"لو فُتح المعبر لدخلنا بأسلحتنا إلى غزة".. مصريون يؤكدون رفضهم العدوان ومخطط التهجير
في ظل تواصل العدوان الإسرائيلي الوحشي على قطاع غزة، يؤكد مصريون أنهم يتضامنون مع غزة رافضين كل أشكال الإجرام الصهيوني والإبادة بحق الغزاويين، مطالبين بفتح معبر رفح أمام المساعدات الإنسانية بالتوازي مع استنكارهم مخططات الاحتلال لتهجير الفلسطينيين.
بعيون دامعة ووجه يكسوه الأسى والغضب، رد أحمد نصر الدين، على تساؤلاتنا بشأن حرب غزة وممارسات الكيان الصهيوني وجرائم الإبادة التي يرتكبها في القطاع الفقير والمحاصر، قائلاً: "قضية فلسطين هي قضيتنا الأولى، لن نتخلى عنها مهما طال الزمن، أبكي كل ليلة على ما أشاهده من جرائم حرب إبادة في صفوف إخواننا الفلسطينيين.. يعجز اللسان عن الحديث عن تخاذل القادة العرب، وقلة حيلتنا كشعوب".
نصر الدين، وهو معلم اللغة العربية في مدرسة طه حسين الابتدائية في منطقة المنيرة وسط القاهرة، يضيف لـلميادين نت، أنّه "منذ اللحظات الأولى من عملية 7 أكتوبر التي سطرت فيها المقاومة الفلسطينية من حركتي حماس والجهاد الإسلامي وفصائل فلسطينية أخرى، ملحمة بطولية تكتب في التاريخ، انكببتُ على شرح القضية الفلسطينية منذ نكبة 1948 حتى الأحداث الجارية لطلابي في المدرسة، بالإضافة إلى تاريخ النضال الفلسطيني لتحرير الأرض، حتى يتمكنوا من إدراك حجم تلك المعاناة والتاريخ الأسود للصهاينة وعربتدهم في أراضينا المقدسة، والتي تتم للأسف برعاية بعض الدول العربية التي طبعت علاقتها مؤخراً مع إسرائيل".
يعيش سكان غزة منذ 7 أكتوبر الماضي، ويلات حرب عصيبة وجرائم حرب يرتكبها الاحتلال، استشهد فيها أكثر من 19500 ـفلسطيني وجرح أكثر من 50 ألفاً آخرين، برصاص وهجمات وحشية براً وبحراً وجواً، في وقت تلتفت فيه أنظار العالم نحو معبر رفح، وهو نقطة العبور الوحيدة لإجلاء فلسطينيي القطاع إلى مصر ثم إلى دولة أخرى.
وفي وقت أقامت مصر مستشفى ميدانياً في سيناء لاستقبال الجرحى من القطاع، علاوة على فتح مستشفيات في مدينة العريش، معلنة أيضاً عزمها على مواصلة إرسال المساعدات، تؤكد عدم استعدادها لتوطين الفلسطينيين في سيناء، وفق ما قدمته أطروحات إسرائيلية، على مدار الأسابيع الماضية، لمنع تصفية القضية الفلسطينية، وفق الرئاسة المصرية، وفي ظل مخاوف متزايدة من أن يكون نزوح الغزّيين إلى جنوب القطاع بداية "نكبة ثانية"، كما وصفها الرئيس الفلسطيني محمود عباس.
شريان الحياة لغزة والتخاذل العربي
ببشرته الداكنة والتجاعيد التي تملأ وجهه بفعل ضيق الحال، يشدد نصر الدين، خلال حديثه، على ضرورة وقف العدوان على غزة، لافتاً بصوت غاضب إلى أنه "لم نشاهد مدينة تم تدميرها وقتل شعبها الأعزل حول العالم مثلما يحدث في غزة، في ظل تخاذل وتواطؤ دولي وعربي"، كما يشير إلى ضرورة فتح السلطات المصرية معبر رفح على مدار الساعة لدواع إنسانية من دون التنسيق مع "إسرائيل"، وإجبارها على ذلك لإدخال المساعدات الإنسانية والوقود للقطاع، لتشغيل المشافي ومنع الموت الذي تفوح رائحته في كل بقاع غزة.
