يوم السبت.. فسحة لانتعاش تجار البلدة القديمة في القدس
تنتعش أسواق القدس القديمة، بشكل جزئي، يوم السبت، مع انطلاق عشرات الحافلات التي تقل المصلين من بلدات الداخل الفلسطيني ومدنه؛ للصلاة في المسجد الأقصى.
يحار من يقصد البلدة القديمة في القدس يوم السبت إلى أين يلقي سمعه وبصره، فبمجرد دخوله من باب العمود الذي يعدُّ المدخل الأبرز إلى الأسواق العتيقة، تقفز إلى مسمعه عبارات الباعة المقدسيين المنتشرين على مدرجات هذا الباب من الداخل، والتجار الذين يقفون أمام حوانيتهم مرحبين بمئات المارين من أهالي الداخل الفلسطيني نحو المسجد الأقصى.
"فرّح ابنك بخمسة شيكل"، "2 كيلو بندورة بعشرة"، "قرّب وجرّب الجوافة من عنا"، "أي بنطلون رجالي بعشرة"، تختلط هذه العبارات وغيرها مع روائح متنوعة تنبعث إما من الفواكه الموسمية أو من محلات الحلويات والتوابل ومطاعم الفلافل في مشهد انتعاش ينتظره تجار البلدة القديمة كل سبت.
وتنتعش أسواق القدس القديمة، بشكل جزئي، يوم السبت، مع انطلاق عشرات الحافلات التي تقل المصلين من بلدات الداخل الفلسطيني ومدنه؛ للصلاة في المسجد الأقصى، ومع نزول معظم ركاب هذه الحافلات قرب بابي الخليل والعمود، تنتعش القوة الشرائية.
الميادين نت جالت في أسواق البلدة العتيقة وتحدثت إلى تجارها عن يوم السبت المنتظر، وفي سوق خان الزيت، التقت التاجر رياض ادعيس الذي يختص حانوته ببيع التوابل والفواكه المجففة والكثير من الأعشاب والخلطات الطبيعية.
بدا هذا التاجر ذا معرفة عميقة بالأعشاب وفوائدها وطريقة تحضيرها، ولم يبخل بأي معلومة على زبوناته اللاتي استقبلهن بحفاوة.
وعن تحضيراته لهذا اليوم قال: "أتوجه إلى حانوتي مبكراً يوم السبت لأرتب البضاعة، وأعمل على تعبئة أخرى جديدة.. ولا يقصد الأسواق أهالي الداخل الفلسطيني فقط بل معظم المقدسيين الذين لا يتوجهون لأعمالهم يوم السبت، وكذلك العمال الأجانب".
لكن هذا الانتعاش الذي ينتظره التجار أسبوعياً قد تذهب تحضيراتهم له في مهب الريح مع أي تدهور للأوضاع الأمنية في المدينة المقدسة أو مناطق فلسطينية أخرى، لأن تجار البلدة القديمة يدفعون ثمن الإجراءات التعسفية الاحتلالية المتمثلة في إغلاق البلدة وتضييق الخناق على أسواقها، وهو ما يؤدي في نهاية المطاف إلى عزوف الفلسطينيين عن التوجه إلى هذه الأسواق.
ليس بعيداً من حانوت رياض، انهمك إسماعيل اسعيد بترتيب بضاعة حانوته المتنوعة، إذ اضطر إلى تغيير تخصص تجارته مراراً لعلّه ينجح في الخروج من حالة الاحتضار التي تعم أسواق القدس، لكن كل محاولاته باءت بالفشل.
يقول هذا التاجر إن الوضع الاقتصادي المتردي الذي وصل إليه تجار القدس كان يجب أن يدفعهم جميعاً إلى إغلاق محالهم منذ سنوات طويلة، لكنهم يصرون على فتح أبوابها، بالرغم من الخسائر الفادحة.
وأضاف: "عندما يمر السائحون من هنا وهم حفاة لا يرتدون الأحذية، ألمس مكانة وعمق قداسة هذه المدينة لديهم، فكيف ستكون مكانتها لدينا نحن أهالي المدينة؟ عندما أصل البلدة القديمة، أشعر أن روحي رُدّت إليّ.. سر بقائنا حتى الآن في الأسواق هو الانتماء والتعلق بالبلدة القديمة وحرصنا على الرباط فيها".
اسعيد أكد أن حركة المتسوقين يوم السبت تنعشه وتشجعه على فتح أبواب محله في الأيام التالية، وإن خفتت الحركة وانعدمت القوة الشرائية خلالها.
وفي سوق باب العمود من الداخل، التقت الميادين نت التاجر المقدسي وديع الحلواني، الذي وقف خلف بضاعته مرتدياً قميصاً وربطة عنق، وكلما مرّ زبون بجواره، ألقى التحية وعرض عليه احتساء القهوة العربية معه.
لا يتفق الحلواني مع زملائه بخصوص انتعاش يوم السبت، ويقول إنه لا يشعر بهذا الانتعاش في حانوته على الأقل، لكنه شدد على أهمية استمرار توافد المصلين القادمين من الداخل الفلسطيني على مدار الأسبوع بالكثافة ذاتها التي يتوافدون فيها يوم السبت.
ويلفت إلى أن "تفريغ البلدة القديمة وترحيلنا منها هو الهدف الرئيسي للاحتلال، وبالتالي فإن شد الرحال إلى المسجد الأقصى والأسواق المحيطة به يؤخر ويحبط المخططات التهويدية، ومن هنا تنبع أهمية الرباط والحضور والمساندة".
وبعد شراء سلع مختلفة، توجهت 3 نساء التقت بهن الميادين نت إلى المسجد الأقصى، وهناك تحدثن عن حرصهن على التسوق من البلدة القديمة في القدس.
مديحة حجازي قالت إن للتسوق في هذه الأسواق نكهة خاصة لا تجدها في مكان آخر، وأن الأسعار أقل مقارنة بأسواق الداخل الفلسطيني، بالإضافة إلى أنها تدرك أهمية التسوق من البلدة القديمة التي يحتضر اقتصادها منذ سنوات طويلة.
عزّية أبو الفول أكدت هي الأخرى أنها تحرص على التسوق من القدس "لتبقى الأسواق عامرة ولا يُغلق أصحابها أبواب محالهم"، وليس بعيداً من ذلك، وصفت إحدى قريباتها الحاجة خديجة، وجميعهن قدمن من مدينة طمرة في الداخل الفلسطيني، القدس قائلة "هي روحي في هذه الدنيا".
وعددت نساء طمرة السلع التي يحرصن على شرائها من الأسواق العتيقة كالتوابل والسكاكر والحلويات والكعك المقدسي والملابس والهدايا للأحفاد.
ووفقاً لرئيس لجنة تجار القدس حجازي الرشق، فإن البلدة القديمة في القدس تضم 1372 محلاً تجارياً، 354 محلاً أغلقت أبوابها على فترات متفاوتة قبل وصول جائحة كورونا، وبعد وصول الجائحة، أُغلقت أبواب 460 محلاً تجارياً تختص ببيع التحف السياحية الشرقية، لكن عادت المحال التي أغلقت بسبب الجائحة إلى فتح أبوابها تدريجياً الآن.