نساء أفغانيات للميادين نت: حرمان طالبان لنا من التعليم يشبه حرماننا من الخبز
حركة "طالبان" تحرم النساء في أفغانستان حقوقهن، وتمنعهنّ من أداء أدوارهنّ في المجتمع، متذرعةً بأعذار لا أسس لها، دينياً وحقوقياً وإنسانياً. في هذا التقرير ترد شهادات لأفغانيات عن معاناتهن بسبب القرار ويتحدثن عن قلقهن من مصائرهن المجهولة.
تلقّت طالبات أفغانستان قرار حركة "طالبان"، القاضي بمنعهنّ من الالتحاق بالجامعات وإكمال تحصيلهنّ العلمي، وهنّ في مقاعد الدراسة، فبكيْن، وبكيْن، وبكيْن.
هنّ لم يَبكِين حرمانهنّ أهم حقوقهن فحسب، فخلف دموعهنّ ألمٌ أكبر كثيراً. هنّ بكين أحلامهنّ التي سُرقت منهنّ في لحظة، وبكين مستقبلهنّ الذي بات قاتماً ومجهولاً، كما بكين تقييد حرياتهن وكبح رغباتهنّ المشروعة، ومنعهنّ من أداء أدوارهنّ في مجتمعٍ يحتاجُ إليهنّ للنهوض.
هنّ بكَين أيضاً تحقُّقَ ما خشين حدوثه بشأن عودة "طالبان" إلى الحكم، في آب/أغسطس 2021، بعد المكاسب التي تحقَّقت للمرأة خلال الفترة التي كانت فيها البلاد خارج سلطة "طالبان". فعلى الرغم من الوعود التي أطلقتها الحركة بشأن المحافظة على حقوق النساء، فإنّ قرار حرمان الطالبات الأفغانيات من التعليم، كان متوقعاً، بحيث سبقته قرارات متعدّدة قيّدت، من خلالها، "طالبان" حياة النساء اليومية في البلاد.
#شاهد_عن_قرب طالبات أفغانيات يبكين بعد منعهن من حقّ التعليم#أفغانستان #طالبان #الميادين_Go pic.twitter.com/7OI4VKmrcT
— Go الميادين (@AlmayadeenGO) December 23, 2022
عادت "طالبان"، منذ رجوعها إلى السلطة، إلى تنفيذ القرارات التي كانت اتخذتها خلال فترة حكمها الأولى لأفغاتنستان، بين عامي 1996 و2001، وقيّدت أدوار النساء بصورة كبيرة في عام 2022، إذ منعت "طالبان" الفتيات من الالتحاق بالمدارس الإعدادية والثانوية، واستبعدت النساء، على نحو كبير، عن الوظائف الحكومية، وقيّدت حقَّهن في السفر، وحظرت دخول النساء الحدائق في العاصمة كابول، أو حمامات السباحة والصالات الرياضية. ولم تكتفِ بهذه القرارات المجحفة بحق النساء، بل أصدرت مؤخراً أمراً، طلبت من خلاله إلى جميع المنظمات المحلية والأجنبية غير الحكومية عدمَ السماح للنساء بالعمل فيها.
خلفيات القرار
تتذرّع "طالبان" بإصدارها مثل هذه القرارات بحق النساء، انطلاقاً من أنّها تطبّق الشريعة الإسلامية، لكنّ الإسلام، بطبيعة الحال، يكفل حقوق المرأة في العلم والعمل وممارسة حياتها الطبيعية، ولا يهمّش هذه الحقوق.
هذا الأمر تحدّثت عنه الأمم المتحدة، بصورة خاصة، في تقرير، موضحةً التشويه الذي تمارسه "طالبان" بحق الشريعة الإسلامية، داعيةً الحركة إلى تطبيق قيم هذه الشريعة ومبادئها ومقاصدها الفعلية، التي تنصّ على احترام الكرامة المتأصّلة في كل البشر، رجالاً ونساءًَ على السواء، وهو مبدأ تؤكده كل المصادر الأصلية للإسلام. بالإضافة إلى "المساواة بين الرجال والنساء أمام الله، وهذا مبدأ يُعبّر عنه القرآن، بصورة لا لبس فيها".