ورغم ذلك، ووفق هذا المتحدث، الذي ينحدر من إحدى مدن القناة، شمالي القاهرة، فإن معبر رفح هو شريان الحياة للفلسطنيين، ويتابع: "عزاؤنا الوحيد حالياً هو صمود الفلسطينيين وتمسكهم بأرضهم ورفضهم مخطط التهجير الذي تريده إسرائيل لسرقة أراضيهم.. نحن كمصريين نرفض التهجير القسري ومع بقاء شعب غزة في أرضه لوقف هذا المخطط الشيطاني".
ومعبر رفح هو نقطة الخروج الواقعة في أقصى جنوب قطاع غزة، ويحد صحراء سيناء على الجانب المصري، بينما هناك معبران آخران لدخول قطاع غزة والخروج منه، هما معبري إيريز، وكرم أبو سالم، و"إسرائيل" تغلق كليهما.
"أبو عبيدة" وفرحة عارمة بالتسجيلات
"كل يوم من الحرب في غزّة، تزيدُ مأساة الفلسطينيين داخل القطاع، ومع تلك الأزمة تنفطر قلوبنا"، بتلك الكلمات عبر مصطفى الصاوي، وهو بائع خضروات في إحدى أسواق القاهرة، عن حزنه لما يتعرض له أهالي غزة من تشريد وموت ومحاولة تهجير قسري.
ويقول الصاوي، المُجاز من المعهد العالي للكمبيوتر وتكنولوجيا الإدارة في محافظة سوهاج، صعيد مصر، باللهجة العامية المصرية، لـلميادين نت، إن "فلسطين القلب، أنا بحبّ أبو عبيدة، وينتابني القلق لمّا يغيب ولا أسمع تسجيلاته، والأيام الماضية، لما قالوا إنه قتل زعلت جداً وكنت خايف، ولما ظهر من جديد كنت عايز أضع التسجيل في مكبرات الصوت عشان الكل يسمعه، صوته بيطمّني بالنصر وإن إسرائيل مهزومة، وكل يوم بدعي ربنا وعندي عشم في كرمه، إن الصهاينة وأعوانهم من الأمريكان سيهزمون، واللي بيحصل في غزة من جرائم للجيش الإسرائيلي المحتل، لا يصدقها عقل، والله بس يفتحون الحدود ويشوفوا نعمل إيه، لازم إسرائيل تشوف العين الحمرا عشان تبطل قتل إخوتنا بفلسطين".
يرتدي الصاوي الجلباب الصعيدي، ويشَمَّرَ عن ساعده وهو ببيع بعض الخضروات لسيدة وقفت أمامه لشراء احتياجات أسرتها، يضيف لـلميادين نت أن "مشكلتنا هي فينا كعرب.. فلو رأتنا إسرائيل على قلب رجل واحد، لم ترتكب تلك الجرائم في غزة. أجلس يومياً أمام التلفاز، وأضرب كفاً على آخر بسبب حجم الجرائم التي يقابلها قادة العرب بالخذلان والعار".
ويعود إلى حديثه باللهجة العامية المصرية، قائلاً: "الواحد مش عارف يعمل إيه، تخاذلنا عن نصرة الفلسطنيين يشعرني بالخزي والعار"، خاتماً حديثه: "أقول لكل فلسطيني حقك عليه أنا.. مصطفى الصاوي بياع الخضار في سوق سعد زغلول في وسط البلد، بيقولك حقك عليّ، وإن شاء الله بلدكم حتتحرر بأيديكم أنتوا.. ما تستنوش العرب".
"روح الروح" ومخطط التهجير
"قلبي ينفطر كل يوم، وأشعر بالعجز والألم، لا يسعني إلا تفويض الأمر لله من هول المشاهد والقتل والتدمير وعدد الشهداء، أتعبتني نفسياً مشاهد أهل غزة وهم يرحلون من منازلهم تاركين مسقط رأسهم وذكرياتهم، لا حيلة لي إلا البكاء، أحاول تجنب التلفاز قدر الإمكان وإن كنت لا أستطيع"، بتلك الكلمات المؤثرة تعبر السيدة المصرية صفية حبيب، المديرة السابقة في البنك الزراعي المصري، عن شعورها وعيناها تذرفان الدموع، وتقول: "مشهد الرجل الفلسطيني الشيخ خالد نبهان جد الطفلة الشهيدة ريم المعروف بـ"روح الروح"، والذي ظهر يحتضن نجلته في المستشفى، ويداعب خدها بينما هي فارقت الحياة، ويقول إنها روح الروح، أتعبتني نفسياً، كلما شاهدته أبكي بحرقة.. هذا المشهد وتلك الصورة لا تفارق خيالي".
