"قسد" تغيّر ديمغرافية شمال سوريا: فرض مناهج تعليمية وهوية جغرافية جديدة
لم تكتفِ قوات سوريا الديمقراطية بتدمير المدارس وتغيير المناهج التعليمية في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، بل تبنّت سياسة "التكريد"، من خلال تغيير معالم وأسماء المدن والقرى العربية واستبدالها بأسماء كردية.
منذ سيطرة قوات سوريا الديمقراطية "قسد" على مناطق واسعة في شمال وشرق سوريا، عملت على ترسيخ مبادئها وأهدافها الانفصالية، عبر استهداف الهوية العربية لمنطقة الجزيرة السورية وفرض سياسة "التكريد" داخلها، من خلال فرض اللغة الكردية في المناهج الدراسية، وتغيير أسماء القرى والبلدات الواقعة تحت سيطرتها، إضافة إلى تدمير القيم الأصيلة التي تربّى عليها أبناء المنطقة منذ مئات السنين.
وشرَعَت "قسد" في فرض مناهجها التعليمية ضمن مناطق شمال شرقي سوريا، منذ العام الدراسي 2014 - 2015، حيث درّبت نحو 600 معلم على تدريس مناهجها الجديدة في المدارس التابعة لها.
تضمنت مناهج "قسد" أفكاراً حول "الدولة الكردية" وحدودها، وضرورة القتال لإقامتها بين سوريا والعراق وإيران وتركيا، باعتبارها حلم الشعب الكردي ويجب القتال لتحقيقه، إضافة إلى ذلك احتوت المناهج على أفكار وأقوال للزعيم الكردي عبد الله أوجلان، بينما أفردت المناهج مساحات واسعة للحديث عن الزعماء الكرد، في إشارة إلى ضرورة تخلي أبناء الشمال الشرقي من سوريا عن وطنهم، وزرع أفكار جديدة تناسب العقيدة الكردية الانفصالية.
عدد من أهالي الشمال السوري عبروا عن غضبهم من هذه المناهج، وخصوصاً أنهم يقولون إنها تضمنت محتوى دينياً مسيئاً للإسلام والنبي محمد (ص)، ولم تكتفِ "قوات سوريا الديمقراطية" بتلك الإساءة الدينية، بل عمدت نهاية العام الماضي إلى إيقاف تعليم القرآن الكريم والمناهج الإسلامية في مناطق سيطرتها، وتوعدت من يخالف هذا القرار بالمساءلة والملاحقة القانونية.
ولم تغفل المناهج الجديدة عن عرض أحداث معاصرة متعلقة بالحرب الحالية، من خلال التأكيد على فكرة "محاربة قسد لداعش بشكل فردي"، حيث مجّدت الدروس قادة "القوات"، فظهر في بعض الصور داخل المناهج قتلى من "قسد"، ومنهم فيصل سعدون، الذي قُتل عام 2016 في إقليم كردستان العراق، إضافة إلى ورود اسم افيستا خابور المقاتلة الكردية التي فجرت نفسها في معارك عفرين بريف حلب شمال سوريا.
معلمون أكدوا للميادين نت أن المناهج التي فرضتها "قسد" تضم عدداً قليلاً من المواد التعليمية، ولا تغطي كامل العملية التربوية، وتقتصر على عدد محدود من المواد هي اللغة العربية والرياضيات والعلوم فقط إضافة إلى اللغة الكردية، كما أنها لا تغطي كامل العام الدراسي، فضلاً عن اختلاط دروس المواد ببعضها، حيث تحوي كتب العلوم على بعض دروس اللغة العربية أو الرياضيات وكذلك الأمر بالنسبة لبقية المواد.
كما أصدرت "الإدارة الذاتية" التابعة لـ "قوات سوريا الديمقراطية" قرارات متلاحقة بإغلاق المدارس والمعاهد الخاصّة التي تدرس مناهج وزارة التربية السورية، في محاولة لدفع أهالي الجزيرة إلى الالتحاق بالمدارس التي تديرها "قسد"، وبالتالي إجبار السكان على تعلم المناهج الكردية المخالفة لعادات وقيم أهالي المنطقة وتروّج لأفكار "قسد" الانفصالية.
"قسد" تحارب التعليم
"طوال فترة سيطرة قسد في الجزيرة السورية لم تقم ببناء مدرسة واحدة، بل كانت سبباً في تدمير مئات المدارس"، يقول الأستاذ هيثم المحيمد من الحسكة للميادين نت، ويضيف: "المجمعات التربوية المحلية عملت على تحويل 85 منزلاً في دير الزور إلى مدارس، نظراً إلى انعدام البنى التحتية الخاصة بالقطاع التعليمي في المنطقة، حيث تضررت حوالى 700 مدرسة في المناطق التي تديرها الإدارة الذاتية التابعة لقسد في دير الزور، ولم يجرِ العمل على ترميمها".
وتابع المحيمد حديثه: "لا تتوفر في بعض المدارس مقاعد للطلاب، وهم يضطرون للجلوس على أرضية ترابية خلال الدروس، في حين لم تتجاوز ميزانية التعليم التي طرحتها "الإدارة الذاتية" للعام الدراسي 2020 و2021 مليوني دولار أميركي، بينما انخفضت في العام الدراسي 2022 و2023 إلى أقل من مليون دولار، وهو ما يعكس تراجع الاهتمام بالعملية التعليمية في مناطق سيطرة "قسد".