ومبادئ العدالة والمساواة بين الجنسين تعني أنّ النساء والفتيات يحق لهن التعليم والوصول إليه، على قدم المساواة مع الرجال.
يُذكَر أنّ هذه المبادئ، التي نجدها في لُبّ الشريعة، تتَّسق مع المبادئ والقيم العالمية لحقوق الإنسان، وهي تؤدي، عند اتّباعها، إلى تحقيق المساواة بين الجنسين والعدالة في القانون والممارسة العملية. وهكذا، فإنّ الشريعة، من هذا المنظور، هي أقرب إلى مفهوم الأخلاقيات التي توجّه البشر نحو العدالة والسلوكيات الصحيحة.
تبعاً لما ذُكر سابقاً، يمكن القول إنّ قرارات "طالبان" بحق المرأة تُخالف ما تنصّ عليه الشريعة الإسلامية، وتخالف أيضاً ما تنصّ عليه مبادئ حقوق الإنسان، الأمر الذي يعني أنّ هذه القرارات ليس لها أي مبرر ديني أو حقوقي، بل هي لا تعدو عن كونها قرارات ذكورية وتمييزية، تهدف إلى عزل المرأة من الحياة، تعليمياً واجتماعياً وسياسياً، وحرمانها من أداء أدوار مهمة في مختلف الأصعدة، التي تساعد البلاد على النهوض.
كفاح النساء الأفغانيات: تعليم سري وتظاهرات علنية
لأنّ نساء أفغانستان يدركن ويَعِين حقوقهنَّ الشرعيّة والإنسانية الطبيعيّة، فإنّهن لم يسكتن عن هذه القرارات، بل رفعن أصواتهنّ تنديداً بها، ونظّمن تظاهراتٍ للمطالبة باسترجاع حقوقهنّ.
تنوّعت الشعارات التي رفعتها النساء الأفغانيات. وهي شعارات نابعة من رحم المعاناة، مثل "خبز وعمل وحرية"، و"العدل العدل، سئمنا الجهل"، و"لقد أخذت تراب أرضي النقية، فلا تأخذ درسي"، إلّا أنّ "طالبان" قمعت هذه التظاهرات، وصمّ قياديوها آذانهم، حتى لا يسمعوا أصوات هؤلاء النساء.
ولم يقتصر كفاح النساء على تنظيم احتجاجات، فحسب، للمطالبة بحقوقهن، بل وصل الأمر بهنّ أيضاً إلى اللجوء إلى التعليم السري.
وكشفت صحيفة "واشنطن بوست"، في تحقيق لها، أنّ "هناك فتيات أفغانيات يتعلّمنَ سراً في منازل مخصَّصة لذلك"، ذاكرةً أنّ هؤلاء الفتيات يحملنَ معهنّ القرآن الكريم بصورة دائمة من أجل حمايتهنّ من ملاحقة عناصر "طالبان".
وأوضحت الصحيفة أنّه إنْ "داهم عملاء طالبان المنزل، تُخرج الفتيات المصاحف، ويتظاهرنَ بأنهنّ في مدرسة إسلامية".
وأشار تحقيق "واشنطن بوست" إلى تحدٍّ أكثر خطورة تواجهه الفتيات الأفغانيات، إذ "تشكّلت مدارس تحت الأرض للفتيات في العاصمة ومدن أفغانية أخرى، مخبَّأة في المنازل والشقق، على الرغم من التهديد الهائل للطلاب والمعلّمين".
وأكّد التحقيق أنّه "بالنسبة إلى الفتيات وعائلاتهن، فإنّ الأمر يستحق المخاطرة".
طالبات أفغانيات: يحقّ لنا أن نتعلم.. يجب أن نُسمَع
وبشأن الحديث عن السُّبُل التي ستلجأ إليها الطالبات الأفغانيات لمواجهة قرارات "طالبان"، أوضحت طالبة العلاقات الدولية في جامعة "إسلام آباد" الدولية الإسلامية، إقيليما نيفاد، للميادين نت، أنّ النساء سيواصلنَ التظاهرات خارج البلاد وداخلها، إذا لم يتغير قرار "طالبان"، وإذا استمرّ العالم في إدارة الأُذُن الطرشاء، والعمى، تجاه هذه القضية".