وخلال لقاء الميادين نت مع السيدة السبعينية في محطة "مترو التحرير" بالقاهرة، تضيف بوجه يظهر عليه ملامح الألم والأسى، بمجرد سؤالها عما يحدث في غزة والقضية الفلسطينية: "المصريون بكل تأكيد يدعمون فلسطين ومنذ حرب 1948، فحروب مصر جميعها والعداء بيينا وبين الاحتلال الصهيوني مرده القضية، وهذا لن ينتهي أبداً من قلوبنا طالما استمرت مأساة أخواتنا في غزة والأراضي الفلسطينية، وحتى بعد ذلك، سيظل ما فعلته إسرائيل بحقهم محفوراً في العقل لن ننساه، وسيأتي اليوم الذي يحاسب فيه الصهاينة على أفعالهم أمام المحاكم الدولية".
هزيمة "إسرائيل" عسكرياً واستراتيجياً
المهندس محمد الفلسطيني، وهو شاب ثلاثيني، يقول لـلميادين نت، إن "ما يشفي صدورنا ويمنحنا بعض الصبر على المجازر التي ترتكبها إسرائيل والجنود الصهاينة في غزة هو انتصار وصمود المقاومة وحركتا حماس والجهاد الإسلامي، والهزيمة النكراء التي تلحق بجنود الاحتلال يومياً، إنها مفخرة لكل عربي ومسلم حول العالم، لقد ضرب لنا أهالي غزة نموذجاً في الصمود والتمسك بالأرض ورفض التهجير على رغم تآمر دول العالم عليهم".
ويضيف الفلسطيني، وهو شاب يعمل لدى إحدى شركات الاتصالات في مصر، بابتسامة كست ملامحه، رداً على سؤال حول اسمه وعلاقته بفلسطين: "هو اسم شهرة لعائلتي، من شدة حب أبي وتعلقه بفلسطين، أطلق عليه البعض هذا اللقب، أبي شارك في حرب 1967 و1973 وخالي شهيد، وزوج خالتي أصيب في الحرب، نحن عائلة صغيرة، قدمنا بعض التضحيات في سبيل إرجاع سيناء من يد الصهاينة، لو عاش أبي وشاهد انتصارات حماس حالياً، وبهدلة الصهاينة وحرقهم الدبابات والمركبات العسكرية، لرقص من شدة الفرح".
ويتابع لـلميادين نت، أنه "يومياً وعقب انتهاء عملي، وعودتي إلى المنزل، أشاهد شاشات التلفزة المختلفة، للاطلاع على آخر تطورات ونجاحات ملحمة الصمود الغزاوية، أشعر بالفخر والفرح على رغم اعتصار قلبي ألماً من هول المجازر وجرائم الحرب والإبادة، لكن فرحتي هي أن حماس هزمت جيش الاحتلال وكبدته خسائر فادحة وتاريخية حتى الآن".
وتحت عنوان "قلوبنا ودمنا مع غزة"، بدأ في أكتوبر الماضي، نشاط إغاثي شعبي وحملات شعبية في مختلف المحافظات المصرية لدعم غزة، حيث جهّزت عدة مؤسسات للمجتمع المدني والأهلي، على رأسها الهلال الأحمر المصري والبنك الطعام المصري والأورمان ومؤسسة مصر الخير وغيرها بالشراكة مع وكالات أممية في القاهرة، قوافل إنسانية وطبية لدعم غزة تحت إشراف حكومي، تنوعت ما بين جمع التبرعات المادية والعينية والطبية، والتبرع بالدم، وقوافل غذائية كبيرة أُرْسِلَت إلى العريش ودخل بعضها إلى قطاع غزة بالفعل ضمن المساعدات الدولية، التي أُدْخِلَت خلال الهدن الماضية.