إن السفينة "كاثرين" قامت بتفريغ شحنة خاصة لمصلحة وزارة الإنتاج الحربى المصرية وغادرت إلى ميناء "حيدر باشا" التركي، لكن جميعها مبررات زادت حالة الغضب والاستياء لدى المصريين.
فاطمة الأمير، طالبة جامعية، اعتبرت أن " التذرع باتفاقية القسطنطينية أمر لا ينطلي على أحد، لأن مصر لم توقعها في عام 1888، لأنها كانت ولاية عثمانية تحتلها بريطانيا وهما من وقعها"، مشيرة إلى أنه "خلال الحرب العالمية الثانية سيطرت بريطانيا على قناة السويس ومنعت مرور سفن الدول المعادية لها، ما يعني أن "لمصر حق منع السفن المعادية لأنها وصولها للكيان الصهيوني يعني تهديد الأمن القومي المصري من غزة المجاورة".
"التبرير الأجوف" من وجهة نظر مصطفى كامل المصري، يزيد السخرية ويقلل الثقة بين الحكومة والمواطن، مضيفاً: "ما معنى أن نتمسك باتفاقية أكل الدهر عليها وشرب في وجه كيان يضرب بعرض الحائط كل المواثيق والأعراف والاتفاقيات الدولية، ويخرق حتى معاهدة السلام مع مصر بما فيها تفاهمات "محور فيلادلفيا" الذي سيطر عليه منذ عدة أشهر، وحالياً يشيد منشآت عسكرية ويمدها بالكهرباء والإنترنت، ما يعني احتلال دائم لأراض مصرية".
كامل المصري، سبعيني متقاعد، يعتبر أن مصر بحاجة إلى مراجعة موقفها من مرور سفن لنظام الأبارتهايد الإسرائيلي، لأن هذا "موقف مخزي يجب العدول عنه حتى وقف جرائم الاحتلال في غزة ولبنان".
وقفات احتجاجية
لم تتوقف موجة الغضب من القرار المصري، بل امتدت إلى نقابة الصحافيين المصريين، حيث نظم العشرات وقفة احتجاجية على سلالم النقابة للتعبير عن معارضتهم لمرور سفينة عسكرية للكيان بقناة السويس، ورسو أخرى تحمل مواد عسكرية لمصلحة الإسرائيليين في ميناء الإسكندرية.
وبينما ردد المتظاهرون هتافات تطالب بالتضامن مع الفلسطينيين واللبنانيين الذين يعيشون على وقع حرب إبادة جماعية، استنكر حزب المحافظين المصري، في بيان، تصريحات هيئة قناة السويس بشأن التزامها باتفاقية القسطنطينية، وأنه "يرفض رفضاً قاطعاً الاحتماء بنصوص اتفاقيات دولية عفا عليها الزمن في وقت تشن فيه إسرائيل حرب إبادة جماعية على أشقائنا في غزة ولبنان".
محمد سعد عبد الحفيظ، وكيل نقابة الصحافيين، يقول إن مصر قادرة على منع سفن الكيان الإسرائيلي من العبور بدون أي لوم أو قلق لأن لديها أسباب موضوعية تمنحها غطاء شرعياً ودولياً وقانونياً وشعبياً.
ويوضح عبد الحفيظ أن "أمام القاهرة مبدأ المعاملة بالمثل لأن الكيان الصهيوني احتل محور فيلادلفيا بالمخالفة لملحق اتفاقية السلام، كما احتل معبر رفح بالمخالفة لاتفاقيات المعابر، يضاف إلى ذلك أن الكيان يستبيح أراض فلسطين ولبنان الدولتين العضوتين في الجامعة العربية، التي لها مقر في القاهرة، كما أنه مدان بالإبادة الجماعية من المحكمة الجنائية الدولية، كما أمام القاهرة استغلال الغطاء السياسي والشعبي العالمي المناهض لحركة الأسلحة الإسرائيلية".
أما المحامي المصري أحمد أبو العلا ماضي، فقدم بلاغاً للنائب العام المصري ضد رئيس مجلس الوزراء بصفته، ورئيس هيئة ميناء الإسكندرية بشأن رسو السفينة " كاثرين"، مؤكداً أن الأمر يستوجب المحاسبة القانونية.