وقفت وحيدة.. طالبة أفغانية تتحدى "طالبان" بعد قرار حظر التعليم الجامعي على النساء #افغانستان#طالبان#الميادين_Go pic.twitter.com/q5HWlfI4MQ
— Go الميادين (@AlmayadeenGO) December 28, 2022
وأشارت نيفاد إلى أنّ النساء، "منذ بداية صعود طالبان إلى السلطة، رفعنَ أصواتهن من أجل حقوقهن الإنسانية والاجتماعية، ونظّمن تظاهرات في عدد كبير من المدن، لكن طالبان لم تستمع إلى طلباتهن، بل سلبت حقَّهن الشرعي في التعليم".
وأضافت للميادين نت أنّ "على شعب أفغانستان أن يتوقع ما الذي ستقرّره منظمة الأمم المتحدة، وهل ستتخذ الدول الإسلامية في العالم موقفاً بالنيابة عنا".
وتطرّقت نيفاد إلى دور المرأة في المجتمع الأفغاني، وبيّنت للميادين نت أنّ "المرأة الأفغانية أدّت دوراً مهماً في كل المستويات السياسية والاجتماعية"، لافتةً إلى أنّ الأفغانيات شغلنَ عدة مناصب في وزارات الصحة، والتعليم، والتنمية الصناعية وساهمن في تعزيز قدرة المرأة الأفغانية، والدفاع عن حقوقها.
لكن، "بعد وصول طالبان، انتزعت كل هذه الحقوق من أيدي النساء الأفغانيات، ووصلت آمالهن إلى طريق مسدود"، وفق نيفاد.
بدورها، أكّدت طالبة العلاقات الدولية، نيلاب حمتة، للميادين نت، أنّ "الديمقراطية دُمّرت في أفغانستان"، مؤكّدةً أن ليس لديها أي توقعات من حركة "طالبان".
وعلّقت حمتة على تهميش المرأة الأفغانية في المجتمع، من خلال قرار "طالبان" منع الطالبات من الدراسة، واصفةً إيّاه بأنّه أشبه بـ"حرمانهن من الخبز"، إذ إنّ "الحلم الوحيد للمرأة الأفغانية، والذي لطالما تم تجاهله، هو التعليم".
وأكّدت حمتة للميادين نت أنّ المرأة الأفغانية "يجب أن تُسمع"!
أمّا خريجة كلية الزراعة، والصحافية والمدافعة عن حقوق المرأة، مزدة أحمدي، فعبّرت للميادين نت عن شعورها بالصدمة من قرارات "طالبان"، وعدّت "طالبان" "العدوَّ الرئيسَ لتعليم المرأة وعملها".
وشدّدت أحمدي على أنّ النساء الأفغانيات لا يُرِدْن العودة إلى ما قبل عشرين عاماً"، مؤكّدةً أنّ "المرأة هي الجزء الرئيس في المجتمع، ولا يمكن لأحد أن يطردها منه، ويحق لها مواصلة تعليمها وعملها".
أمّا طالبة الصحافة، صابرة خليلي، فعبّرت عن شعورها بالأسف على نفسها وعلى فتيات بلادها، لأن مصيرهنّ اليوم وقع في يد مجموعة غير عقلانية وغير عادلة".
وقالت خليلي للميادين نت إنّ "على كل الشعب الأفغاني أن يتحد ويرفع صوته في وجه حكومة طالبان، من أجل المطالبة بحقوق الفتيات"، مضيفةً أنّه "يجب على الآباء والإخوة والأزواج أن يقفوا إلى جانب بناتهم وأخَواتهم وزوجاتهم، وأن يناضلوا من أجل الديمقراطية" في أفغانستان.
وأكّدت خليلي أنّ "النساء أمّة، وعندما تكون الأمة أميّة، كيف يمكن أن يتطور ذلك المجتمع؟".
وشدّدت للميادين نت على أنّ "التعليم هو مصدر التنمية، فإذا علّمنا رجلاً، فإنّ الرجل سوف يتعلم ويتطور وحده، لكن عندما نعلّم امرأة، فإننا نربي جيلاً".
إدانات دولية.. وطهران تقدّم مساعداتها
قرار "طالبان" حرمانَ الفتيات التعليمَ الجامعي والعمل لقي استنكاراً دولياً. وبحسب الصحافي الأفغاني طاهر خان، فإنّه "زاد في عزلة طالبان في المحافل الدولية" أيضاً.