وفي هذا السياق يشير عضو المكتب التنفيذي عن قطاع التربية والتعليم في محافظة دير الزور جمعة الهناد للميادين نت إلى أن المناطق التي تسيطر عليها "قسد" تعاني من تردي واقع التعليم، حيث حُرِم آلاف الأطفال من الدراسة سيما في المرحلة الدراسية الأولى، نظراً لعدم توفر مقومات التعليم، حيث قامت "قوات سوريا الديمقراطية" بتحويل عشرات المدارس إلى ثكنات عسكرية ومعسكرات تدريبية، إضافة إلى فرض مناهج تعليمية تخدم الأفكار الانفصالية وتشوّه القيم الوطنية والثقافية والاجتماعية التي يتمتع بها أهالي الجزيرة السورية، من دون إغفال أن الشهادات التي تمنحها غير معترف بها.
ولمحاولة ترميم الفجوة التعليمية الحاصلة في المنطقة الشرقية أكد الهناد أن الحكومة السورية أصدرت برنامجاً تعليمياً لأبناء المنطقة الشرقية يُسمى "الفئة ب"، وهو برنامج مكثّف للطلاب المنقطعين عن التعليم بحيث يُنجز الطالب العام الدراسي كاملاً خلال فصل واحد فقط، كما أتاحت وزارة التربية السورية الفرصة للطلاب القادمين من مناطق سيطرة "قسد" من أجل التقدم لامتحانات الشهادة العامة الثانوية والتعليم الأساسي، والحصول على الشهادات التعليمية المعترف بها رسمياً.
أما في محافظة الحسكة، فتؤكد البيانات أن 90% من مدارس المحافظة سيطرت عليها "قسد" وأغلقتها ومنعت التدريس فيها، حيث يبلغ عددها نحو 2200 مدرسة، في حين لم يتبق داخل المحافظة إلا بضع مدارس موجودة في مركزي مدينتي الحسكة والقامشلي وهي مناطق واقعة تحت سيطرة الدولة السورية.
وعن معدلات انتشار الأمية في الجزيرة السورية، فقد بيّن رئيس دائرة تعليم الكبار والتنمية الثقافية في الحسكة تيسير الحاج للميادين نت أن النسبة ارتفعت خلال السنوات الأخيرة إلى 35%، بسبب تدمير القوات الأميركية والتركية و"قسد" لعدد كبير من المدارس، إضافة إلى منع "قوات سوريا الديمقراطية" تدريس المناهج الرسمية في المناطق الخاضعة لسيطرتها.
ونوّه الحاج إلى أن الدولة السورية كانت قد وصلت قبل الحرب إلى مراحل متقدمة في سعيها للقضاء على الأمية في المنطقة الشرقية، نظراً لامتلاكها نظاماً تعليمياً قوياً معروفاً على مستوى الشرق الأوسط في تلك الفترة، لكن ذلك المشروع حاربته "قسد" بكل إمكانياتها خلال فترة الحرب.
الأطفال.. سلاح "قسد" على الجبهات
لم تكتفِ "قوات سوريا الديمقراطية" بإبعاد الأطفال عن مقاعد الدراسة، بل عملت أيضاً على فرض ما يُسمى "التجنيد الإجباري" بهدف اقتياد الشباب إلى الخدمة الإلزامية وزجهم على الجبهات القتالية، كما عمدت إلى إجبار الأطفال دون سن الـ15 على الخضوع لدورات عسكرية مكثفة ليكونوا لاحقاً عناصر في صفوف "القوات".
تتولى منظمة "الشبيبة الثورية الكردية" التابعة لقوات سوريا الديمقراطية عملية تجنيد الأطفال في الجزيرة السورية، ليتم نقلهم إلى معسكرات التدريب عند الحدود السورية العراقية قرب جبل سنجار وفي مدينتي عامودا والقامشلي، حيث يخضعون لدورات عسكرية سريعة قبل أن يتم نشرهم على الجبهات مباشرة.
وأكدت إحصائيات رسمية صادرة عن الأمم المتحدة أن "قسد" تسلّح أكثر من 600 طفل سوري سنوياً، بينما تؤكد المصادر المحلية أن العدد أكبر من ذلك، من دون قدرة المنظمات الإنسانية والحقوقية على توثيقها.
الأمم المتحدة أصدرت عدة بيانات منذ العام 2019 وحتى 2023 لحثّ "قسد" على وقف تجنيد الأطفال وتحييدهم عن الأعمال العسكرية، وتأمين البيئة المناسبة لهم، من تعليم وتغذية وصحة، ورغم تعهّد "قسد" بعدم تجنيدهم إلا أن ذلك لم يوقف عمليات التجنيد الإجباري للكبار والصغار شمال شرق سوريا.
"قسد" تستهدف الهوية الجغرافية
لم تكتفِ قوات سوريا الديمقراطية بتدمير المدارس وتغيير المناهج التعليمية في مناطق سيطرتها شمال شرق سوريا، بل تبنّت سياسة "التكريد"، من خلال تغيير معالم وأسماء المدن والقرى العربية واستبدالها بأسماء كردية، مثل منطقة "رأس العين" التي أصبح اسمها "كري سبي"، ومنطقة "تل أبيض" تم تغيير اسمها لتصبح "سريه كانيه"، وكذلك الأمر بالنسبة لمئات القرى في ريفي الحسكة الشمالي والغربي ودير الزور والرقة.
"قسد" عملت على إلغاء الأسماء العربية المتداولة للمعالم الأثرية والجغرافية ودور العبادة منذ مئات السنين، واستبدلتها بأسماء كردية في إطار سعيها لتغيير الهوية العربية لمنطقة الجزيرة السورية، وحتى المعالم الجغرافية لم تسلم من هذا التغيير، فجبل "سنجار" الذي يطلّ على محافظة الحسكة من جهة الشرق، تمت تسميته بجبل "شنكال"، وجبل "عبد العزيز" الذي يحيط بالمدينة من جهة الغرب تمت تسميته بجبل "كوزال".