أمضوا أياماً تحت الأنقاض ورأوا استشهاد ذويهم.. أطفال في غزة يتحدّثون عن "تجارب الحرب"
لم تكن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحقّ الأطفال مقتصرة على الاستهداف بالقتل؛ وإنما أقدم جنود الاحتلال على اعتقال المئات من الأطفال من مدينة غزة وشمالها، حيث لا تعرف أعدادهم أو ظروف اعتقالهم حتى اللحظة.
لم تمهل الصواريخ الإسرائيلية أمير نصار (3 أعوام) دقائق أخرى ليكمل فرحه باللعب على دراجته الهوائية التي ابتاعها له والده قبل الحرب بأيام قليلة فقط. شيء ما حدث أدى إلى تغيير كامل حياته.
أصيب أمير في قصف إسرائيلي استهدف منزل عائلة جدّه، عندما كان يلهو مع شقيقه أحمد بدراجته، فبترت ساقه اليسرى من جراء ذلك. ولم يرحم القصف عائلته أيضاً، مسفراً عن استشهاد جدته وأعمامه وإصابة والديه وشقيقه الأكبر أحمد.
يروي محمد نصار، والد أمير، للميادين نت تفاصيل الحادثة المؤلمة، قائلاً: "نزحنا منذ بداية الحرب إلى منزل والدي في دير البلح وسط القطاع، وكنا في يوم الحادثة ننتظر أن تنتهي النساء من إعداد طعام الإفطار".
وعلى إثر إلحاح شديد من طفله أمير، وافق على خروجه بدراجته الهوائية للعب خارج المنزل، لكن الإجرام الإسرائيلي سبق اكتمال فرحته، فاستهدفت طائرات الاحتلال منزل العائلة بينما كان يلهو مع شقيقه أحمد، وحوّلته إلى ركام.
ويؤكد محمد نصار أن الأطباء احتاروا بالحالة الصحية لأمير والآلام التي تسبّب به القصف الإسرائيلي له، حيث اضطروا لإجراء أكثر من عملية جراحية له وإعطائه مسكن المورفين شديد الفعالية من أجل التخفيف من آلامه.
"يوم الحادثة كانت المرة الأخيرة التي رأيت فيها طفلي على قدميه، واليوم هو بدون قدم ولديه آلام شديدة في جميع أنحاء جسده، وانخفض وزنه بشكل كبير، ويعيش حالياً على المحاليل والعقاقير الطبية، وجسده الهزيل لا يقوى على ذلك"، وفق والده.
أدّت الحرب الإسرائيلية على غزة إلى استشهاد 8 آلاف طفل فلسطيني، إضافة إلى إصابة عشرات الآلاف منهم، لم يعرف عددهم حتى اللحظة نظراً لعدم قدرة وزارة الصحة في غزة على الوصول إلى جميع الجرحى.
وعلى الرغم من التحذيرات الدولية؛ إلا أن الاحتلال الإسرائيلي واصل بشكل وحشي استهدافه للأطفال. ويؤكد تعمّد "جيش" الاحتلال استهداف المنازل والمباني السكنية، فنيّته قتل أكبر عدد من الأطفال والنساء الآمنين.
"كنّا نلعب في ساحة المنزل قبل أن يطال القصف منزلنا. الأمر حدث في لحظات، زُلزل البيت بالكامل، وسقطت أسقفه فوق رؤوسنا، وأنا نجوت بأعجوبة"، تقول الطفلة لانا صافي، ذات السبع سنوات، والتي أُنقذت من تحت ركام منزل عائلتها المدمّر بقصف الصواريخ الإسرائيلية، على الرغم من نزوح العائلة من غزة لجنوب القطاع هرباً من آلة البطش الإسرائيلية.
وتضيف أن "الجيش الإسرائيلي قتل أختها الصغرى وأبناء عمها.
روت لانا بصعوبة بالغة لـلميادين نت تفاصيل بقائها تحت الأنقاض لأربعة أيام متواصلة من دون طعام أو ماء بعد قصف المنزل الذي تحتمي فيه وعائلتها، ما أدى إلى مقتل 40 شخصاً منهم، أكثر من نصفهم من النساء والأطفال وكبار السن.
استشهد جميع الأطفال في عائلة لانا، وباتت اليوم وحيدة من دون أي رفقاء، متابعةً: "أمضيت أربعة أيام تحت الأنقاض وكنت بين الحين والآخر أصرخ من أجل أن يصل إليّ أحد وينقذني".
رأت لانا الأطفال من أبناء عائلتها يعلوهم أنقاض المنزل بعد تساقط الحجارة فوق رؤوسهم، واصفة ما أقدم عليه الاحتلال الإسرائيلي بحق جميع سكان غزة وتحديداً الأطفال بالوحشي والجرائم البشعة.
لم تكن جرائم الاحتلال الإسرائيلي بحق الأطفال مقتصرة على الاستهداف بالقتل؛ وإنما أقدم جنود الاحتلال على اعتقال المئات من الأطفال من مدينة غزة وشمالها، حيث لا يعرف أعدادهم أو ظروف اعتقالهم حتى اللحظة.
ويفيد مسؤول في وزارة الصحة في غزة، بأنّ أكثر من 60% من ضحايا القصف الإسرائيلي على قطاع غزة من الأطفال والنساء، معتبراً أن الاحتلال يقوم باستهداف هذه الفئة بشكل متعمّد، كما أن طبيعة الجروح شاهدة على وحشيته.
ويقول مدير عام المستشفيات بغزة، محمد زقوت، لـلميادين نت، إن "الجيش الإسرائيلي قتل وأصاب مئات الآلاف من الأطفال خلال حربه على القطاع"، لافتاً إلى أن الأطفال كانوا الضحايا الأبرز للاستهداف الوحشي والقصف العنيف.
ويوضح زقوت أن "القوة التدميرية لجيش الاحتلال من خلال استهدافه المباني السكنية كانت سبباً في استشهاد وإصابة أعداد كبيرة من الأطفال، علاوة على أن الإصابات معظمها خطيرة ويضطر الأطباء لبتر بعض الأطراف".
ولا تمتلك وزارة الصحة في غزة في الوقت الحالي إحصائية رسمية لعدد المصابين من الأطفال أو ممن قطعت أطرافهم بسبب صعوبة التواصل بين المراكز الصحية؛ وفق زقوت، إلا أنه يؤكد استخدام "إسرائيل" أسلحة محرّمة دولياً وقذائف هدفها الأساسي تشويه المصابين وبتر أطرافهم وخاصة فئة الأطفال.
ويؤكد زقوت أن "الأطفال بجميع فئاتهم كانوا عرضة للاستهداف الإسرائيلي، خاصة الأطفال المرضى والخدّج، وأن ضعف الإمكانيات ونفاد الأدوية والمعدات الطبية كانت سبباً بخسارة المئات لأطرافهم العلوية أو السفلية".