وأضاف خان للميادين نت أنّه "ليست الدول الغربية فقط، وإنما الدول الإسلامية والزعماء المسلمون أيضاً، مثل شيخ الأزهر أحمد الطيب، دانوا قرارات طالبان، كما رفض الأفغان، بصورة جماعية، هذه القرارات".
وأضاف أنّ "مستقبل تعليم المرأة غير معروف، في حين أن قرار منع النساء من العمل مع المنظمات غير الحكومية هو مؤشر قوي على أنّ طالبان غير مرتاحة إلى أيّ دور للمرأة، أو إلى مشاركة النساء الأفغانيات في العمل".
الجدير ذكره، في السياق، أنّ إيران أعلنت استعدادها لمساعدة الفتيات الأفغانيات على تحصيل تعليمهن، بعد أن قررت حركة "طالبان" حظر التعليم الجامعي في أفغانستان. وأعربت عن تقديم هذه المساعدة، عبر وسائل متعددة، بما في ذلك استخدام الإنترنت والبنية التحتية الموجودة في إيران.
وأعلن رئيس معهد "التعليم عن بُعد" في جامعة "بيام نور" الإيرانية، بهمن زندي، استعداد هذه الجامعة لقبول الطالبات الأفغانيات للتعليم الافتراضي والتعليم عن بُعد.
بعد حظر طالبان التعليم الجامعي على النساء.. إيران تعلن استعدادها لمساعدة فتيات أفغانستان في تحصيل تعليمهن #افغانستان #ايران #طالبان #الميادين_Gopic.twitter.com/7Efwubi9aw
— قناة الميادين (@AlMayadeenNews) December 24, 2022
تداعيات حرمان المرأة من حقوقها على أفغانستان
وفق هذا المنطلق، لا شكّ في أنّ حرمان النساء من أدوارهنّ في المجتمع، ومن حقوقهنّ، وخصوصاً التعليم، سيؤثّر سلباً في المجتمع الأفغاني، في مختلف الصعد الاجتماعية والاقتصادية والعلمية.
وفي هذا السياق، قالت بعثة الأمم المتحدة إنّ "منع نصف السكان من المساهمة، على نحو هادف، في المجتمع والاقتصاد، سيكون له تأثير مدمر في البلد بأكمله".
وأضافت أنّ "ذلك سيعرّض أفغانستان، أيضاً، لمزيد من العزلة الدولية والصعوبات الاقتصادية والمعاناة، الأمر الذي يؤثر في الملايين (من سكانها) في الأعوام المقبلة".
وأكّدت بعثة الأمم المتحدة في أفغانستان أنّ "حرمان النساء والفتيات من حقّهن الأساسي في التعليم يحرم كل أفغانستان من المستقبل".
ولفتت إلى أنّ هذه الخطوة، التي اتخذتها سلطات "طالبان"، عبر استبعاد النساء والفتيات عن التعليم وعن أماكن العمل وغير ذلك من مجالات الحياة، تزيد في مخاطر الزواج القسري والزواج المبكّر والعنف والاعتداء ضد المرأة.
وفي السياق أيضاً، وجد تحقيق أجرته "اليونيسيف"، في آب/أغسطس الماضي، أنّ "حرمان الفتيات في أفغانستان من حقهن في التعليم الثانوي سيكون له تأثير مدمر في اقتصاد البلاد".
وأشار التحقيق إلى أنّ "إبقاء الفتيات خارج المدارس الثانوية يكلّف أفغانستان 2.5% من ناتجها المحلي الإجمالي السنوي.
وبيّن التحقيق أنّه "إذا تمكّنت المجموعة الحالية، المكونة من 3 ملايين فتاة، من إكمال تعليمهن الثانوي، والمشاركة في سوق العمل، فستساهم هؤلاء الفتيات والنساء فيما لا يقل عن "ضخّ" 5.4 مليارات دولار في اقتصاد أفغانستان".
إلّا أن "حرمان الفتيات من الوصول إلى التعليم، سيؤدّي أيضاً إلى نقص، لا مفرّ منه، في أعداد المعلمات والطبيبات والممرضات".